الليبرالية و القبلية بقلم د.أمل الكردفاني

الليبرالية و القبلية بقلم د.أمل الكردفاني


11-26-2017, 06:49 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1511718569&rn=0


Post: #1
Title: الليبرالية و القبلية بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 11-26-2017, 06:49 PM

05:49 PM November, 26 2017

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر





تعاني الكثير من الدول العربية من ازمة الصراع القبلي ، القبيلة كمنظومة ثقافية لا بأس بها ، وربما يجب علينا كمهتمين بهذه الخصوصيات الثقافية أن نضع دائما القبيلة في الاعتبار المعرفي والعلمي بدراستها وتوثيقها والمحافظة على مكوناتها وانساق وحداتها ومنتجاتها الحضارية.
لكن هناك حقيقة أزمة بين المدنية والقبلية وبين دولة القانون والمؤسسات وبين القبيلة ، واكيد هناك ازمة بين السلطة والقبيلة ... وعندما نقول السلطة فلا نقصد فقط حالة الاحتكار بل حتى في حالة التداول الديموقراطي. لقد شهدنا انتخابات -مهما قيل عنها- في عام 2015 ، لانتخاب ولاة ، ولم تمض اشهر حتى اضطرت الحكومة لتغيير نهجها بتعيين الولاة بدلا عن انتخابهم ، فما نتج عن انتخاب ولاة هو سيطرة قبيلة واحدة على كل مفاصل الولاية ، مما دفع العديد من القبائل الاخرى الى خوض صراع ضد الوالي أو على الأقل تفشي حالة تذمر عالية في تلك الولايات ..كما حدثت تكتلات قبلية ورأينا العديد من مشاهد الفيديو لاجتماعات قبلية تأتمر من أجل الاتفاق على مرشح معين وهكذا... والقبلية في السودان لعبت دورا كبيرا في الصراع السياسي سواء في كلياته كصراع القبائل النيلية الشمالية مع غيرها ام حتى على مستوى نفوذ القيادات في الاحزاب السياسية بل وحتى الحركات التي حملت السلاح . فالقبيلة اذن تحولت من تجمع انساني متقوقع على ذاته الى اندياح سياسي وثقافي شامل مما انعطف بها نحو صراع لا يمكن توقع نهايته.
ما يجب ان نفهمه أن هذا الصراع ليس وليد اليوم بل هو صراع قديم قد يسبق حتى تاريخ الثورة المهدية ، وأنه كان يحمل بعدا استحوازيا واحتكاريا للسلطة والثروة. كان التجاهل هو السلاح الذي واجهت به الحكومات السابقة هذا الامر ليظل صراعا باردا فيه صمت الغالب يتجاوز صمت المغلوب ، ولكن ما حدث بعد تفكك الانظمة السياسية خاصة الاحزاب وسائر منظمات المجتمع المدني في عهد الاسلاميين ادى الى تعالي اصوات المغلوبين بعد أن تحولت القبلية الى اداة لانتزاع الحقوق عبر ممارسة ضغوطات على المركز. أيا ما كان الامر فإن العاملين (السيطرة السياسية ، والاقتصاد) كانا هما المحرك الاساسي للعبة العودة الى الجذور.
السيطرة السياسية يمكن التغلب على اشكالياتها عبر دولة القانون والمؤسسات ولكن السيطرة الاقتصادية تحتاج منا الى ايجاد نظرية تؤسس لعملية توزيع الثروة. فمن المعروف أننا لا يمكننا أن نقوم بوسيلة او بأخرى بتفتيت الثروة وتوزيعها بأنصبة متساوية على الجميع ففي هذا ضرر على الدولة ككل ومن ثم ضرر على الجميع. كما أن هذه العملية ؛ تغفل صعوبة قياس التوزيع وعدم عدالته سواء كانت المعايير رياضية ام سوسيولوجية (بقياس درجة التهميش) ، بالاضافة الى استحالة ذلك التوزيع عمليا فضلا عن خسارة مزية تركيز الثروة من اجل التخصيص العام.
هنا يجب البحث عن نظرية أخرى تحقق تمثيلا افضل لعدالة توزيع الثروة ، ولن تكون هناك نظرية أفضل من الرؤية الليبرالية . إن وصولنا الى الليبرالية الحقيقية بشقها الاقتصادي لابد أن يمر بمرحلتين ، مرحلة تدخل الدولة في توجيه الاقتصاد القومي ثم مرحلة تنازل الدولة عن هذا الدور للقطاع الخاص ، لا يمكننا أبدا ان نقفز على هذا التمرحل كما فعلت الحكومة الحالية ، بل يجب التقيد به رغم ضغوطات المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي. ان حالة الانفتاح المطلق بدون تمرحل ادت الى ان يكون لدينا عرج في سير الاقتصاد بشكل كبير ، حيث تركزت الثروة بشكل مطلق في يد قبائل بعينها ومجموعات فئوية محددة في حين تم افقار باقي الشعب وهو الأغلبية المسحوقة ، مما زاد من حالات الارتداد الى الجذور القبلية دفاعا عن الحق في الحياة الكريمة. ان عملية التنمية المتوازنة تتطلب بداءة سيطرة الدولة على عملية التوزيع تقنيا ومنهجيا.. عبر دراسات تفصيلية تعكس لمتخذ القرار بؤر التهميش وتحدد له معايية التوزيع . الآن لدينا سيطرة كاملة من رأس الدولة وقبيلته والنافذين على أغلب ثروات البلاد وتسخر لهم كافة الامكانات القانونية والادارية لتسهيل المزيد من كنز الثروات مع اهمال وتجاهل للشعب الا من فرض نفسه بالقوة المادية وهدد مصالح هذه الطبقة الحاكمة.
أما المرحلة الثانية فهي تأتي بعد الاستقرار النسبي في عملية توزيع الثروة وهي عملية انسحاب الدولة من منجزاتها السابقة تاركة القيادة للمؤسسات الخاصة . مما يجدر ذكره أن الشق الثقافي الاجتماعي من الليبرالية يجب ان يواكب المرحلتين وهو تديعم الرؤية الفردية بتعزيز الحريات الفردية ونشر الثقافة الفردانية في المجتمع ليفرز تحديا للفكر القبلي الجمعي.