*هل تاريخنا الحديث كُتب بدقة؟.. *هل مؤرخونا كتبوا عنه بحيادية تخلو من العاطفة؟.. *فمن المعروف عنا- كسودانيين- أننا عاطفيون جداً.. *وأعني هنا العاطفة بمعناها العلمي.. * أي تغليب المشاعر على العقل والمنطق والمهنية.. *سواء كانت سالبة - المشاعر هذه- تجاه قضية بعينها أم إيجابية.. *وتساؤلاتي هذه نبعت من قراءات تاريخية متعددة عن بلادنا.. *قراءات لأجانب وأبناء جلدة على حد سواء.. *فوجدت اختلافاً عظيماً بين الذي يقوله الأغراب وأبناء البلد.. *طيب فلنفترض جدلاً أن الأغراب هؤلاء كاذبون جميعاً.. *فهل نحن أمينون عند تناول أحداث تاريخنا؟.. *والسؤال الأخير هذا لا يمكن الإجابة عنه دون النظر إلى (شخصيتنا).. *فشخصيتنا السودانية تنزع دوماً نحو (التمجيد).. *تمجيد يتم عبر ظاهرة قتلناها (كلاماً) وهي (كثرة الكلام).. *تمجيد الذات ، والأهل ، والعشيرة ، والقبيلة ، والكيان ، والجنس.. *ويكفي أن تتمعن في حيثيات مقابلة إعلامية مع أحدنا لتتبين هذه الحقيقة.. *فهي كلها تدور حول محور (الأنا).. *وحين تضع مفردة (أنا) هذه فوق بعضها تجد أنها أعلى قامة بكثير من كسب قائلها.. *بل قد لا يكون له كسب يُذكر أصلاً بمعايير الإنجاز.. *ذلك إن لم يكن العكس تماماً هو الصحيح كما في أنشودة (تمجيد) معركة كرري.. *فليس صحيحاً- بالطبع- أننا (شتتنا كتل الغزاة الباغية).. *وليس صحيحاً أن (النهر يطفح بالضحايا والدماء القانية).. *وليس صحيحاً أن (فر جمع الطاغية).. *بل الصحيح أننا هزمنا شر هزيمة و(فر جمع) منا صوب الغرب.. *وسبب الهزيمة هو (الظلم) الذي مارسه القادة وقتذاك.. *ظلم جعل غالبية الناس- من المقهورين- يفضلون الأجنبي على (أولاد البلد).. *كما إن من تاريخنا (الكاذب) قصة مقتل غوردون.. *فالذي أجمع عليه المؤرخون- غير السودانيين- أنه قاتل إلى أن نفدت ذخيرته.. *ومن المؤرخين هؤلاء من (عايش) الأحداث بنفسه.. *وهم إبراهيم فوزي ورودلف سلاطين وتشارلس نيوفيلد وأوهرولدر.. *قاتلهم ببسالة فائقة وإن لم تعجبنا هذه (الحقيقة).. *كما إنه غير صحيح أن المهدي أمر رجاله بعدم قتل غوردون من أجل عرابي.. *فهو إن فعل لما عصوا أمره (أبداً).. *كما إن تاريخنا يُثبت فشلنا في إدارة شؤوننا سياسياً وإنسانياً وتنموياً.. *فلا إنجاز قبل غزوة إسماعيل ، ولا بعد مقتل غوردون.. *ولا نهضة إلا عقب مجيء كتشنر.. *وكذلك لا رحمة ولا عدل ولا إنسانية.. *هذا هو تاريخنا الحقيقي الذي علينا أن نستفيد من عِبره.. *لا الذي نتباهى به (كذباً !!!).