محاكمة حسين حبري ميل إفريقي صوب العدل بقلم د. محمود ابكر دقدق

محاكمة حسين حبري ميل إفريقي صوب العدل بقلم د. محمود ابكر دقدق


06-02-2016, 02:06 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1464872793&rn=0


Post: #1
Title: محاكمة حسين حبري ميل إفريقي صوب العدل بقلم د. محمود ابكر دقدق
Author: محمود ابكر دقدق
Date: 06-02-2016, 02:06 PM

02:06 PM June, 02 2016

سودانيز اون لاين
محمود ابكر دقدق-الدوحه
مكتبتى
رابط مختصر



مثلت المحاكمة التاريخية التي شهدتها العاصمة السنغالية دكار مؤخراً، في حق الرئيس التشادي السابق حسين حبري، خطوة غير مسبوقة نحو إقرار العدالة الافريقية على مستوى القارة، وهي المرة الأولى التي يحاكم فيها زعيما إفريقيا في دولة أخرى، غير الدولة التي ارتكب فيها الافعال المجرمة وفق تهم تتعلق بإنتهاكات حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني، والمتمثلة في الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب.
وكانت بلجيكا اول دولة قامت بمحاولة محاكمة حسين حبري عبر ما بات يعرف بمبدأ الاختصاص القضائي العالمي او الاختصاص الجنائي العالمي “Universal jurisdiction”، والذي بموجبه يحق لاي دولة طرفاً في اتفاقيات جنيف الاربعة لسنة 1949 وتعتمد وفق قانونها الوطني المبدأ المشار اليه، أن تحاكم اي من مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية، أو تسليمهم إلى طرف متعاقد سامي آخر للمحاكمة، وذلك بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة او جنسية الجاني او جنسية المجني عليه او الضحية، وهي فكرة تقوم على اساس منع الافلات من العقاب في مواجهة من يرتكبون اكثر الجرائم فظاعة في حق البشرية جمعاء، وبالتالي فإن المجتمع البشري بأسره يكون مسؤولاً بالتضامن وبالأنفراد بتعقب أؤلئك المطلوبين في حلهم وترحالهم وتقديمهم للعدالة في أي من أركان المعمورة الأربعة. وعملاً بهذا المبدأ تقدمت بلجيكا بطلب الى محكمة العدل الدولية في عام 2009، مطالبة فيه بان تأمر المحكمة دولة السنغال اما بمحاكمة حسين حبري او تسليمه لها لمحاكمته في بلجيكا، وذلك على اثر اصدار مذكرة اعتقال بلجيكية عام 2005 ضد الرئيس التشادي السابق بموجب شكوى تقدم بها في بلجيكا مواطن بلجيكي من اصل تشادي.
وقد اصدرت محكمة العدل الدولية حكمها في العام 2012 والذي جاء فيه "أن جمهورية السنغال يجب عليها ودون مزيد من التأخير، تقديم قضية السيد حسين حبري إلى سلطاتها المختصة للمحاكمة، او تسلسمه لاغراض الملاحقة القضائية" وهو ما اعتبره المراقبين احدى اهم الخطوات التي دفعت بالملف قدماً نحو بدء المحاكمة.
ولم يقتصر الامر على ذلك فحسب بل طالب البرلمان الأوروبي السنغال بضرورة محاكمة او تسليم حبري إلى بلجيكا ليحاكم، فضلاً عن ترديد ذات الطلب من قبل مئات المنظمات الحقوقية، وهكذا توالت الضغوط على السنغال، ثم ما لبث الاتحاد الأفريقي أن انضم للوبي الضغط هذا، وقد أسفر ذلك الضغط الدبلوماسي والقانوني على حكومة السنغال للتصويت بواسطة الجمعية الوطنية السنغالية بتعديل الدستور تمهيدا للطريق لمحاكمة حسين حبري في السنغال، ثم صوتت جلسة مشتركة للجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ السنغاليتين بالموافقة على مشروع قانون لتمكين المحاكم السنغالية بمحاكمة الأشخاص عن الجرائم التي ارتكبت في "بلدان أخرى" وتلك الجرائم التي ارتكبت "منذ أكثر من عشر سنوات مضت"، وذلك بهدف جعل محاكمة حبري ممكنة دستوريا.
وقد جرت وقائع المحاكمة التاريخية امام محكمة خاصة شكلها الاتحاد الإفريقي بموجب اتفاق مع السنغال، والتي عرفت باسم الغرف الافريقية الاستثنائية وهي ترجمة حرفية للمسمى الذي صيغ به الاتفاق باللغة الفرنسية :
