يا قناة الشروق،عَالِم عَبَّاس هو نَاظِم ديوان (مِنَّا المعَانِى ومِنْكَ النَشِيّد)! بقلم عبد العزيز

يا قناة الشروق،عَالِم عَبَّاس هو نَاظِم ديوان (مِنَّا المعَانِى ومِنْكَ النَشِيّد)! بقلم عبد العزيز


05-03-2016, 04:11 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1462288262&rn=0


Post: #1
Title: يا قناة الشروق،عَالِم عَبَّاس هو نَاظِم ديوان (مِنَّا المعَانِى ومِنْكَ النَشِيّد)! بقلم عبد العزيز
Author: عبد العزيز عثمان سام
Date: 05-03-2016, 04:11 PM

04:11 PM May, 03 2016

سودانيز اون لاين
عبد العزيز عثمان سام-
مكتبتى
رابط مختصر


حكومة السودان فى غمرةِ إنهِماكها، بواكير أبريل المنصرم، بنقلِ وتحليل فعاليات زيارة رئيس الجمهورية لولايات دارفور(الخمس). وضمن هذه التغطية الشاملة لفعاليات وتسريبات الزيارة، لفتَ نظرى استضافة قناة الشروق الأستاذ الشاعر والكاتب/ عالِم عبّاس محمد نور فى برنامجها "صباح الشروق".
وجلستُ مُسترّخِياً لأسمع وأرى شخصاً طالما أحببناه نحنُ أبناء جيلنا، وتثاقفنا على قراءةِ وحِفظِ وإلقاء أشعارهِ المُلهمة من ديوانِه الرائع "مِنّا المعَانِى ومِنكَ النشِيِّد". وأذكر أننى ما كنتُ أتركه خلفى، وأحمله معى دوماً ما يَسّرَ لى قراءته وَقتاً طويلاً، والديوان فى كُتيِّب متوسط الحجم.
الذى ذكَّرنِى بديوان "مِنّا المعانى ومِنْكَ النشيد"، هو إنَّ مقدِّمَا برنامج "صباح الشروق" الشابَّان الذان استضافا عالِم عباس لا يعرفان أعظم ما نظمَتْ يداه، وهو هذا الديوان! بدليل أنهما لم ينبُسَا بإسم الديوان طوال وقت الإستضافة، بل وطفقَا يهَوِّمَان حوله، يحاولان إستخراج دُرَرِه التى تناسب برنامجهم. وكان يبدُو عليهما خوفاً ظاهِرَاً خِشْيَة أنْ يقذِفَهم عالِم عباس بحِمَمِه التى أرعبت مصطفى عثمان إسماعيل يوم ألقَى عالِم عباس فى حضُورِه قصيدته العصماء الرهِيبة بعنوان (صَمْتُ البراكين قبل انفجارِ الحِمَمْ!) بقاعة الصداقة الخرطوم فى بداية العام 2015م فى إحتفائية بمناسبة جائزة بروفسير عبد الله الطيب، طيب الله ثراه.
أولاً، لا يليق أنْ يستضيفَ شاعر وكاتب كبير بقامةِ عالِم عباس محمد نور شباب غُرّ وُلِدُوا و شبُّوُا عن الطوق ثمَّ امتهنُوا الإعلام وغيره من المِهن فى ظلِّ عهد "الإنقاذ" 89- 2016م. لأنَّ هذه الأجيال قد حُجِبت عن نهلِ النقى والبديعِ من العُلومِ والمعارف، وفرِضَ عليهم تعَلُم ما يعتَقِدُه أهل "مشروع" الإنقاذ علوم المَسيرة القاصِدة إلى الله. وشعر عالم عباس فى نظرِ اهلِ الإنقاذ مُخالِف لمشروعِهم ومسيرتِهم القاصِدة. وعالِم لا يحفل بذلك المشروع، ولا بقواعد إشتباك المركز القائمة على مصادرةِ الحُرِّيات وهُوِّية زائِفة. فلا يُستسَاغ أنْ يحِلَّ عالِم عباس ضيفاً على قناةِ الشروق وهى لا تعلم أعظم قريضٍ نظَمَهُ (ضيفِهم).
وطوال فترة إستضافته فى "صباح الشروق" كنت أتمْتِمُ بأبياتٍ من رائعتهِ "أبرِقْ ببسمتِكِ التى" التى يحفظها أبناءُ جيلنا عن ظهرِ قلب. وأهدى منها شباب قناة الشروق قِطَافٍ علَّها تعينهم لو إستضافوا عالم عباس مَرَّة أخرى. وفيها يقول عالم عباس:
(ظـنـنـتُ الذي راح عــنِّي ذَوَى،
فـي الــمــسـاءاتِ غـاب.
مـسـحتُ جـراحي بـراحي
وأشـعلتُ لـلريح مـا مـزقته التباريح.
قوّضْتُ من لهفتي ألف باب،
شـتّان من نـارِ الـتعلَّاتِ والبعد بـردُ المآب..
مـن اين ؟ من اين؟
سـبـَّحتُ بـاسمك فـى الركعة الألف
بـعـد هـجـوع المـصلين والـعاشقين الـذين
يـشقّون لـليلِ قـبْوَاً
يلاقون أحبابهم في سكون
رأيـتـك تـنـشقُّ مـن مُهجتِي وَرْدَةً كـالدهَّان
ادافع عـن وجنتيك خيوط الضياء الحبيس بقلبي
أداري عـيـون النهار
لـتـنمو بـحـريةٍ عـن فـضـول الـمرآئي
وعـن هـمسات الوُشاةِ وعـن عـنفِ نـبضِي
يـدفّـع نـسـغ المودّة فـي عـرقِك الـمشتهي
لأحميك بـين ضـلوعي المدرّع بالصمت والوجد
يـا سدرة الــمـنـتهى.
************
مـاذا تـبقى لـنا ولـهذا الـزمن؟
لـيـل عـبـُوسْ
وهوَتْ عـلى الرأسِ الــفـؤوس
ومــضـى الحـبـيبُ مــضى الـحـبيبْ
والآن رُوِّعَـتْ الـــنــفــوس
فاكـتب لـنـفسِك أن هُـزمتَ وودِّع الأشـواق
واللهف الحـبـيـس
وانـهـض لـعـلك "بـاخـع" روحـــاً
