عندما أكتب عن واحد مثل " أبو عركي البخيت " لا يعني مدحه أو تعظيمه كما فعلها غيري ولا حتى الترويح له ،وهو أكبر مني خلقا وأ دبا وسموا ،فمعظم كتاباتي هي " توثيق " ،مثلما يؤمن عبدالوهاب همت وغيره بالتوثيق ، أحاول مخاطبة هذا الجيل والأجيال القادمة ، أحاول قدر الإمكان توثيق ما أعرفه ، لذا أجد نفسي كثير المراجعة ورمي ما اكتب في سلة المهملات ، ولذا أيضا تكثر سلات المهملات في بيتي ، وسلة المهملات بالنسبة لي لا تعني " جردل الزبالة" وإنما تعني " التصحيح " ، تماما مثلما يحدث للممثل عند أدائه للدور ، أقصد" التحسين " ، من الصفات التي أكرهها جدا " التسرع " والحكمة التي أؤمن بها " في العجلة الندامة .." وهذا بالفعل ما لفت إنتباهي في شخص مثل" أبو عركي البخيت " ، صحيح صوت جيد ، أداء جيد ، معرفة جيدة بالموسيقى ...إلخ ، ولكنه غير متسرع ، هذه الصفة عندما يدقق فيها الإنسان جيدا سيدرك معناها وأهميتها . هذه المقدمة ذات علاقة وثيقة بمقالي هذا عن " أبوعركي البخيت " ، أحبه ؟ نعم . ولكني وجدت نفسي محقا في حبي له ، وكما يردد " يا ربنا يا قادر .. يا واهب كل الشي النادر " فقد أعطاه الله الموهبة والرسم بالغناء ، وأعطاه صبره ورزانته وصدقه ، خاصة البعض في زمننا هذا يظن أن الله خلقه في يوم وخلق بقية البشر في يوم آخر ....الكلمة المقابلة لعركي هي التواضع ، ولم يحدث أن سقطت دموعي مثلما تسقط عندما أسمع " أهلي الغبش " بالطبع حزنت لما حدث بين صديقي عركي وصديقي الآخر هاشم صديق، واقولها بالفم المليان هاشم لن أنساه أبدا ولن أنسى مواقفه النبيلة الشجاعة الأصيلة معي ، كلاهما يسكنان في ضلوعي وشراييني وقلبي وعقلي وأفديهما بنفسي ، وفي ده ما بهظر !!!! ولست أخجل عندما أعلن حبي لعركي ، لأني أعرف حيدا أن الخجل عاطفة ثورية !!!! تحضرني بهذه ا لمناسبة نكته طريفة ، يقال أن الله قال لجبريل : اليوم سأخلق بلدا كبيرا يسمى كندا ، وشعبا يسمى " الشعب الكندي " سأعطيهم الماء ، الذهب ، النفط ...إلخ . سيكونون أثرياء جدا ، فقال له جبريل : لماذا أنت كريم معهم هكذا ؟ فقال له لا تتسرع .. إنتظر لتعرف من هم الجيران !!!! هكذا حالنا في السودان ، منحنا الكثير من النعم ومنحنا أيضا الكثير من الجيران أجارك الله جيران ال ..... ، أعطانا الله الكثير من الأصوات الجميلة الرائعة وأعطانا أصوات وغناء الحمير !!!! وقطعا أبو عركي من أجمل وأروع الأصوات . السبت 7/5 يشدو أبو عركي في تورنتو الملكة بعد أن حلق في سماوات مدن كندية أخرى كما قالت بثينة تروس وكما كتب شعيب والباشا وعاطف ، وأهل تورنتو يحسبون الوقت بالدقائق ، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ الغناء السوداني ، وأبو عركي يستحق هذا الحب الكبير الذي يكنه له السودانيون في كل مكان يزوره ، ومقاطعته " إفك وزور " أبو عركي لا يمكن مسه أو مس غناءه وموسيقاه ولو بأطراف الأصابع ، الشعب السوداني قاطبة يفرق جيدا بين الغناء الجميل والغناء الرث ، ويعرف قواعد الموسيقى ، وهذا هو السبب الرئيسي في حبنا له صحيح أن " أبو سماهر " من ود مدني، ولا أظن أنها الصدفة التي أعطت وادمدني لوطني : إبراهيم الكاشف ، السني ، رمضان زايد ، رمضان حسن ، محمد مسكين ، محمد الأمين ،ثنائي الجزيرة ، الخير عثمان ، محجوب عثمان ، عبدالعزيز المبارك ، ولا أطيل ....فقد أعطتنا الكثير من رموز الأدب والفن والرياضة وثوراتنا وإنتفاضاتنا إنطلقت منها . زاملته أربع سنوات بمعهد الموسيقى والمسرح ، ومثلما إنتقل هو بعد جامعة الخرطوم إلى المعهد لدراسة الموسيقى ، إنتقلت من جامعة القاهرة إلى المعهد لدراسة المسرح ، رأيته عدة مرات ولا أذكر له سوى تلك الإبتسامة الساحرة هو وعفاف ،" قالت لي كريمتي مهيرة : سارح في شنو يابابا ؟ وكانت سماهر تعزف على الدرامز ، قلت لها سارح في بسمة سماهر" ، هزتني جدا مواقفه النبيلة و وطنيته ، ودائما ما أرى فيه روح محجوب شريف ، وإذا كان هذا شاعر الشعب فعركي شريف مطرب الشعب ، هزني جدا صموده أمام الفسق والفجور ، هزني جدا ثباته أمام الزيف والبهرجة والثرثرة والكلمات الطنانة ، وحياة إبتسامتك يا عركي ، وحياة موسيقاك وغناءك و قلبك و شعرك الأبيض أحبك جدا