سبحان الله ، بعض منسوبي المؤتمر الوطني و خصوصاً على مستوى القيادات ، يخوضون غمار لفت إنتباهنا نحو إحتمالين فيما يختص بوجهة نظرهم تجاه ما يحدث من تذمر عام في البلاد بعد الحزمة الإقتصادية ( الإغتيالية ) الأخيرة ، أحدهما أن كل هذا السودان بالمطلق و بلا إستثناء مؤيِّد و مناصر للإنقاذ و أن ما يحدث من حِراك مجرد وهم يقف على إنجازه ( أجانب ) ينتحلون شخصيات الشباب السوداني و يتحدثون بإسمهم ، و الإحتمال الثاني هو أن لوثة السلطة و الكِبر و العجرفة أوصلتهم إلى حالة من الإستعماء عن رؤية حقيقة ما يدور في الظاهر و ليس الخفاء من هالةٍ ساطعة و واضحة لتحفز في نفوس الغلابة للإعلان عن كلمة ( لا ) التي طالما حاولت فلولُ الإنقاذيين و النفعيين تفاديها بشتى السبُل و المناورات الخادعة و التي بدأت بتفكيك الأحزاب المعارضة الكبرى من الداخل و شرزمتها إلى أحزاب متعددة صغيرة و ضعيفة ، ثم تجميل صورة حكمهم الشمولي بمشاركات صورية و مُخزية لتلك الأحزاب ، ثم إنتهت مؤخراً بما يُعرف بالحوار الوطني الذي أيضاً تجاوزت مسيرته العرجاء أهم القوى الفاعلة على مستوى معارضتي الداخل و الخارج ، ثم وُئدت مخرجاته قبل ولادتها بطعنة ( محورية ) غادرة متمثلة في حل لجنة 7+7 المنوط بها إنزال مخرجات الحوار إلى الواقع ، لكن ما علينا فما يهمنا الآن الإجابة على السؤال الموضوعي المتمثل في الآتي : ماذا يُضير الحزب الحاكم و قادته من الإعتراف بأن واقع الأحوال العامة في البلاد و خصوصاً الإقتصادية و ما يليها من كوارث تتعلق بكافة مناحي الخدمات الضرورية و المُلحة للمواطن البسيط كالتعليم المُيَّسر و العلاج المُتاح و الدواء المعقول في سعره ، فيه ما يدفع الناس للإحتجاج و الغضب و الشعور بالخوف من المستقبل الذي على ما يبدو ليس سوى ظلام حالك السواد ؟ ، الناس يعتقدون أنهم لو صمتوا على ما ألم بهم من ظلم و ضيم فإن صمتهم سيؤسس تجاههم لدى السلطات إستراتيجية تنبني على المزيد من الضغوطات و الجراحات و الإفقار و الهوان ، فلا أحد في حكومة المؤتمر الوطني يتحدث عن حلول بديلة أو رؤية تنموية إستراتيجية قصيرة أو بعيدة المدى لتخرج هذه البلاد من أزمتها السياسية و الإقتصادية ، مما يعني أن الإتكال على ( كاهل ) هذا الشعب الذي مال و إنكسر سيظل الخيار الأول و الأوحد لحكومة المؤتمر الوطني حال تعرضها لأزمة موارد و تسيير مستقبلاً ، و للحقيقة فإن القراءات المؤكدة لحالة العجز التام للدولة على مستوى التخطيط الإقتصادي التنموي و إنهيار آلة الإدارة الديوانية و الفنية للمؤسسات و المشاريع و تفاقم و إتساع دائرة الخصومات السياسية الداخلية و الدولية و إستمرار النزاعات و الحروب الداخلية و إستشراء داء الفساد في كافة مفاصل الدولة ، تُنبيء بلا شك أن هذه الحكومة إن كتب الله لها البقاء مُقدمة مرةً أخرى للتعرض إلى ذات الأزمات و الإختناقات ، و لن يكون هناك خيار غير أن ترفع الدعم مرةً أخرى عن الضروريات ( إن تبقى دعمٌ يُرفع ) ، فضلاً عن رفع سقف الجبايات و الضرائب و غيرها من الإجراءات البغيضة التي لن يدفع ثمنها سوى المواطن البسيط المغلوب على أمره ، مالكم يا هؤلاء لا تسمعون إلا صوت ملذاتكم و رنين مصالحكم غير مُلتفتين إلى مصالح الأمة و عزتها و كرامتها و حلمها في أن يعود هذا السودان سامقاً مُحترماً نابضاً بالإنتاج و مُباهياً بالأخلاق الفاضلة ، أجيبوا على هذا السؤال السابق طرحهُ ( هل أنتم جادون أن هذا الشعب لن يجرِّب معكم سوى أداة الصبر ؟! ).