*سافرت كثيراً بالطائرة في حياتي.. *ولكن رحلتي الأخيرة للقاهرة- قبل عام- كانت مختلفة؛ ذهاباً.. *فلأول مرة أشعر بخوف غريب من الطائرة.. *خوف لا علاقة له بعطل فني... ولا سوء أحوال جوية... ولا مظهر الطائرة.. *وإنما سببه أنني (فكرت)-لأول مرة- عند السفر جواً.. *فكرت في الطائرة نفسها.... فطارت الطمأنينة من دواخلي.. *فهنالك أشياء في حياتنا تستوجب منا إلغاء عقولنا- إزاءها- إلى حين.. *وثمة مثل مصري يقول (اللي يخاف م العفريت يطلع له).. *وهو يختزل- إلى حد بعيد - دراسات طويلة في علم النفس حيال الخوف.. *وأغلب الذين يزعمون رؤية شياطين لم يروها في الواقع.. *فقط رأوها في عوالم افتراضية الذي صنعتها عقولهم جراء التفكير في الجن.. *ونعني تصويب الفكر- بدقة - نحو هدف (غير مرغوب).. *والشيء ذاته قد ينطبق على (أصحَّاء) يزعمون إصابتهم بعجز جنسي.. *ولا يدرون أن كل مشكلتهم هي (التفكير).. *فالتفكير في العجز قد ينجم عنه عجز (فعلي) لا يزول إلا بزوال مسبباته.. *ومسبباته هنا هي فقط (إعمال العقل تجاه الفعل نفسه).. *فمتى ما (توقف) الشخص عن التفكير (سارت) الأمور سيرها الطبيعي.. *ثم تنداح كارثة التفكير الخاطئ لتشمل جوانب أخرى.. *فالسائق مثلاً الذي ينصرف فكره نحو الحوادث -لا القيادة - يتسبب في حادث.. *والجراح الذي يفكر في عمله -لا عمليته - يخطئ.. *والطالب الذي يفكر في تبعات الامتحان-لا الامتحان ذاته - يرسب.. *والمطرب الذي يفكر في صوته -لا تطريبه - يفقده.. *فالتفكير في حد نفسه مطلوب...ولكنه يصير خطراً إن حاد عن الطريق.. *إن سلك طريق (الداخل)...عوضاً عن (الخارج).. *إن تاه في دروب الخوف من (مجهول)...مبتعداً عن طريق (المعلوم).. *ومجلة طبية أمريكية تتحدث عن أغرب حالة خوف.. *خوف من مرض لا وجود له في جسد (الخائف)...لتتحقق مخاوفه بعد ذلك.. *فهو يُكثر من زيارة الأطباء... بحثاً عن السرطان.. *وفي كل مرة يطمئنه الأطباء بأنه ما من مرض خبيث يبدو داخل جسمه.. *وذات يوم حذره جاره الطبيب النفساني من مخاوفه.. *قال له: إن ظللت تخاف من مجهول فربما عليك أن تتعامل معه عما قريب.. *وبالفعل تعامل- بعد حين- مع (حقيقة) قادته إليها مخاوفه.. *وأضاع سنوات عمره خائفاً من المرض...وسوف يضيع بقيتها خائفاً من الموت.. *وكل ذلك بسبب إجهاد للذهن في تفكير (لا لزوم له).. *فلا تنساقوا وراء عبارة الفلاسفة (أنا أفكر....إذن فأنا موجود).. *فقد تقودكم إلى: أنا أفكر...إذن فأنا (مفقود !!!).