ودمـعـك لا يكـاد يـبـين مـن حُـرُقٍ أسـاه
هـذا الـعذاب وقد أتـى
فـاكـتـب لـنـفـسك حـظّـهـا وأبـــكِ
فـما دمـع بـمستبقيك فـي حُـضنِ الـحبيب
نــهــر مـــن الــدمـعِ الـصـبِـيب
يـجـتاح أحرفك الـبريئة يـا صـديق الـناى
والـحُـزنِ المـعتّق فــي الـخوابي والـدِنان
لا تبتـئسْ.
***************
إنّـا إذا ما الــلـيـل جــــنَّ
وعـرَّبدَ الألمُ الـمزمْجِرُ فـي تـلافيفِ الـثياب
وخـبـا بـريق رأشه لـلنجمِ أحـزانِ الـغياب
فـاكـتـب لـتـشـهد كبوة الـعُـشـاق
في الدربِ الـنـهـائيّ الـمـصـير
واســأل،
لعلك أن تـسائلْ تـلفَنِى أبـداً يـلُوب بي الأياب
يـا حُزن مليون ارتعاش في حنايا أضلعٍ ذابت هباءْ
لـيكن نـهارك مُصَلّتاً كـالسيف في عنقِ الرياءِ
لـيكن كليلك خاشعا متبتِّلاً
وَشْماً على شَفَةِ الدُعاء.
لا الـقلـب إنْ يـسـمعْ دعــاءَك يـسـتجيبْ
لا الـموت مـستبق عـليك ويـستبد بـك القنوط
فـأيـن لحْـدَ الـقـبر مـن حُـضنِ الـحبيب؟
سـيـان لَـحْـدَ القـبر أو حُـضـن الـحبيب
كـلاهما مـوت "وجـِسرٌ" لـلفناءِ ولـلمغيب.
*************
الله لـــك،
يــا أيـهـا الـمُـلقَى بـقـارِعةِ الــدُروب
يـــا أيــهــا الــقـلـبُ الــيــذوب جـوىً.
ولـيلك نـام فــي نـعـشِ الـعـشى
مـذ جــاء هــذا الـهاجس الـليلي أرّقـني
فـديـتـك أنــت يـــا قــدرى الـعـتى
مـــا بـارح الـشـوق الـمـبرح مـهـجتى
ما زالـت النيران تـلفح مـمعنات في الحريق!!
فاسـكُـنْ - فديـتـك - فـــي دمـــي،
عَرْبِدْ كـما شـاء الـهوى لـك كـله قلبي فداك
فاعـبث بــه وأسْـفِك دِمـاه، أو ألـقِه لـلجمر
يكفي مـا أرتـآه الأمـس مـن تـنوّرِ وَجْـدِك
حـيـث لا حَـَّر الـجـحيم كـحـرِّهِ
كــلا،
ولا مـا ذاقـه (سـيزيف) مـن عَـبثِ الـعذاب.
هـو لا، ولا كـعذاب (تنتالوس) في الألمِ الرهيبِ
نــهــر مــــن الــدَمـعِ الـصـبـِيب
والــقــلـب يــخــفـق لا مُــجِـيـب
أوجِـــــس - فــديــتـك - خــيـفـةً
أمّـا تـرانِى أعبُرُ الـفَلواتِ مُصطليا بنارِ هَواكِ
مُـمـتطِياً جـواد الـصـبر زقُـومَـاً عَـلكتُ؟
لـعـلنى ألـقـاك تـنـسِيني تـباريح الـطريق
يـاكـم عـبـرتُ لـك الـسـباريت الـمهُولةَ
غير ذكرك واليقين بأنْ أراك سواهما ما اخترتُ زاد،
لـكـأن طـيـفك حـين بـئر الـيأس تـغريني
وتدنيني وتـنسج لـي أحـابيل الـهزيمة والبُعاد
يـمتدّ يـمسكُ مـن يـديّ يـَجُرَّنِي شوقاً إلـيه
لـكأن روحـك هـوَّمتْ فـوقي كـمعجزة المسيح
تُجْلىِ الـعَمَى عـن باصريَّ تقيم أقدامي الكسيحة
تـنـفـخ الـروح الـقـوِيَّة فــي دمي
فـيـطـيرُ بـي جــسـدي الــمَـوَات.
*****************
أبـرق بـبـسـمـتك الـتى..
وهى الـتى لـو رآءهـا مـوسى لـقال لأهلِهِ،
آنـستُ ناراً فـامـكثوا.
وهـي الـتى..
لو أشرقـت مـا اخـتـار أهـلُ الأرض شــمـسـاً غــيـرهـا.
وهــي الـتـي مــن أجلـِها قــد أطـفـئتْ نـارُ الـمجُوس..
*************
أبـرق بــبـسـمـتـك الــتـي،
فــالـمـوتُ خـَـيَّـم في الـنـفوس،
هـيـا أحْـيِـها وأبرِق بـبـسمتك الـتـي،
نـحيا عـليها فـي زمانِ الـقحط ِوالدمِ والهزائم !.
وهـي الـتـي، إمـا نـجوعُ نـمِدّ أيـدينا لـها،
فـنـحِسّها كـالمَنِّ والـسَلْوَى ومـائدة الـسماءِ،
يزُفّهـا عـبـقُ الــنسـائـمْ.
وهـي الـتي إمّا تـحِيقُ بـنا مرارات ُ الهزيمة
ونـرتاحُ فـي أفـيائِها
ونعودُ من ############ِاتِها أقـوى عزيـمـة.
إنا تعلّمنا ببسمتِك التعَالِي عن مهاوِي الضعفِ فينا فـابـتـسم
إنـا تـعـلّمـنا بـبـسمتِكِ الـسُـمُـوَ.
******* ***********
دعـني أنـيخ لك الـقصائد فـي محطاتِ الزمان
فاطـلق أســاري مُــرْ كـما تـهوى لـديْ
إذ ابـتـسمت قُــوىً تـكـادُ الجِـنُّ تـرهَبها
وإذ ولّــــى زمــــان الـمـعـجـزات.
إنـــي إذا مـا اللـيلُ خَـان
وأضـاع طيفك في خِضَمِّ عُبابِه
وهتفت باسمكِ مـا اسـتـجبت أصـيح
يـنبلج الـصباحُ
خـذني إلــيــك
إنــي اصـلي مـرّةً اخـرى لـتأخذني لـديك..
حـتى إذا صادفْتُ بـرقاً عـند بـسمتِكِ التى ضـَــنَّ الــزمــانُ بــهــا عـَـلـىّ
سـأذوبُ مُحترِقاً سـعيداً فـي تـوهُجِها المُقدَّس كـالكـواكبِ فـي الــسديـمِ
لتظل نار البعث تخلق مـن رمادي
عاشقاً صهرته كالعُشّاق بالأشوَاقِ حتى ضاء في الليل البهيم.)

