لم يزل الاقتصاد السوداني يرزح تحت التوصيف الخطأ ممن هم في مقام المسئولية ومطالب منهم أن ينهضوا به، ولذلك صار حاله كساقية جحا التي تأخذ الماء من النهر لتعيده فيه... وعندما يطلق مصطلح الاقتصاد السوداني يقصد به الاقتصاد الحكومي كما يحلو للخبير الاقتصادي أ.د.عثمان خيري تسميته، أو تلك المعاملات التجارية أو الخدمية أو الاستثمارية أو الانتاجية التي تظهر في كشوفات الحكومة من خلال الضرائب والجمارك وغيرها من القنوات الجبائية، والتي تحسب منها الناتج القومي الاجمالي، ومعدلات التضخم، فما عدا ذلك ليس باقتصاد سوداني كالذي يزرع ويرعى ويصطاد للاكتفاء الذاتي. لشأن الشرح والتوضيح (كما يقول تعلمجية الجيش) إن الذي يركب المواصلات، وينزل السوق ويشتري حاجياته من الخبز واللحم والخضر والفاكهة والماء والكهرباء ويتعالج بالمستشفيات، هو مستهلك ويحسب ضمن الاقتصاد السوداني، فيم الذي يركب حماره ويأخذ قِرَبه (جمع قربة) التي هي من جلد غنمه ويذهب إلى البئر ويجلب مائه، ثم من حصاد مزرعته ورعيه يأكل ويشرب، ويتعالج بالقرض، ولحاء المهوقني، والسنمكة، ولم يكلف الحكومة بنساً واحداً، ليس من الاقتصاد السوداني. ولهذا لست بمستغرب لوصف مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، مصطفي عثمان إسماعيل، الاقتصاد السوداني بالمعوج و غير منضبط، وقوله أن السلع والمنتجات السودانية غير قادرة دخول الاسواق العالمية، وهو يطمح أن تنضم بلاده لمنظمة التجارة العالمية، بحسب تصريحات له بالمجلس الوطني"البرلمان... اعتقد ان اقتصاد معوج وغير منضبط، خير من اقتصاد يعشعش في ذهن مصطفى. اقتصاد معوج وغير منضبط هذا هو الذي أنقذ بلادنا من هاوية الانهيار الاقتصادي بعد انفصال الجنوب، وفق توقعات صندوق النقد الدولي الذي تدعوا أنت للالتزام بتنفيذ برامجه... والأنشطة الاقتصادية غير المحسوبة في الاقتصاد الحكومي هذه هي التي جعلت السودان يتحمل عقوبات اقتصادية عالمية لعقدين من الزمان، وعندما تم رفعها جزئيا لم يحس بها المواطن، بل كأنها لم ترفع، واعتقد أنه هو الاقتصاد الحقيقي، يجب تأطيره في الاقتصاد السوداني، وأن الذي يقوم بالأنشطة الاقتصادية غير المضمنة هو المنتج الحقيقي يجب الاهتمام به، وتطويره، وتقويمه.