(Chambres Africaines Extraordinaires)
وهي عبارة عن محكمة مكونة من اربعة غرف أسست باتفاق بين الاتحاد الأفريقي والسنغال للاعتراف بجرائم دولية وقعت في تشاد بين 7 يونيو 1982 و1 ديسمبر 1990. وهذه المدة هي فترة حكم حسين حبري الفعلية. وتعتبر هذه الغرف الأربعة وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة ويكمل بعضها بعضا وهي:
        •       الغرفة الأفريقية الاستثنائية للتحقيق.
        •       الغرفة الأفريقية الاستثنائية للاتهام.
        •       الغرفة الأفريقية الاستثنائية للجنايات.
        •       الغرفة الأفريقية الاستثنائية الاستئنافية للجنايات.
وتأسيساً على نلك، بدأت في العاصمة السنغالية داكار محاكمة الرئيس التشادي السابق حسين حبري في حضور بعض ضحاياه وبحضوره شخصياً بعد ان اقتيد بالقوة إلى المحكمة حيث رفض المثول امامها بادئ الامر، كما انه رفض الحديث أو الدفاع عن نفسه. وقد سبب القاضي جبيرداو غوستاف رئيس المحكمة حكمه على أساس ان حبري مذنب لضلوعه في جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، والاغتصاب، والإجبار على العبودية، واستعباد قسري وخطف، وذلك بعد سماع البينات المقدمة من قبل الادعاء.
وقد وجدت المحكمة ان البينات التي قدمت امامها كافية ومتسقة، ويعضصد بعضها بعضاً، وان الرئيس السابق البالغ من العمر 73 عاما كان قد قاد وأشرف على نظام تميز بالفوضى والإفلات من المساءلة والترويع وازدراء حقوق الانسان، تلك هي العوامل السائدة ابان فترة حكمه التي خلت من اي انجاز لصالح حكم القانون. وقد أصدرت المحكمة في حقه حكماً بالسجن مدى الحياة، وبذلك سوف يقضي حسين حبري ما تبقى له من عمر وراء القضبان تنفيذاً لقرار المحمكة المشار اليه.
وقد تابعت اجراءات المحاكمة بصورة لصيقة، ولفت انتباهي أن الضغاة يمارسون ذات الصلف حتى وهم في اَخر أيامهم وفي طريقم الى مثواهم الاخير، لقد كان حسين حبري وهو داخل قاعة المحكمة اكثر اصراراً على اتباع ذات النهج الفوضوي الذي حكم به دولة تشاد، وفوت على نفسه فرصة تفنيد الادلة او اضعافها ثم العمل على دحضها، وبدلاً عن ذلك، شاهدناه تارة يرفض النطق ولو بكلمة طوال اجراءات المحاكمة، بل رفض السير على قدميه لدخول قاعة المحكمة فكان يحمل عنوة كل مرة الى قاعة المحكمة وهو جالس على كرسي، وتارة اخرى شوهد حينما رفع ذراعيه في الهواء صائحا  بعد صدور الحكم "تسقط إفريقيا الفرنسية"، وهو مصطلح ينتقد التأثير الفرنسي على القارة السمراء وكانت تلك هي العبارات التي اكتفى بها في مواجهة المحكمة.
وإن كان لنا تعليق بشأن امتناع حبري عن التعاون مع المحكمة خلال جلسات استمرت عشرة أشهر تقريباً، ورفضه الاعتراف بسلطتها، فتعليقنا هو انه رفض يأتي من قناعته التامة بان ليس لديه ما يقوله في مواجهة السيل المتدفق من الادلة، و قوة البينات المقدمة ضده وشيوع أنباء الانتهاكات التي مارسها الرجل طوال فترة حكمه، تلك البيانات التي اشارت اليها المحكمة والمتمثلة في رواية شهود عيان للعديد من الفظائع في سجون تشاد في عصره، وقد وصفوا عبر الجرافيك الممارسات القمعية التي مارستها شرطة حبري السرية، وقوات الجندارما والتي تضمنت الصعق بالكهرباء والإيهام بالغرق، ورش الغاز داخل العيون، ووضع التوابل الحارة داخل الأعضاء التناسلية والاماكن الحساسة من الجسم، والقتل خارج نطاق القضاء والاغتصاب، وقد قدمت إحدى ضحايا الاغتصاب من قبل حبري شهادتها للمحكمة، هذا فضلا عن تقديم ادلة بشأن شتى صنوف التعذيب والإذلال.

