مدينة المصائب..!! بقلم عبدالباقي الظافر

مدينة المصائب..!! بقلم عبدالباقي الظافر


12-02-2017, 04:45 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1512229550&rn=0


Post: #1
Title: مدينة المصائب..!! بقلم عبدالباقي الظافر
Author: عبدالباقي الظافر
Date: 12-02-2017, 04:45 PM

03:45 PM December, 02 2017

سودانيز اون لاين
عبدالباقي الظافر-الخرطوم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر


كان القطار يتحرك بسرعة كأنه يسابق الفجر.. ركاب هذه العربة بعضهم نائم والبعض الآخر بدأ يُقلّب الصحف المجانية على ضوء خافت.. مفتش القطار ذو الشارب الكث كان يخرج نفساً عميقاً كلما نزلت مجموعة من الركاب كأنهم كانوا على ظهره.. قبل ثلاث محطات من نهاية الرحلة تبقى أربعة ركاب بجانب المفتش.. أيقظ المفتش أحدهم منبهاً له أنهم اقتربوا من النهاية.. الرجل النائم فتح عينه برهة ثم أغمضها كأنه يعاتب المفتش الشفقان.. في المحطة قبل الأخيرة نزل رجل وسيدة مسنة.. تبقى مع المفتش رجلان .. تحرّك أحدهم من مؤخرة العربة ليجلس قريباً من رفيق السفر النائم.. لاحظ المفتش أن الرجلين تتشابه ملامحهما بشكل غريب ..كلاهما في منتصف الخمسينات.. شعرهما أشيب يقاوم بشراسة زحف الصلع.
عند بوابة الخروج تصدق السيد ال بابتسامة على رفيقه الذي فاق من أثر النوم.. تيد بدا وكأنه غير مصدّق أن الرحلة وصلت منتهاها.. خرج الرجلان إلى خارج المحطة الريفية الهادئة.. أشعل تيد سيجارة ثم حرك الصندوق بشكل تلقائي نحو رفيقه.. رد ال: "طلبوا مني التوقف عن التدخين".. رغم ذلك لم يشأ أن يحرج مرافقه وبدأ ينفث دخان السيجارة بلذة.. وجد الرجلان أنهما يسيران في الفراغ العريض.
بعدة مدة من الزمن، شعر الرجلان بالإرهاق وتوقفا عن السير.. بدأت المحطة من ورائهما مثل نقطة ضوء في السماء.. السيد ال المبادر دائماً بدأ يسرد حكايته.. الطبيب أخبره أنه سيموت بعد أربعة أشهر.. السرطان زحف على إمعائه.. شعر أن عائلتي تتعجل رحيله لأنه رجل ثري.. ابنته وزوجها أخذا إجازة من العمل ليراقباه خوفاً من أن يتبرع بثروته لمنظمة تحارب الملاريا في أفريقيا، تمتع بعضويتها منذ زمن طويل.. لهذا هرب ال من الحصار الأسري الحميم هذا المساء.. كان السيد ال يخاف الموت ويريد الحياة مهما كان الثمن.
أطلق تيد ابتسامة غريبة في غير وقتها.. عندما شعر بالإحراج أخبر صديقه أنه يبحث عن الموت حتى إنه فكر أن يقفز أمام القطار العائد للمدينة.. كان تيد سجيناً لأنه حاول أن ينهب متجراً.. رغم أن محاولته فشلت وكان جزاؤه أربع سنوات في السجن.. عندما عاد لأسرته وجد زوجته وأبناءه قد تركوا المدينة.. حاول أن يجد عملاً في موسم الاقتصاد المتردي فلم يحصد غير الفشل.. لا أحد يريد توظيف رجل جاء إلى سوق العمل من السجن.. أخيراً قرّر تيد أن ينتحر بصخب ليفضح النظام المستبد.
عند الصباح تعاهد الرجلان أن يموتا سوياً بعد أربعة أشهر.. نصبا خيمة وأشعلا شعلة في انتظار الموت.. تسرب الخبر لمفتش القطار والذي بدوره أشاع الأمر في المدينة.. عند الموعد المحدد لم يتوفّ ال.. اكتشف الأطباء أن خلايا الإمعاء بدأت تتجدد بشكل تلقائي.. بدأ كل من يحمل هماً يأتي لمدينة المصائب.. بعد قليل يجد أحداً يحمل هماً أكبر منه.. اتسعت الخيمة لتصبح (لوكاندة) ومطعماً.
حاول محمد أحمد أن يسافر إلى تلك المدينة.. القنصل رفض منحه تأشيرة دخول لأن مصيبته أكبر من طاقة مدينة المصائب.


assayha