أحيّ أنا يا ألاء بقلم زاهر الكتيابي

أحيّ أنا يا ألاء بقلم زاهر الكتيابي


10-22-2017, 04:54 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1508644440&rn=0


Post: #1
Title: أحيّ أنا يا ألاء بقلم زاهر الكتيابي
Author: زاهر الكتيابي
Date: 10-22-2017, 04:54 AM

03:54 AM October, 22 2017

سودانيز اون لاين
زاهر الكتيابي-
مكتبتى
رابط مختصر



"gut, Alaa"، بمعنى "جيد يا ألاء".
"Sehr gut, Alaa"، بمعنى "جيد جداً يا ألاء".
"Wunderbar, Alaa"، بمعنى "رائع يا ألاء".
بعبارات الثناء هذه كان أستاذ اللغة الألمانية الشاب بمعهد جوتة بالخرطوم يُغدِق زميلتنا ألاء. و كانت ألاء تحظى بهذا المدح و التبجيل دون سائر الزميلات في الفصل، و اللاتي كان بعضهن صديقاتها اصلاً. فهن زميلات دراسة بمدرسة الراهبات الشهيرة. و لسبب ما قررن دراسة اللغة الألمانية سوية. أما أنا و صديقي محمد و بقية "الصعايدة" في الفصل فقد كان هدفنا اجتياز امتحان اللغة الألمانية للتقديم للدراسة بالجامعات الألمانية و اجتياز المقابلة الشخصية في السفارة الألمانية و التي كانت تجرى باللغة الألمانية.
و كانت ألاء و صديقاتها يُثرن حفيظة باقي الزميلات من البروليتاريا. و هذا شيء مفهوم طبعاً عند الفتيات. فالتنافس بينهن يشمل كل شيء، أبتداءً من تسريحة الشعر و نوع الحذاء، الى لون الملابس و طريقة الكلام. و لأن ألاء متربية على (العز و أكل الوز) و (الراحة و الاكل بالراحة)، فقد كان من الطبيعي أن تناصبها بعض الفتيات العداء دونما سبب واضح. أما الأستاذ و جميع الزملاء، بما فيهم العبد لله، فقد كانوا (مكسرين) في ألاء. باستثناء صديقي محمد. فهو كان معجباً بأحدي زميلاتها، و كان يستغرب تهافتنا على ألاء تهافت فلاسفة الغزالي.
و كنت أنا أُنكِر عليه استغرابه هذا. فقد كانت ألاء سمراء اللون بارعة الجمال. و كان سمار لونها من النوع الذي قال عنه الشاعر (الخدار خداري... سبب وداري). أو كما قال أحدهم معاكساً (خدرتنا الكملت كسرتنا). لكن اغلب ظني ان أقربهم للتقوى ود اللمين حين تغنى (أسمر جميل فتّان ... ما بجود بمثله زمان...ملاك في شكل انسان ... حبيبي يا اسمر). و ألاء لها ابتسامة تتخلّق بها عوالم من الدهشة. و ضحكة هامسة تتكشّف عنها لألاء مصقولة. فكنا نرى ضحكتها و لا نكاد نتبيّنها، و لكنها تفعل في قلوبنا الأفاعيل. و كانت تتهدل خُصل شعرها الأسود الحالك لتلامس وجهاً كالبدر متى أطل. و ما ان تتفوه ألاء بكلمة، الا و قد أصغت لها كل القلوب و الأفئدة. و تملّت الأعيُن منها و كأننا نسمع بالمآقي و المُقل. و كانت هي ترى كل هذا فتضحك و تتضاحك في رضى يعلوه الغرور. أثار هذا حنق زميلاتنا من "البروليتاريا"، و أساءهن وقوعنا في عشق الرأسمالية الوطنية. فما كان منّا الا ان زدناهم هجر على هجر و نار فوق نار (و هو زاتو الشيوعيين ديل غير الهواء ما بجيبو ليك شي).
و كان أكثرنا (كسيراً) الأستاذ نفسه. فكان بادي الهيام بها. و كان دائما يوجه أسئلته لها و هي دائما تُجيب. فقد كانت (فوق السماحة شاطرة). و كان صديقي محمد ينافسها على الإجابة. فكنا نسمع أجاباته على مضض و لا يعنينا ان أصاب او أخطأ. بل كان كل ما يعنينا هو ان نسمع أجابة ألاء. أو بالأحرى، ان نسمع صوت ألاء الملائكي. و كان محمد إذا أصاب في الإجابة لا يجد الأطراء من الأستاذ كالذي تجده ألاء. و لهذا أحسبه لم يكن شديد الشغف بها. و قد شق عليه هذا حتى انه كان ذات مرة يتميّز غيظاً، فسألته عن الخبر. فأجابني بأن الأستاذ لا يعطيه حقه من الثناء لأنه شديد الأعجاب بألاء و يُغرقها بالأطراء حتى انه لم يتبقى له الا ان يقول لها (أحي انا يا ألاء). فهوّنت عليه الامر و أعلمته انه هذا حال الدنيا و سألته ان لا يشغل نفسه بهذا الأستاذ الظالم الغاشم. فسكت و حاول تناسي الامر، و انا بداخلي اضحك منه و عليه. و مع انه صديقي الودود و لكني كنت على الاستعداد لبيعه و بيع من يتشدّد له في مقابل نظرة من ألاء.
مرت الأيام متسارعة و انتهى فصل الألمانية و حان وقت فراق ألاء. و كان ذلك يومٌ عسير. فقد جزعنا و اظن ان استاذنا كان أكثر جزعاً منّا. ودّعتنا ألاء بعبارات مُختصرة و توّجتها بابتسامة ذابت لها قلوبنا و ذادت بها أوجاعنا و تفتت منها صبرنا. لم أرى ألاء بعدها و لا معظم من كانوا في فصلنا. لكني كنت دائم التواصل مع محمد. و كان دائما ما يسرد عليّ قصة ألاء التي أحفظها عن ظهر قلب، و لكني كنت، و ما زلت، أحب سماعها منه. و كلما ذكر لي محمد قصة ألاء، اذكر على الفور كلمات الأستاذ لها؛
"gut, Alaa"، بمعنى "جيد يا ألاء".
"Sehr gut, Alaa"، بمعنى "جيد جداً يا ألاء".
"Wunderbar, Alaa"، بمعنى .......
"أحيّ انا يا ألاء".

تحياتي،
زاهر الكتيابي