وفي اول رد فعل للمفوضية السامية لحقوق الانسان قال المفوض السامي بالأمم المتحدة الامير رعد بن زيد "أن الحكم يظهر أنه لا يوجد أحد فوق القانون لا سيما في وقت يشهد فيه العالم ترويعا جراء تيار مستمر من الأعمال الوحشية".
ومن جهة اخرى يقول ريد برودي، المحامي بمنظمة هيوم رايتس ووتش والذي قضى خمسة عشر عاماً مع ضحايا ديكتاتور تشاد ان "الحكم يرسل رسالة قوية إن الأيام التي يرتكب فيها الطغاة أعمالا وحشية ضد شعوبهم وينهبون ثرواتهم ويولون الفرار إلى حياة الرفاهية بالخارج تبلغ نهايتها واعتبر ان اليوم الذي صدر فيه الحكم سيظل محفورا في ذاكرة التاريخ".
وحتى قبل صدور الحكم توالت مجموعات تمثل ضحايا الرئيس التشادي السابق في الوصول إلى داكار عاصمة السنغال للمشاركة في تلك اللحظات التاريخية، تحت تهليل الضحايا والمناداة بضرورة سجنه مدى الحياة، فيما كانت العاصمة التشادية إنجامينا حاضرة عندما احتشد فيها المئات من ضحاياه لمشاهدة المحاكمة تلفزيونيا. وتوالت الصيحات المبتهجة للنساء والرجال على حد سواء بينما كان القاضي يتلو قرار الإدانة، حيث قام الحضور باحتضان بعضهم بعضاً وهم يصرخون "لقد انتصرنا" قبل النزول إلى الطرقات العامة للاحتفال بإنتصار رمزي طال انتظاره.
وفي تقديرنا أن الحكم يضع نهاية للإفلات من المساءلة الجنائية والعقاب في افريقيا، كما أنه يحقق الاكتفاء والشعور بالرضا لاقارب حوالي اربعون ألف قتيل خلال الفترة التي قضاها حبري رئيسا لتشاد بين عامي 1982-1990 بالإضافة إلى آخرين تعرضوا للاختطاف والاغتصاب والتعذيب خلال الفترة المذكورة. ومهما يكن من امر فإن المحاكمة في حد ذاتها إنجازاً كبيراً في سبيل القتال الطويل والشاق ضد الإفلات من المساءلة والعقاب، وخاصة وأن أفريقيا بدأت بالسير صوب إقرار حكم القانون، وسوف تشكل هذه المحاكمة نموذجا لقدرة مؤسسات القارة الأفريقية والدول مجتمعة او على إنفراد للاقدام على خطوات مماثلة، كما انها دليل على قدرة الافارقة لتولي شؤونهم الخاصة في بعض الاوقات.
وعليه سوف تتوالى مثل هذه المحاكمات والاحداث، وذلك لوعي الافارقة وميلهم صوب تحقيق العدل، والاحساس العام بأن لا حصانة تدوم لأي مسؤول كان، وأن الحصانة الوحيدة المتاحة لأي شخص في وجه هذه البسيطة، رئيساً كان أو مرؤوساً هي طبيعة أفعاله فقط ولا شئ سوى ذلك، فإن حسُنت افعاله نجا وسلِم، وإن ساءت فإنه ملاقي المساءلة وإن طال به الزمان.



