نشرت في الأسبوع الماضي تقريرا عن سجن القدمبلية تحت عنوان (سجن القدمبلية بالقضارف .. سجن أم زريبة ؟) وقد استند التقرير على إفادات مساجين بسجن/ زريبة القدمبلية . وقد كنّى بعض المساجين جلادا ب (ود اللواء) وقالوا أنه يخفف الجلد بمقابل ، وأسموا هذه العملية (شراء السوط) ، وأطلقوا على النقل المباشر من محكمة جنايات القضارف إلى زريبة القدمبلية دون المرور بسجن القضارف (الضربة الثابتة) . هذا وقد زارني أمس بمنزلنا العريف شرطة إبراهيم النور آدم ، الذي لم أتشرّف بمعرفته من قبل ، وعلمت منه أن يلقب ب "ود اللواء" وقد ظن به البعض الظنون ، جراء تقرير سجن القدمبلية ، ونظروا إليه باعتباره هو الذي يقوم بعملية بيع وشراء السوط ، وهذا المقال بمثابة تأكيد أن التقرير لم يقصد العريف إبراهيم النور آدم كما فهم البعض خطأ .
من بين منسوبي الشرطة رجال أنقياء أطهار لا يأكلون المال الحرام ولا يرتشون عيونهم ساهرة من أجل أن ينام الناس مطمئنين على أرواحهم وأنفسهم ، ويعاملون من رمتهم أقدارهم داخل السجون معاملة حسنة . ضرب هؤلاء أروع الأمثال في عفة اليد ، ستبقى سيرتهم في كامل النقاء على مر الزمن ، ونحسب أن العريف إبراهيم النور آدم هو أحد هؤلاء .
ومن بين رجال الشرطة نجد آخرين مرتشين يبيعون السوط ليس في القضارف فحسب بل وفي مختلف أنحاء السودان ، وهؤلاء هم السيئون مثلهم مثل الذين يعذبون المساجين . وأسوأ من هؤلاء ذوي الرتب الأعلى الذين يأمرونهم بالتعذيب ، والأسوأ منهم جميعا الذين تسببوا في أن ينام مساجين القدمبلية على البادوبة ، وأطعموهم "الجراية" التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، الذين حالوا بينهم وبين الحصول على حمام ، وعرّضوهم للدغ الثعابين ، وحرموهم من العلاج .
الأكثر سوء هم الذين يشغّلون المساجين سخرة دون أجر ، ثم يلفظونهم لفظ النواة في الفلاة ، ويتركونهم ليصلوا إلى ذويهم مشيا على الأقدام لساعات ومن ثم امتطاء ما تيسّر . مع حياة المساجين في كل هذا الضنك ، لا شك أن هناك ميزانيات مرصودة لهم ، فإن كانت هذه الميزانيات شحيحة إلى هذه الدرجة فهذه مصيبة ، وإن كانت الميزانيات كافية لكنها لا تصل فالمصيبة أكبر .
وضاع شمار في مرقة عرق مساجين القدمبلية نتاج عملهم في المشاريع الزراعية التي تتبع لإدارة السجون ، وتقاضى غيرهم أجرهم عن عملهم في المشاريع التجارية .
وتبخرت الأموال التي تتلقاها "المنظمة السودانية لرعاية النزيل" قبل أن تصل إلى سجن القدمبلية . تبخر الدعم القادم من منظمة العون البريطاني الإسلامي ، والهيئة الخيرية العالمية الاسلامية ، ومنظمة قطر الخيرية ، والهلال الاحمر السعودي ، ومنظمة السلام العالمية ، وديوان الزكاة ، والبر والتواصل ، وصندوق الدعم الكويتي الخيري ، ومنظمة الرعاية والاصلاح ، وهيئة الاغاثة العالمية ، وجمعية مسلمي افريقيا ، ومنظمة سبيل الرشاد ، و منظمة ذو النورين ، وشركة النيل للبترول ، وشركة الكهرباء ، والمفوضية السامية للاجئين ، وفندق السلام روتانا ، واليونيسف ، و CHF ، و RSS ..
تبخرت كل هذه الدعومات قبل أن تصل إلى سجن القدمبلية فبات المساجين القَوى/الجراية يتوسدون أذرعهم المتسخة على "البادوبة" الجافة . يشترون السوط متى استطاعوا إليه سبيلا ، ولكن لا صوت لهم يحكي مظلماتهم في تلك الزريبة النائية .