إن العالم والكون بحركته كلها عبارة عن نقاط في السيرورة .. أحزان تتلوا أحزان وقليل من اصطياد الفرح . إن حزن الإنسان نابع من الإنسان أي من العلاقة البينية بين الناس ، لا يمكن أن نرجع كل الحزن لقوة مطلقة فحتى الفقر كتراجيديا ناتج عن عدم التوزيع العادل للثروة ، والحروب لا شك في مصدرها الانساني الذي يتغذى بالأطماع المختلفة والتي تدور في مجملها حول فكرة الاستحواز ، لا سبيل إلى تخفيف أسباب الحزن والكآبة عن العالم ، ولذلك فإن العالم يكاد يكون مهجورا أخلاقيا وقيميا ، ويوما عن يوم يضيق الوضع بالانسان ، فهو يتلقى الضربات واحدة تلو الأخرى فينعزل ألمه داخله ، ويتكثف دون شعور ببارقة أمل. إن اللذين ينعون بالفاجعة على الماورائيات يتجاهلون حقيقة النسق البشري وتفاعلاته كمنتج نابع من إرادة حرة ، ليس بالضرورة أن نؤمن فسواء آمنا أم لا فليس علينا أن نتوقع تدخلات خارجية ، فالسماء لا تمطر في الصيف حتى للعطشى و الأشقياء. نحن نحاول التخفيف من حدة وألم الحقيقة البشرية عبر اشغال العقل بقضايا جانبية كالفن من موسيقى وغناء ورسم ونحت ، لا تمس هذه القضايا عمق الجرح. وآليات المجتمع الدولي مكتنزة بالفساد والقصور والكساح ، فليست قادرة على التخفيف أو تلطيف الشر الإنساني المتمثل في السلطة والتوزيع غير العادل للثروة وضيق الفرص . بل ازدادت الأمراض الفتاكة كالسرطان والإيدز وخلافهما دون بارقة أمل في إيجاد علاج ناجع وتنتشر هذه الأمراض بين الفقراء والأغنياء على حد سواء ، وفي ظل السيطرة الرأسمالية تتحدد كفاءة العلاج وجودة مناخه على مقدار دخل الفرد ، مما يجعل فرصة الفقراء في النجاة ضعيفة ، والمنظمات الداعمة منظمات فاسدة مهمتها الحقيقية هي جمع التبرعات واقتسامها بعد الاستفادة من التسهيلات والاعفاءات الضريبية والجمركية فتحولت هذه المنظمات الإنسانية إلى مصدر استرزاق لأصحابها ، ولذلك فإننا نسمع الجعجعة ولا نرى الطحين . إن الإنسان يحتاج حاليا إلى ماركس جديد ليضع نظرية تقوض تمدد الأحزان داخل أروقة البشرية ، نحتاج إلى فلسفة تنبع من الواقع وتنطلق لتغييره ، فلسفة تقويها السلطة الثورية . إن المأساة اليوم ليست بين عمال وصاحب عمل ولا بين طبقات فقط ولكنها بين انقسام كامل إلى ملاك وعبيد ، إلى اقطاعات سلطوية واقتصادية تدعم بعضها بعضا لتستنزف دماء العبيد ، تستنزفهم بكل ما تعنيه كلمة الاستنزاف ، وما تحتويه من اعتصار شديد ﻵمال وطموحات الفرد الكادح في مأكله ومشربه وصحته وأسرته وأهله .
في ظل عدم المساواة أو العدالة في تقسيم الثروات ، فإن التصارع بين الأكثرية المستغلة (بفتح الغين) يزداد حول فتات الأقلية المستغلة ، في حين يزداد التعاون بين الأقلية لامتصاص قوى الأكثرية ، يساندها في ذلك الجهل والمرض والفاقة والحاجة الماسة اللائي تعاني منها الأغلبية المسحوقة ، بيد الأقلية كل شيء وأهم شيئين (المال والسلاح) ، وبيد الأكثرية الصبر والجسد ، فثورة الجياع تقابل بوحشية السلاح تارة وبشراء القيم تارة أخرى . تنشر الأقلية الفتن والطائفية والعنصرية من أجل الحروب واشغال الأكثرية عن حقوقها المغتصبة . وتصادر أحلامهم وتفاصيلهم ، إن العالم لا يحتاج لمسيح جديد بل يحتاج إلى ماركس جديد ، يقود ثورة عالمية من أجل تصحيح الأوضاع بفلسفة جديدة تراعي عمق الكارثة . 25 أكتوبر 2016