عصر الهواة بقلم د . الصادق محمد سلمان

عصر الهواة بقلم د . الصادق محمد سلمان


07-31-2017, 03:29 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1501511382&rn=0


Post: #1
Title: عصر الهواة بقلم د . الصادق محمد سلمان
Author: د.الصادق محمد سلمان
Date: 07-31-2017, 03:29 PM

02:29 PM July, 31 2017

سودانيز اون لاين
د.الصادق محمد سلمان-السودان
مكتبتى
رابط مختصر

بسم الله الرحمن الرحيم


من مفارقات هذا الزمان في السودان إننا أدرنا ظهورنا لأصحاب الخبرة ونعيش الآن في عصر الهواة في الألفية الثالثة التي وصل فيها العالم إلي عصر التخصص الدقيق ،فلم تعد الخبرة في الأداء في الخدمة العامة والحياة عامة مهمة لدينا بالرغم من أنها ضرورية وأساسية ، فما يميز أداء شخص عن آخر ما يتمتع به هذا الشخص من خبرة في مجال العمل الذي يقوم به ، والخبرة نتاج ممارسة الشخص لعمل ما لفترة زمنية تكسبه معرفة ودراية في هذا العمل سواء كان نظرياً أو عملياً ، والخبرة هي عملية تراكمية ، ولذلك يسمى من قضى فترة طويلة في ممارسة العمل الذي يقوم به خبير ، أي صاحب خبرة و معرفة دقيقة . الخبرة لا تعني فقط أداء العمل وفقاً للإجراءات المتبعة في الأداء ، إنما تعني كذلك الإجادة ، أي العمل بحرفية ، لأي عمل مهني أو فكري ، وكذلك القدرة على إختيار أفضل السبل للتعامل مع الحالة لتحقيق الهدف المنشود ، تمثل الخبرة ركيزة أساسية للتطور العام ولتطوير الأداء في جهاز الدولة وفي القطاعات المختلفة خارج نطاق الجهاز الحكومي .
في جهاز الدولة التنفيذي المدني والعسكري تحتم اللوائح والقوانين أن يتم التدرج في الوظيفة بصورة منتظمة بناء على أداء وكفاءة الشخص وفقا لمعايير معينة تحددها لوائح الخدمة المدنية والعسكرية . أداء الجهاز التنفيذي في الدولة تميز بالإنضباط منذ خروج المستعمر من البلاد وتولى السودانيون إدارة الجهاز التنفيذي فيما عُرف بسودنة الوظائف ، أي إحلال السودانين مكان من يشغلون هذه الوظائف من الأجانب ، وحافظوا على درجة عالية من الأداء الرفيع الذي إكتسبوه من نظام الخدمة التي ورثوها من الإدارة البريطانية ، مما أدى إلي أن تحظى الخدمة المدنية في السودان بمكانة مرموقة بين رصيفاتها من الدول العربية والأفريقية ، الأمر الذي أدى إلي أن تلجأ دول الخليج والسعودية وبعض الدول الأفريقية إلي الخبرات السودانية لتأسيس أنظمة الخدمة المدنية والعسكرية في تلك البلدان وإستقدام أعداد كبيرة من السودانيين بنظام الإعارة أو التعاقدات الشخصية للعمل في دواوينها . إستمر نظام الخدمة المدنية والعسكرية في السودان بكفاءته والأداء الممتاز حتى بداية نظام مايو 1969 م ، عندما قام النظام بخطوتين شكلا بداية إهتزازالخدمة العامة مدنية وعسكرية فيما عُرف بالتطهير وهو فصل وإحالة أعداد من العاملين في الخدمة المدنية والعسكرية إلي المعاش ، والإجراء الآخر هو تسيس الخدمة العامة ، التي كانت محايدة ومستقلة عن تأثير المسئولين الحزبيين ، ورغم ذلك فلم يكن تأثير هذين الإجرائين كبيراً ، وظلت الخدمة العامة متماسكة ، وحافظ الأداء على إنضباطة إلي حد كبير .