وفى رائعةٍ أخرى، بعنوان (لكنَّمَا ليْلَاى أبعد) يقول عالم عباس:
(لكنما ليلاى أبعد
والوطن ينأى مع الأيام
لكن الوطن ينمو فيا ليلاى مع الأيام أيِّكُمَا الوطن ؟
اليوم أسكرُ غُربَة وأنا أحِسّ الشمس ترضع شوقها الظماّن من ثدىِ الغُروب
لو أننى حمَّلتُها بعضاً من الأشواق لإحْتَرقت ضُحىً
ولربما جئت
اذا لمحتُ حبيبى يغسلُ الأحزانَ عن جفنِ الدُروب
هذه الدار التى تنشطر الرؤيا بها غمضة عين
تجعل الموت على دربِ حبيبى
فرْضَ عين.
****** ********
انَّ لى ما يشبه الشوق المُجنَّح انَّ بى
ما يجعل الشوق المجنَّحُ غابةً من أجنِحة.
هذا زمانٌ تركض الأموات فيه
وتزدهى للموت غابة
هذا زمانٌ يهرعُ العشاقُ فيه
الى جحيمِ البُعدِ أو حُضنِ الكآبة
هناك يحترقون بالأشواق، حيث رمادَهُم ..
يتكحّلون به دوَاءً للصَبَابة.
***** ******
بُعادُك فى قلبى رِماحٌ تنوشنى
ولُقياك عندى مُنيةٌ،
ليلة القدَرِ.
وقد نلتقى رُغمَاً عن اليأسِ فى النوى
وقد ينقضى عُمرى ولا ينقضى صبرى
سأركبُ فى منفاى كل تنُوفةٍ إليك
وقد اّتيك من حيثُ لا ندرى
وأما إذا ما الحادثات بلونَنِى
بعيد رحيل الشمس عن بصر النهر
تبرّقَع نُوراً حين أسفر وَهْجَهُ
فأغْرِقَ حُزنُ الليل فى بَسْمَةِ الفجْرِ.)

