اعطني الدواء يا ولدي.. بقلم عبدالباقي الظافر

اعطني الدواء يا ولدي.. بقلم عبدالباقي الظافر


01-13-2018, 03:39 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1515854368&rn=0


Post: #1
Title: اعطني الدواء يا ولدي.. بقلم عبدالباقي الظافر
Author: عبدالباقي الظافر
Date: 01-13-2018, 03:39 PM

02:39 PM January, 13 2018

سودانيز اون لاين
عبدالباقي الظافر-الخرطوم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر


فجأة اتسعت عينا سعيدة.. لم تعد بتلك الجاذبية التي تغري الرجال وتثير غيرة النساء.. بعدها بدأت تصرخ بشكل هستيري.. لا أريد أن أموت.. قفز ابنها ذو الثمانية أعوام مذعوراً على استغاثة أمه.. فيما التوأم الذي عاد من يوم عمل ضاغط لمن هم في عمر الرابعة استسلما لسلطان النور القاهر. لم يحركهما نداء الاستغاثة.. ماذا يفعل الطفل الصغير في منتصف الليل البهيم؟.. خرج منير يصرخ أمي تريد دواء.. لكن البيوت الفاخرة كانت قد أطفأت الأضواء في انتظار يوم جديد.

عاد منير إلى مرقد أمه ببعض الخيبة.. وجد الزبد الأبيض يتدلى من بين الشفاه الجميلة.. كانت الأم تتحدث بلغة غير مفهومة.. تحكي حكايتها في فصول.. ولدت قبل ثلاثة وثلاثين عاماً في بيت أسرة محدودة الدخل.. كانت الخمر تقاسم الأسرة الصغيرة الدخل المحدود.. في الليلة تعيش العائلة على موسيقى العنف المنزلي.. مكاوي العامل البسيط في السكة حديد يتحول إلى وحش كاسر بعد أن يتناول الجرعة اليومية.. في الصباح يعتذر عن الماضي والذي يعيد تكراره في ذات المساء.

كانت سعيدة جميلة جداً وذكية جداً.. معادلة لها معنى حينما تقترن بالفقر.. ظنت أن إنقاذ العائلة يكمن في الزواج من رجل ثري.. حينما طرق محمد توم الباب وهي مازالت في الصف الأول الثانوي قالت نعم بلا تردد.. بعيد أسبوع اكتشفت أنها هربت من قصر واسع إلى آخر أشد ضيقاً.. الزوج يفرط في تناول المتعة.. يزداد عنفاً إن اعتذرت بأي داع.. بل إن العنف يتلون حتى على الفراش.. كان الأمر بالنسبة له معركة يجب أن يكسبها بأعظم الخسائر للطرف المهزوم.. انتهت الرحلة بطلاق في المحكمة الشرعية.. تنصل الثري من تحمل نفقات الأسرة الصغيرة ظاناً أن مطلقته ستستسلم وترفع الراية البيضاء في أي لحظة.

وصلت إلى الخرطوم تبحث عن عمل ومأوى.. تركت متاعها والأطفال عند إحدى قريباتها.. العمل ليس أمراً سهلاً.. معظم الناس يطلبوا منها أن تبيع شرفها لتسعد.. كانت تقاوم بحزم في كثير من الأحوال.. أخيراً منحها أحد الخيرين وظيفة حارسة في عمارة تجارية.. عم بدري وحده الذي قدر ظروفها.. من تحت البناية صنعت محلاً لبيع الشاي.. كان المحل يكتسب شهرة وزبائن.. طفلها الأكبر يمضي إلى المدرسة فيما نور ونورا يجلسان بالقرب منها لتوفير الحراسة.

على نار الجمر الملتهب كانت تحلم.. أن يتعلم الصغار ويحققوا الأمنيات الغالية.. تبتسم حينما تصنع (سندوتش) فول لابنها وتطبع قبلة على خده "ما تنسى يا دكتور منير لما تكبر تعبي دا".. سحب الدخان والعمل الشاق أصابها بداء "الأذمة".. مع نهاية الأسبوع تشتري البخاخ مع بقية ضروريات الحياة.. قبل أسبوعين كان المحافظ في جولة في المنطقة.. اعتبرها وتوأمها مظاهر غير حضارية.. حينما أشار بعصاته كان الأشداء يحملون كل شيء بما فيه فتيل البخاخ.. تركوا لها المسؤوليات فقط.

في المساء كان عم بدري يطرق بعصاه على أطراف الكوخ الذي صنعته من الخيش وبعض الكرتون.. أخبرها ببعض الحزن أن تبحث عن عمل آخر ومسكن آخر.. طلبت مهلة أسبوع لكنه أخبرها أن ناس البلدية يطالبون بإجلائها في ثلاثة أيام.. منعتها الدموع أن ترد ولم يكن مالك العمارة في انتظار الرد.

استفادت من الظلام لتداري دموعها.. ماذا ستفعل لولدها منير الذي يتصدر الصف الثاني؟.. هل سيفهم التيمان أن عليهما تغيير العنوان والمهنة؟.. داهمها احساس أن تستسلم وتبيع شرفها.. في هذه اللحظة جاءها شبح ود التوم الذي كان يغتصبها في الحلال.. ارتفع صوت نحيبها تحول إلى هستيريا.. كانت تهضطرب وتصرخ لن أبيع نفسي ولو مت جوعاً.. في هذه اللحظة احتاجت إلى البخاخ الذي أخذه رجال البلدية في الصباح.


assayha