سياسة تكتيكية تفيد التهرب التكتيكي من التساؤلات المحرجة و مطبات تأزم الموقف و إرهاصات ( تأفف ) الرأي العام ، يتَّبعها بعض مسئولي حكومة المؤتمر الوطني هذه الأيام و جميعها متعلَّقة بفكرة ( الرجوع إلى ماضي هذه البلاد ) ، الذي يصوِّرونه سيئاً و مُخزياً و مُهلكاً ، و طبعاً الغاية التي تبرِّر وسيلتهم هي تمرير أجندة ما صاغوه من ( حزم إقتصادية خنجرية ) تطعن مباشرة في خاصرة المواطن السوداني و تضيِّق الخناق عليه مُجدداً زيادة على ماكان عليه حاله السابق ، حتى ( ينهمك ) في الغوص في مشكلات حياته العصية من مسكن و مأكل و مشرب و تداوي و تعليم ، فلا يبقى له مثقال زمن و لا مثقال فكر يؤهله إلى النظر في حال حقوقه الإنسانية و السياسية ، فيخلو لهم بذلك الجوّْ ليستزيدوا نعماً غير مستحقة و سلطاناً غير متفق عليه ، أما الدفاع عن الباطل بنظرية ( الرجوع إلى الماضي ) فقد كان أول من إبتدرها وزير المالية المُكلَّل عنقه بالفشل و العجز و قِلة الحيلة عندما صرّح مرةً و هو في نشوة من أمره ( لو كنا خليناكم عام 89 كان تكونوا مشيتوا المقابر ) .. و أُفحمت سيادته ردوداً كانت وافيه و كافيه جميعها تمحورت حول أن المقابر كانت ستكون خياراً أفضل مما هو عليه الناس الآن ، و من بعض لمحات تلك النظرية الخائبة تصريحات شتى صادرة من نافذين يتحدثون بإسم الطاغوت بعضها إتهموا فيه السودانيين بأنهم ( قبل الإنقاذ كانوا مجرد شحاذين ) ، و آخرين منهم طالما ذَّكروا الناس بصفوف الوقود و الخبز و صرف المواد التموينية من حوانيت التعاونيات ، أما وقد آن أوان التباهي فليعلم هؤلاء أن ما تحقق من وفرة في السلع داخل أسواقنا كان على أجداث البشر بالطعن في سبل عيشهم و تضييق الخناق على تواجدهم في سدة الوظائف الرسمية ، و بذلك كانت وفرة السلع في الأسواق حِكراً عليهم ، أما البسطاء الشرفاء من أبناء هذا الشعب فهم ليسوا معنيون بها و بما توفر من أشكال العيش الرغيد ، لأن إمكاناتهم و طموحاتهم لا تتجاوز بهم مجرد الحصول على ما يسد الرمق أو ما يكفي لعلاج طفل عليل أو ما يتوفر لإرسال تلميذ إلى مدرسة حكومية عاجزة و مُهترئة ، هذا فيما يخص وفرة السلع الإستفزازية التي لم و لن يقربها إلا أولي الجاه و السلطان و أثرياء الفساد و النفعيين التابعين ، أما المهم في أمر نظرية ( الرجوع إلى الماضي ) و فات على سدنة النظام حسابه و إحصائه ما فقده الوطن و المواطن من قيَّم و أخلاقيات و مميَّزات مؤسسية كانت كنوزاً قبل 89 ، أهم تلك النفائس ( حكومية التعليم ) و التي أسست إلى العدالة في توزيع خدمة التعليم على مستوى شتى الطبقات الإجتماعية و أجبرت وزارة التربية على كل مستويات إمكانياتها المتاحة على القيام بدورها كوزارة ( إستراتيجية و مهمة ) ، فضلاً كونها غرست قيَّم التعاضد الإجتماعي عبر الإختلاط و التلاقح الديني و العرقي و القبلي و الثقافي ، ومن خسائر ما قبل 89 ضياع مؤسسات الدولة الكبرى و مشاريعها الإستراتيجية إثر تشريد أهل الكفاءة و الخبرة و الأمانة عبر مخططات التمكين السياسي و قانون الإحالة للصالح العام ، و مما خسرناه أيضاً إنحسار قاعدة الإخلاق المُثلى في المجتمع بفعل الفقر و التفكك الإجتماعي الناتج عن الحروبات الإقليمية و دونكم يا هؤلاء معسكرات النازحين و المشردين من الأطفال في دهاليز العاصمة و المدن الكبرى و مؤسسات الإيواء الإجتماعي للمرضى المُعسرين و الأطفال اللقطاء و دور العجزة و المسنين ، أين يا سادتي كنزنا الأكبر المُسمى سابقاً ( تلقائية و حميمية التعاضد و التكافل الإجتماعي على مستوى الأسرة و المجتمع ) بعد ما أصبحت القطعة من رغيف الخبز ( بألف جنيه ) ؟!