*حضر إلى البلدة - منقولاً- في أواخر عهد مايو.. *كان يود لو أن تم نفيه إلى أي مكان آخر بالبلاد خلاف هذا.. *ما كان يحب (الإقليم) بأسره، لا البلدة في حد ذاتها.. *وهو كره لم يجد له سبباً منطقياً مثل كرهه لنظام نميري.. *فقد عُرف بمناهضته لذلكم النظام مذ كان طالباً قبل أن يتوظف.. *وباتهامه بالانخراط في نشاط نقابي (سياسي) تم نقله.. *أُبعد إلى بلدة طرفية ، ليجد نفسه في حي طرفي ، داخل منزل طرفي.. *منزل صغير، أنيق، عصري، على الطراز الإنجليزي.. *وكان ذا حديقة مهملة لم يبق من آثار جمالها سوى شجيرات حناء.. *وفي البيت الطرفي هذا ذاته أُعطي غرفة طرفية.. *فثلاثة من زملائه العُزًّاب كانوا يشغلون الغرف الرئيسية فيه.. *بل كانت غرفة مخصصة للخفير، وما من خفير.. *بها نافذة واحدة تطل على شارع، من بعده ميدان، من بعده مقابر.. *وصارت هوايته (الحزينة) النظر عبر النافذة زمناً طويلاً.. *فمنذ لحظة عودته من الدوام وإلى أن يحين أوان نومه هو يحدق خلالها.. *إلى المارة، المركبات، صبية (الكورة)، وحتى المقابر.. *ولكن وجهاً واحداً استوقفه إذ كان يرد على تحديقه بـ(أحزن) منه.. *وما كان يرى سوى الوجه لشدة قربه من النافذة.. *ولولا عمود الإنارة بالخارج لما رأى ملامح حزنه لظهوره عشياً.. *كان وجهاً أنثوياً ذا حسن خرافي بفعل تأثير المساء، ربما.. *تعلق بها -أو بالأصح به- إلى حد مصارحة زميلين من الثلاثة.. *فالثالث هذا كان ينتمي- سياسياً- إلى الذين يكره نظامهم.. *نصحه زميلاه بترك (تسلية النافذة) كيلا يطل عليه وجه لا وجود له.. *قالا إن البلدة كلها ليس فيها فتاة بالأوصاف التي ذكرها.. *بل إن أجملهن دون ذلك وهي التي سيتزوجها قريباً (كبير الإدارة الحساسة).. *ولكن- يستدركان- التي قبلها قيل إنها كانت آية في الجمال.. *فهما لم يحضرا زواجه منها، ولم يعايشا لغطاً صاحب موتها المفاجئ.. *كل الذي سمعاه أنه (فرض) على أهلها الاقتران بها.. *وتسبب في نقل من كانت تحبه إلى منطقة نائية بـ(تقرير مقتضب).. *ثم تمنعت العروس عليه إلى أن توفيت دونما علة.. *ولكنه ظل- رغم ذلك- متعلقاً بـ(فتاة نافذته) على أمل أن يصادفها يوماً.. *وجاء هذا اليوم المنتظر، وكان يوم عيد.. *فقد شاهد (الوجه) داخل إطار على حائط بأحد منازل الحي.. *ولكنه لم يرها بين أفراد الأسرة ، ولم يسأل.. *ورآه الدجى خلف النافذة (بلا حراك!!!). assayha