فيا (قناة الشروق)، كيف يستضيف عالم عباس من لا يعرفُ هذه الدُرَر التى نظَمَها ؟
وفى راِئعةٍ أخرَى إسمها: "سُوْمِيت بنات دِرْجَيل" يقول عَالِم عبَّاس:
(من هواكِ جئت ُ سيداً عبقرِيَّا
ونبياً وخاتم العُشّاق
خُتِمَت كُلُّها الصبابات بإسمى
فأنا الومْضُ فى بريقِ المآقِى
كلّ دمع ٍ هُريق َ من بعضِ دمِى
كلّ كأس ٍ قد أدْهِقَت من كف َّ ساقٍ
هى خمرى.
***** *****
من كرم دمعى وجمرى
شعلة ُالشوق فى حريقِ التلاقِى
أمَّةٌ فى الهوى انا وَحْدِى
مبدِعُ الوَجْد والغرام الباقى
منذ ان ابدعت ُمن عشقى الزمانا
هكذا كنتُ وكانا.
منذ ان كان الهوى ليس سوى وَهْمٍ
فشئناه حقيقة
صِرتِ لونا للدمِ احمر فى عِرقِى
وصِرْتُ النبضَ فى عُمْقِى
ضبطْتِ)الرِزْمَ( فى قيثارِ عُمرِى
صرتُ قيثارة وَجْدِى
صرتُ طنبور أساى.
***** *****
أيها البرّقُ العذابْ
أيها الوَدْقُ الذى يخرجُ من صُلبِ السِحَاب
أيها النازِفُ مِنِّى
بك قد عُدتُ هُلامِياً وخلقاً من جديد
ثم أنى قد تحوَّلتُ
تشكَّلتُ
تكاثرتُ مدى مليون ميلاً..
صارت الغابات شَعْرِى
فاحِمَاً فى الليلِ محشُوَّاً بأسرارِ القبائل
كان ليلياّ وجونياً وقار
فإذا جاء النهار
ظل مُربداً كلون النيل
شيخاً كبريائى الوقار
سارَ خمْرِيَّاً كمنقُوعِ النبيذ
وإذا شعرى غابات من (التُنضُبِ) و (الكِتِر)
و)حِمّيض) الجبال
صرت ُ مُغبراً كما السهل الذى ما بين
سنار وكوستى..
فإذا امتد الاصيلُ
صِرّتُ مُحمَرّا كسيقان من(الطلح (اليبس
ضئت كالأبرِيز من (نال) نيالا
أو كقمح البيدر-المهجور- فى تلْ (بِليل).
عسجدِياً مثلما امتصَّ عصير الشمس قشِّ من (بياض)،
عوسجيا مثل وِديان الحَرَاز.
**** ****
فإذا جاءَ المغِيبُ
ذبْتُ كالشمس على صدرِ النُهودِ
وصَبغتُ الرَمْلَ وَرْسَاً كُرْدفانيا معصفر
وضممت ُ التلَّ أكثر
وتمطيت ُ- كتمساح- على رملِ الجزائر
وتغطيتُ بأدغالِ الجنوبِ
وتوَسَّدتُ ذُرَى نخل الشمال
ثمَّ أرخيتٌ على (دارفور) أهدابٍى ونِمْت
**** ****
كانت الصحراء ملقاة على كتفِى شَالَاً
مُحْكَمُ الوَشْىِ مُنَمْنم من نسيج (العُشَرْ) الغُبر وأشجار (الهشَاب)
ثم نهر النيل فى صدرى وُشَاح
وعلى الشرقِ،
كما فى الغربِ يمتد جنَاح
أيها الليلُ الصبَاح
أأنا أحْلَمُ ؟
أم انَّ الرِياحَ أسكنت من عصْفِها المجنُونِ
فأرتد السكونُ هاجعاً وَسْنَان؟..
أم انَّ الحَفِيفَ كجناحٍ رَفَّ مسحُوراً فأغفيْتُ
وأغفت (سندريلا) فى مهادٍ عاطر الضؤ شفيف
أم دُعاشاتِ الخريفِ أسْكَرَتْ رُوحِى فهِمْتُ
وتغشّت خَمْرَة التذكار اعصابى فنِمْتُ؟..
**** ****
ياعَذَارَى موطِنى النائِى تعالين إليّا
بالزغاريدِ وإيقاع الدلالِيك وبالرَقصِ المُغَامِر
بدُخَّانِ الصَنْدَلِ المَحْرُوقِ فى نارِ المجَامِر.)

