اشكالية العداء لاختلاف الرأي في العقل السوداني بقلم د.آمل الكردفاني

اشكالية العداء لاختلاف الرأي في العقل السوداني بقلم د.آمل الكردفاني


07-01-2017, 04:08 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1498921699&rn=0


Post: #1
Title: اشكالية العداء لاختلاف الرأي في العقل السوداني بقلم د.آمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 07-01-2017, 04:08 PM

03:08 PM July, 01 2017

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر



تابعت بشيء من الغثيان نقاشات عدائية جدا بين السلفيين والمتصوفة على اليوتيوب وبين السلفيين وتياراتهم ايضا .. وأيضا في المؤلفات القانونية على قلتها نجد ان مجرد الاختلاف حول مسألة قانونية يمثل أزمة حقيقية.. في كتاب عن شرح القانون الجنائي لسنة 1991م وجدت الكاتب يدبج مقدمة طويلة لا تعرف ان كانت مدحا أم ذما لصاحب رأي آخر وينتهي في اسطر قليلة الى مخالفته في رأيه.. ولم أعرف ما أهمية ان تكتب ديباجة من عشرات الكلمات لتبدي بعدها رأيك في مسألة قانونية تختلف فيها عن الآخر .. عزوت ذلك لقلة عدد المؤلفات في هذا المجال .. ولو أننا قرأنا كتب القانون في الدول العربية الأخرى فسنجد أنها تتناول بالاختلاف عشرات ان لم تكن مئات الآراء لمؤلفين كبار دون أن يمثل ذلك مشكلة ذات شأن . ففي النهاية كل مفاهيمنا تدور في اطارها النسبي لدرجة أنه يصعب علينا ان نصفها بالخطأ أو الصواب لأن الصواب أو الخطأ كلاهما كلمتان نسبيتان في ذاتهما .. فماذا نعني بالصواب وماذا نعني بالخطأ في اطار المفاهيم .. هذه جدلية فلسفية .
لكن فلنعد الى النقاشات المبثوثة على اليوتيوب وأغلبها دينية .. ستلاحظ اخي القارئ أنها أولا تتميز برفع الصوت ، فالصوت العالي والحديث وكأنك ستتشاجر مع الآخر شيء ملفت للنظر في هذه النقاشات .. كما انه يمكننا ملاحظة حالة التوتر والتحفز الشديد للعنف اللفظي ان لم يتبعه العنف الجسدي ..
هناك سياسيون لا يجوز لك الاختلاف معهم .. فهم في حالة ضيق مستمر من كل رأي مخالف ، نشاهد ونسمع أصواتهم العالية التي تحرق الحروف حرقا بنيران غضب غير مفهوم وكأنهم يحاولون ارهاب كل صاحب رأي مختلف معهم من الادلاء بدلوه .
وأما العداوات التي تظهرها الأسافير في الصحف الرقمية جراء الاختلاف في الرأي فحدث ولا حرج ..حيث تبدأ وتنتهي بالطعن في شخص الآخر وتبادل هذه الطعون والتقليل المتبادل من شأن بعضهم علميا وصحيا ودينيا وثقافيا وعرقيا وهكذا ..
فكرة الاختلاف السلمي والبارد في الرأي غير متوفرة لدى العقل السوداني .. وهذا واضح تاريخيا منذ أن بدأت اركان النقاش في الجامعات السودانية حيث ينتهي النقاش بحمل السيخ والسلاح الأبيض وأخيرا في عهد الكيزان السلاح الناري .
اذا فتحويل الاختلاف لعداء هي عنصر سائد جينيا في عقل الانسان السوداني ..عملية اقصاء الآخر المختلف وبغضه ومعاداته ركيزة في التكوين التأسيسي للعقل السوداني. وأعتقد انها مؤشر ان لم تكن دليلا على نفوس بدائية لم ترق بعد الى مستوى التناظر والتلاقح المعرفي.
قال لي احدهم وهو رجل من الذكاء بمكان ..قال لي لا تقل انا اختلف معك بل قل اتفق معك واضيف...ثم قل ما تشاء .. وعجبت من ذلك فأبان لي ما لم احط به خبرا وقال لي بأن الاختلاف يولد العداوة والبغضاء.. وكان ذلك بالنسبة لي مدهشا جدا .. لذلك نادرا ماتجد اثنين يتداولان نقاشا محصورا في الفكرة فقط دون ان يتعداه الى أصحاب الفكرة.
الآن هناك في احدى الصحف الرقمية مقالات متبادلة مليئة بالبصاق من الطرفين وهما قد تركا الفكرة الرئيسية المختلف حولها وانشغلا بالحفر في تاريخهما وماضيهما الدراسي والايدولوجي بل وحتى مواقفهما الاجتماعية ..ولو كانا يعرفان بعضهما اكثر لما توانيا عن تبادل الفضائح الجنسية .
بمجرد ان يحدث اختلاف داخل حزب من الأحزاب توقع حدوث انشقاق ؛ وليس انشقاقا فقط بل محمولا بعداء راسخ وغل غير منطقي بين المنشقين يتمدد ليتحول الى مكايدات ودسائس .. لذلك فإن فكرة الديموقراطية نفسها لا تجد لها مؤهلين في المجتمع السوداني لا اجتماعيا ولا سياسيا بل ولا حتى ثقافيا .. لابد من احداث تغيير ابستمولوجي كامل في منهجية التنظير والتفكير والتفلسف وابداء الرأي عندنا ..لابد من التأكيد المستمر على نسبية كل شيء بمافي ذلك المفاهيم .. لابد من تهدئة انفاسنا قليلا ونحن نتحاور ، فكم درسنا من نظريات ساذجة جدا ولكن نقدها افضى الى انبثاق نظريات أقوى منها ، وهذه هي الفائدة الكبرى للاختلاف وتبادل النقد المعرفي كما قال هيجل.