الكتابات الشاعرة / أميرة عمر بخيت

الكتابات الشاعرة / أميرة عمر بخيت


09-20-2017, 09:31 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1505896314&rn=0


Post: #1
Title: الكتابات الشاعرة / أميرة عمر بخيت
Author: Sediq Hamad
Date: 09-20-2017, 09:31 AM

08:31 AM September, 20 2017

سودانيز اون لاين
Sediq Hamad-
مكتبتى
رابط مختصر

 

كتابان و أغنية!

*أميرة عمر بخيت*
 

بعد انقضاء يوم طويل عدت الى منزلي ومن ثم الى غرفتي تلك التي تتحمل مني ما لا تطيقه الكلمات. وضعت رأسي على الوسادة وبي ما بي من بقايا ضحكات وبعض شجن  خلفه وداع مسافرين لا أحبه  بطبيعة الانسان التعودية، فمن مقتضيات السفر وإن لم يخصني أن يدس بي بعض حنينٍ وحزن وافتقاد.

وكالعادة لم تسلم ليلتي ذات الشجن من بحث عن شئ مجهول اتضح انه تسجيل حديث لجلسة تغنى فيها الفنان الكابلي بأغنية " تاني ريدة و كمان جديدة " وبالطبع لم استطع تجاوزها! استمعت وتأملت صمود الجمال الذي كاد أن يتهاوى أمام ريح الزمن. تملكني شيء مثل التوسل للساعة أن تتوقف وللزمن بالا يتسلل من بين أيدينا فنفقد ما تبقى من ألق. أخذني صراع الزمن بين صوت كابلي وبين احتياجاتنا وذكرياتنا وسحر قديم انبته هؤلاء المبدعون. سرحت في نشوة الحاضرين حتى نمت و بالقلب كثير من الحنين والتساؤل عن قادم الأيام وعن فتات مازلنا نقتاته مما مضى عله يضئ حاضر الأيام.

ثم أتى الصباح بمسؤولياته وواجباته الحياتية وعادتي أن ابدأ يومي بكوب شاي مهيب الحجم يرمم مزاجي ويمنحني مساحة زمنٍ لقراءة او استماع فكان نصيبي في هذا الصباح كتاب صدر حديثاً للدكتور عبد الله بولا عبارة عن سلسلة مقالات قديمة باسم "مصرع الإنسان الممتاز" والتي تم نشرها في سبعينات القرن الماضي بصحيفة الأيام. تصفحت الكتاب وتجولت بين سطوره. استوقفني تواضع الكاتب وتردده في نشر تلك المقالات لظنه انها لا ترقى لترف النشر والاطلاع مرة أخرى. انغمست في فلسفة الفكر والوعي وابعاد الحروف واعدت النظر مرات وكرات الى أن أصاب قلبي حسرة وانا أتذكر أن الكاتب الآن فاقد للذاكرة وحقيقة الأمر أننا الفاقد الحقيقي لذاكرة الفكر والفن والجمال.

طامتي الكبرى أنني لما وضعت الكتاب جانباً كان بجانبه كتاب أخر أكثر ايلاماً وحسرة. وهو كتاب اهداه لي صديق عزيز. الكتاب بإسم" إطلالة في عشق الوطن" للدكتور "حسن ابشر الطيب"  الكتاب ايضاً عبارة عن سلسلة مقالات لكتاب عظماء حاول بجمعها أن يقاوم البؤس الوطني الحاضر وسواد استوطن الذهن السوداني بإحياء ذاكرة الاشراق والجمال علها تمحو بعض القبح الحالي وتعيد في القلب سمات عشق وعهد قديم.

ويا دمعي الاتشتت و غلب اللقاط!

شتان بين ما كتبوا وبين ما يكتب الآن. عالم من الفراغ العريض يفصل بين مثقفي تلك الأيام وبين حاضر تعلوه كائنات هلامية تتلامع في المشهد الثقافي الآن. تبادر بذهني مقارنة خاطفة بين الصفحات الثقافية سابقاً والتي حوت مثل هذه المقالات وما بها من رقي وعمق وبين ما تحتويه ذات الصفحات الآن والتي غالباً ما تحولت لمنوعات مفرغة القيمة تحتفي بصور عرجاء.

تأملت حال الإعلام السوداني الذي اصبح فقيراً يروج لضعاف الفكرة والأسلوب وأنصاف المواهب وفاقدي المعرفة. اشفقت على حال القراء فما بين تلك المقالات وهؤلاء الجهابذة وحاضرنا، دنيا غائرة في الجهل وضياع القيمة. تذكرت مقاطعتي للقنوات السودانية التي تحفز بداخلي خلايا الجهل والسطحية و تمحق صبري بالحوارات المفرغة والضحكات "العبيطة".  تذكرت الوجوه ذات الخواء الفكري والمعرفي تلك "الملمعة" اعلامياً واجتماعياً باسم الثقافة و الأدب و الابداع  وكل منهم براء. تذكرت غضبي وانا اطالع بعض المنشورات الحديثة وأيقنت أننا حقاً من شعوب الأرض المنكوبة التي أصابها الجفاف والابتذال الثقافي و"تسونامي" الركاكة.

و الله ابكتني الخسائر الوطنية الفادحة واعتصرني حال الثقافة والفن وحال شباب مهمومين بحرمانهم ،كسيري الأجنحة، مسلوبي الإرادة يفتقدون القدوة في بلد يعتلي منابره خفيفي الفكرة والموهبة والقيمة.

تلك المقالات الفارهة و تاني ريدة وكمان جديدة، ابانت تلك المساحة الشاسعة بين الماضي والحاضر و بين آمال عراض في مستقبل مشرق!

وخلاصة الأمر أن داخل إطار اللوحة وطن متهالك يتكئ على أعمدة الماضي متأملاً الفراغ ممارساً لأقسى أنواع الحسرة!

 
جريدة التيار 19 سبتمبر 2017