ومن غير عالم عباس محمد نور يستطيعُ نظم هذا البديع؟
وفى قصيدةٍ أخرى، لم أرَ مثلها فى النهْجِ والنسَق، بعنوان ( أحدَ عشرَ كوكباً للعِشقِ والرَقْصِ) يقول عالم عباس "فى بعضِها":
(3) ) الرفض :
سيدى الرفضُ
هى ثورةٌ فرضُ
وتمردٌ مَحضُ
فبعضه كُلٌ
وكلهُ بعضُ
يضع السماء أرضاً
فسماؤه الأرضُ
بناؤه هدمٌ
نسيجه نقضُ
من شَكِّهِ لُغةٌ
تبْنِى وتفترِضُ.
**** ****
(9) البعث:
بين بعثى ومِيتتِى
فى الهوى قيد أنْمُلة
أيها القادمُ الذى فوقَ يُمْنَاكَ سُنْبُلَة
كيف غامَتْ بك الرُؤَى
فاستَحَالت قُنبُلة؟.
***** *****
(11) الحرية:
أيَّتُها الحُرِّية
لو كُنتِ الوَعْل الشارِد فى البَرَيِّة
ركضاً نحو الأفقِ اللا محدود
أو كنت الوَهْج الصاعِد نحو المُطلَق
يتسامى نحو الشُهب النَارِيَّة
أو كنتِ الشمعة خلف عُيون الليلِ السُوُد
تتلوى عبر ظلامِ البشرية
يا حُرِّيَة
ها نَحنُ جعلنَاكِ الجِسرَ القَادِم.)