وجاءت الإنقاذ ببدعة التمكين ، حيث تم فصل وإحالة أعداد من العاملين في الخدمة العسكرية والمدنية لما عُرف بالصالح العام ، وإستبدالهم بموالين للنظام مكانهم ، فكانت الضربة القاضية للخدمة العامة ، فالموالون الجدد الذين تمنكوا في الوظائف القيادية في الجهاز التنفيذي للدولة لم يكن لمعظمهم خبرة بالعمل في الإدارات والمؤسسات التي التي أوكلت لهم إدارتها ، سواء كان عملا إداريا أو مهنيا أو فنيا أو حتى عسكريا ، بعضهم يكون في درجة وظيفية دنيا فيقفز إلي وظيفة قيادية في الوزارة وهو لا يعلم عنها شيْ ، وبعضهم جيء بهم من دوائر الحزب ولم يسبق لهم العمل في أي وظيفة في أي مستوى من المستويات الإدارية ، ويُنصّب قياديا في قمة الجهاز الإداري للجهة المعينة ، وهو محصن من المحاسبة على الأخطاء التي يرتكبها ، سواء كانت تجاوزات مالية أو إدارية ، وهؤلاء تجدهم بالعشرات في المؤسسة الواحدة بمستويات وظيفية مختلفة ، ومن جراء النزيف الذي عانت منه الخدمة العامة من ذوي الخبرة بالفصل للصالح العام ، وهجرة أعداد كبيرة منهم ، فقدت الخدمة العامة إنضباطها وتميزها وحيادها وأصبحت الأمور تدار بالإجتهاد من قبل جيش من الهواة يفتقدون الخبرة ، وكان هذا أحد الأسباب الرئيسة لتردي الخدمة العامة وترتب ذلك هذا التردي الذي نراه في كل جوانب الحياة . في السابق كانت أخلاقيات المهنة العاصم لمن يعملون في الوظائف العامة والمهن بصفة عامة من الإنحراف ، وهي التي تحافظ على جودة الأداء ، فالضمير المهني كان جزءا من الخبرة التي يكتسبها الشخص الممارس في السابق وهي الآن لا توجد عند الهواة عديمي الخبرة سلوك الموظف العام في السابق إداري ، طبيب ، مهندس ، قاضي ، رجل جيش أو شرطة ، معلم ، موظف عمومي ألخ ...كان أحد الأسباب الرئيسة لإحترام هذه المهن ومن يعملون بها ، ليس ذلك فحسب بل إحترام الدولة نفسها التي أهلت هؤلاء المهنين لخدمة المواطن . وإذا نظرنا إلي المشاريع والخدمات التي تنفذ من أعمال النظافة والطرق والمشروعات الصناعية المتعثرة اليوم وغيرها من الأعمال التي تنفذها الوحدات الحكومية والشركات الخاصة نجد أن عدم الخبرة من الأسباب الرئيسة لفشل هذه المشروعات . هذا التوجه الذي أصبح منهجاً لم يقتصر على جهاز الدولة التنفيذي ، بل طال قطاعات الخدمات والأعمال خارج نطاق الجهاز التنفيذي للدولة ، فالتعين في الشركات التي تمتلكها الدولة وتلك التي كونها النظام لإحكام السيطرة على النشاط الإقتصاي أوكلت إدارتها لكوادر منه ، ولا يتم التوظيف فيها إلا من كان من أهل النظام وأسرهم ، وهناك قطاعات أهلية وشبه حكومية كالإعلام المقروء والمرئي مملوكة لكوادر النظام ومعظمهم لم يكونوا من قيادات العمل الإعلامي قبل مجيء الإنقاذ ، وقلة منهم كانوا في مسويات وسيطة في العمل الصحفي والإعلامي بوجه عام ، ودفعت بهم الإنقاذ إلي قيادة هذه المؤسسات وأصبح بعضهم رؤساء مجالس المؤسسات الإعلامية الجديدة ، وبعضهم رؤساء تحرير في الصحف المملوكة أو الممولة من الحزب وأصبحوا قادة الرأي في المجتمع . أما في القطاعات مثل قطاع المهن الحرة فمعظم من يمارسون هذه المهن ليس لديهم الخبرة الكافية للقيام بالعمل بطريقة إحترافية ، وجلهم من الهواة الذين لم يتدربوا التدريب الكافي لممارسة المهنة ، ويكتفون ببعض الأساسيات ثم يقدمون انفسهم للزبون على انهم مختصون ، وغالبا ما يكشف عدم إحترافيتهم نتائج عملهم غير المتقن ، وأحيانا يدعي الشخص المعرفة بالعمل ، حتى إن لم تكن مهنته الأساسية . إن برامج إصلاح الدولة لن تحقق هدفها ما لم يتم إصلاح هذا الإختلال في الخدمة العامة التي تعتبر القائد للحياة العامة في كل جوانبها .