سفينة بَوْح – صحيفة الجريدة هيثم الفضل فوضى اللهث المتسارع من أجل الحصول على المال الذي هو في نهاية الأمر وسيلة و ليس غاية أدت إلى حالة من إنعدام الضمير التجاري و الحرفي و الأخلاقي بصورة عامة إلا لمن رحم ربي ، فكل ما يمكن أن يعترض الحياة اليومية من سبل التعاقد أو التعامل مع آخرين منتسبين إلى سوق هذه الأيام يؤدي بك إلى الكثير من الخسائر أقلها المعنوية ، و لشد ما لفت إنتباهي الصلف البائن في أسلوب تعامل التجار مع عملائهم مع إستثناءات قليلة ، تتنافى و أدبيات العمل التجاري الذي تتباهى بعض الشعوب بأنها قامت بتأسيسه عبر نظرية أساسية مفادها ( أن الزبون دائماً على حق ) .. و في هذا المبدأ إختصار جيد لآليات عدة تدرس في علم التسويق و المبيعات تحت العنوان الأكاديمي ( رضاء العميل ) ، هذا المصطلح الأخير يُعتبر هدفاً أساسياً للإنتاج و الجودة و البيع ، أما عندنا فللأسف تعتبر التجارة مهنة من لا موهبة له ، و في مسارات حياتنا الإجتماعية كثير من الأمثلة التي تُعبِّر عن هذا الإتجاه ، من ضمنها أن معظم المغتربين العائدين بعد سنين من الغربة و التضحيات حاملين ما إستطاعوا جمعه من مال و في مخططاتهم المتعلقة بالإستقرار من جديد في الوطن أن المشاريع التجارية هي أوسع باب يستطيعون من خلاله تحقيق النجاح ، غير أن الواقع بعد حين يثبت لهم أن الأمر ليس بهذه السهولة و اليسر ، و كثير منهم خسر ما جمعه من مال ، بل و إستدان ليشتري (تأشيرة ) إغتراب ليبدأ الكرة من جديد ، كما أن في مجتمعنا هناك الكثير من الآباء الذين واجه أبناءهم مشكلات أكاديمية فأصبحوا فاقداً تربوياً ، يصِّرون أن السوق و التجارة هو أمثل بديل لهؤلاء ، و أيضاً تتضح الصورة بعد حين لتجد أغلبهم غارمين في السجون أو يمارسون أنواعاً غير شرعية من التجارة ، إن التجارة مهنة ليست هينة و لا بسيطة و تحتاج إلى كثير من المواهب و الحرفية ، و إتساع الأفق و الثقافة ، هذه الأخيرة أيي الثقافة تتعلق بكل ما يربط البائع مع الزبون من حيث أسلوب التعامل و طرق طرح العروض و المقدرة على الترويج الجيد للبضاعة موضوع التعامل ، ثم المواهب الإضافية الأخرى كالفراسة التي تتيح للتاجر أن يقرأ عقلية العميل و إتجاهاته من خلال شكله الخارجي و أسلوبه في التحاور ، فضلاً عن الأخلاقيات الإنسانية الأخرى المُتفق عليها من قبل الجميع كالأمانه و اللباقة و التهذيب و المقدرة على التعامل مع كافة الشرائح الإجتماعية و إحتواء عيوبها و ذلاتها المتعلقة بشخصية كل فرد ، لم يزل التاجر السوداني إذا إستثنينا القلة بعيد كل بعد عن كثير من المهارات التي يتمتع به التجار في بلدان أخرى زرناها ، فهو سريع الغضب ، وسريع الملل ، و قليل الإكتراث لمن يدخل عليه من العملاء فالمقابلة الأولية دائماً فاترة ، ثم لا مجاملة في التعامل الذي ينبني على أساس النديه بينه و العميل ، بالقدر الذي لا ينم عن أن الفائدة الأساسية من نجاح عملية البيع عائدة إليه بالتحديد دون غيره ، فضلاً عن أنك بعكس ما نراه خارج السودان لا تشعر أنك ضيفاً مرحب بك إن دخلت متجراً ، و ربما في بعض الأحيان ألم بك إحساس مفاده إنك غير مرحب بك أو جئت في الوقت غير المناسب ..