أحدث المقالات
  • العنف الطلابي بقلم عميد معاش طبيب سيد عبد القادر قنات
  • إلا دموعك أنتِ بقلم ماهر إبراهيم جعوان
  • الرواية الكذبَ 1ـ 3 بقلم علي الكنزي
  • يوسف عبدالفتاح ( رامبو).. و ( السائحون) و فساد ( الانقاذ) المعلوم..!! بقلم عثمان محمد حسن
  • المبدع والقارئ اربعينية الروائي والشاعر العراقي صبري هاشم بقلم د. حامد فضل الله
  • من كتاب ( صدام عدو الإسلام والسلام ) إنها عقدة الكبرياء التى أفسدت الأجواء وقتلت الأبرياء مرضاة للأ
  • الفراغ الدستوري المستمر بقلم أحمد الرضي جاد الله سليم
  • البديل الوطني الديمقراطي لنظام الإنقاذ بقلم د. عبدالخالق احمد علي
  • شاهد على العصر ! بقلم الشفيع البدوي
  • أرتريا - وخطاب الرئيس - الخامس والعشرين بقلم محمد رمضان
  • الحرب ضد الاختراق....(2) بقلم محمد علي خوجلي
  • لماذا أطلقت النار على غسان الشكعة؟ بقلم د. فايز أبو شمالة
  • إهداء للإعلام المصري: نقة يهودية.. نمبر تو!! بقلم رندا عطية
  • من أصدر (حكم الإعدام)؟ بقلم عثمان ميرغني
  • حسين حبري الذي قضى.. وعمر البشير الذي ينتظر:بقلم الصادق حمدين
  • يا هو الفضل .. فاروق .. ملك مصر والسودان بقلم طه أحمد أبوالقاسم
  • البروفيسور أبوشوك: يسقط النوبا من فهرس القبائل السودانية ! بقلم إبراهيم كرتكيلا
  • بوح.. نداءات المجهول بقلم مأمون أحمد مصطفى
  • الجائزة مليار ..!! بقلم الطاهر ساتي
  • ركلة جزاء ..أين الحكم..!! بقلم عبد الباقى الظافر
  • رُكب سائحة!! بقلم صلاح الدين عووضة
  • «بتوعنا» بقلم أسحاق احمد فضل الله
  • الحوار الوطني إلى أين يسير ؟ بقلم الطيب مصطفى
  • سعر الصرف و إتساع الخرق على الراقع بقلم سعيد أبو كمبال
  • ألنادوس وألقادوس ألصدئ شعر نعيم حافظ
  • محاولة اغتيال معتمد فى كادوقلى..والفاعل مجهول!! بقلم عبد الغفار المهدى
  • تأشيرة البشير.. نيويورك - لاهاي بقلم عثمان نواي
  • معارك الحرس الثوري الإيراني في العراق! بقلم داود البصري
  • بدأته في شهر رمضان وأقلعت عنه في رمضان بقلم نورالدين مدني
  • تايه بين القوم / الشيخ الحسين/ عمر البشير( صمام أمان البلد!)
  • حكومة الإخوان .. من قتل الأطفال إلى قتل المصلين !! بقلم د. عمر القراي
  • هذه أكاديميتي وأنا أجزي بها: شَغَبت شيعة منصور خالد الشغّابة بنا (1-8) بقلم عبد الله علي إبراهيم
  • الفنان محجوب عثمان والتوثيق لكبارنا ! بقلم بدرالدين حسن علي
  • السُّودَان سَنَة 2100 شركة الصمغ السودانية الاماراتية الكورية بقلم مُحَمَّد عَبْد الرَّحِيم سيد أ
  • الإخوان المسلمون .. بين مطرقة الطواغيت .. وسندان داعش .. بقلم موفق السباعي
  • أساليب نضالات الطبقة العاملة، في ظل النظام الرأسمالي المعولم.....3 بقلم محمد الحنفي