كنت وما زلت مولعاً بشراء البضائع البسيطة من الصبية الذين يعرضونها في الإشارات المرورية ، رغم ( المقالب ) الكثيرة التي شابت هذه التجربة الممتعة و المُوجعة في آنٍ واحد ، و لا أجد في قرارة نفسي مبررات مقنعة تدفعني لفعل ذلك رغم تحذيرات الأصدقاء و من يرافقونني .. ناصحين بأن معظم تلك البضائع معيبة و بها الكثير من الأعطال ، و هكذا أنا الآن أحتفظ في منزلي بزاوية مخصصة ( لمعرض ) من الأدوات الكهربائية المعطله و التي لم تعمل منذ وهلتها الأولى ، مكاوي و راديوهات و شواحن موبايل و ساعات منبهه و ماكينات حلاقة و أجهزة هاتف منزلية لاسلكيه و الكثير الكثير ، و في الحقيقة ما يبهرني في أمر تلك البضاعة طريقة عرضها تحت أشعة الشمس مما يكسبها بريقاً و لمعاناً و رونقاً ، ثم ذاك النداء الباطني الذي يلح عليك بأن لا تضيَّع الفرصة فربما لا تسنح لك مرةً أخرى ، ثم ذاك السعر الذي يطلبه البائع و القابل للتخفيض لأكثر من 75 % من السعر المطلوب بعد جملتين مستعجلتين فقط من المفاصلة و عينا كليكما ( أنت و البائع ) تراقبان بلهفة و هلع الإشارة المرورية ، و التي قد تمد لكما لسانها ( نظام مكاواة ) حالما تحوَّلت إضاءتها للأخضر ، شعورٌ بالإنتصار و الظفر ينتابك و أنت تحصل على بغيتك بـ 10 % فقط من سعرها الذي عرضه بها البائع ، ثم تلبث بعد المغادرة بوقتٍ قصير أن تكتشف أنك شربت مقلباً جديداً ، و لكن مع إستحالة إعادة الشريط من جديد و كذلك إستحالة الوصول إلى البائع مرةً أخرى وسط الزحام لن يكون لك خيار غير الإذعان و الصبر و ترديد ( حسبي الله و نعم الوكيل ) ، السؤال الذي يفرض نفسه من هو المورّدون الذين يموِّلون أولئك الصبية بالبضائع ، و هل هم على علم بأنها غير صالحة للإستعمال و يحاولون تصريفها بطريقة غير شرعية ، و أين دور المحليات و ( كشاتها ) التي تخصصت في مطاردة ستات الشاي و الباعة المفترشون في أماكن محدَّدة و معلومة و أحياناً مؤجرة من أصحاب المحلات أنفسهم في الأسواق الكبرى ؟؟ و أين دور جمعية حماية المستهلك في كل هذه الفوضى التي ضربت بأطنابها معظم الإشارات المرورية في التقاطعات الإستراتيجية ، أما منبع المشكلة الأساسي فهو في ذمة الدولة بكامل سلطانها و صولجانها ، لأن حكومتنا المشغولة بترتيب أمر التوافق ( الوهمي ) لمخرجات الحوار الذي تم مع أقل التنظيمات و الفئات تأثيراً و فعالية في واقع الصراع السياسي السوداني ، لا تجد وقتاً و لا متسعاً من الإمكانيات لإيجاد حلول إستراتيجية لمشكلة تكاثر كميات الفاقد التربوي عاماً بعد عام نتيجة الفقر العام الذي ألم بمعظم الأسر المتعففة و كذلك نتيجةً للتدهور المريع الذي أصاب المدارس الحكومية مع الطغيان الكاسح لمبدأ تجارية التعليم عبر إتساع هيمنة المدارس الخاصة ، فضلاً عن ما تسببه الحروب الدائرة في دارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق من إنعدام للأمن و الإستقرار بالقدر الذي يدفع الكثير من الطلاب على كافة المراحل التعليمية للتخلي عن الدراسة نتيجة للنزوح و من ثم الإنضواء تحت إمرة المهن الهامشية و الكسب غير المشروع و الدعم المباشر و الغير مباشر لنشاطات عديدة تُعتبر مهدِّدة للأمن الإجتماعي و الإقتصادي و الأخلاقي .