وفى أخرى بعنوانِ (سلام لوجهكِ في الخالدين) يقول عالم عباس:
(سلام لوجهكِ في الخالدين
رأيــتُ وجـهـك فـي الـعُبابِ يـغيمُ
هــذا وَجْـهُك الـمنسِي يـشرَبهُ الـغَمَام
وجــهٌ يـشـكِّلُهُ الـدُخَّـان فـيـنثني
وجــهـاً مـــن الــبـدْرِ الـتـمامْ
حـتـى إذا نـشـرَ الـضـبابُ شِـبَاكه
وبـدت طـيورُ الـضوء تدخل في الظلام
ناديتُ بـاسـمك
كـانـت الـكلماتُ تـــأخــذ شــكــل وجــهــك عــــبــــر صــــوتـــى
ثــم تـعـبرنى لـتغرق فـي الـزحام.
**** ****
هـــواكِ لـــى وَسْــمُ الـجَـدَارة
والـصـمتُ أبـلـغ حـيـن لا نـقـْوَى عـــلــى نُــطــقِ الــعِـبَـارَة
وحـيـن يـشـيخُ فـي أعـراقِنِا لـَهب
خـَبَـتْ مــن نــارِه رُوحِ الـجَسَارَة.
**** ****
فـي الأمـس حـين صَمَتِّ كُنْتُ أنا أهواكِ
وكــنـت قـــد أكـبـرْتُ صـمـتُكْ
والــيـوم أنـــتِ هـمـستِ لــي
لـكنّ صـوتَكِ لـم يـكن أبـداً كـصوتكْ
يا طالما اختصر الحديث إليك تعبير استعاره
فـإذا بـهمسِكِ هـكذا
كـَهْفٌ، مَغَاره
وإذا بصمـتكِ وَحْـدَهُ لُـغـة، إشــاره.
**** ****
هـــــــــذا حــــــــرام
يــا أنــتِ يــا أرَقِــىِ الـمُـقَّدس
يــــا كـئـوسـاً مـــن مُـــدَام
مــن أَيِّـما صـوبِ يـجاذبني الـسِقام
زيــــــــدي هــــــــوى
كـــــيــــلا أنــــــــام
إنـــي لأبــحـث فــي الـزّحـام
عـن وجـهك الـمنسيّ
أكتب في الغمامِ اســمـاً يــكـون الـبـرق وَهْـَجـاً
سـاطـع الـجـبروت يـخترِقُ الـرُكَام
إنـــي لأنــحـتُ فــي الـرِخـامِ
رسـمـاً يـكون لـوجهك الـمنسي ظِـلاًّ
لا كــمــا بــعــض الأنـَـــام!.
هـــذا هـــو الــوجْـهُ الـصَّـنَمْ
كـــــم صــــوَّروه فــألـهـُوه
فــمـا جــنـوْا غــيـر الــنـدَمْ
لـكـنَّهم صـمـدُوا وكــان شِـعـارُهم
مــن دونِ وجـْهِـك هـذه الـدنيا عَـدمْ.)

وأعتقدُ أنَّ أروعَ ما كتب عالم عباس هى قصيدة بعنوان (يومَ أهلّت سيّدَة اللوْعَة)، ويقول فى بعض أجزاءِها:
(البارحة الأشواق تمطّت
حتى ضاقت عنها جُدرانِ القلب
رُوِّعتْ قليلاً
إذ كنت وَحِيداً أشْهَقُ فى فجواتِ الليلِ..
وخِفْتُ نَوَاكِ، سألتُ هَواكِ، دعوتُ الله سِراراً وجِهاراً
حتى أنَّ الصدرَ وضَاق..
**** ****
يا رَبّاه،
هذه حبٌ موتٌ، موتٌ حبٌ..
ونذرتُ أصلِّى حتى تبيَّن خيطُ الليلِ وخيطُ الفجرِ.
قدّمتُ النذرَ
فناءُ الذَاتِ
وذوبانُ الرُوح بذاتِ المحبوب
وكانَ اللهُ حفيَّاً بى
فدعائى كان من الأعماقِ.
وكان الصدق يرنّ على كلماتى مثل نواقيسِ القُدّاسِ على بِيِعِ الرُهبَانِ
ما بين مسامير السُهْدِ المفروشة فى جفنِى وبين الأرَقِ التامّ
كانَ كما لا يشبه كلَّ الأحلام.
***** *****
إنسَلّ شعاعٌ هبَّ رقيقاً مضطرباً وحيياً كان
وإنسابَ إلى منتصفِ الحُجرةِ
ثم توقّفَ هَوْنَاً ما..
كنت كما المحموم المتقلب هَوْنَاً ما
وكان الوَسَنُ رَقِيقاً يتكدَّسُ مثل كُراتِ الثلجِ الناعِمِ فى الأجفانِ..
لا أجزمُ بالإيقَاظِ ساعتها
أو إن شئتَ الدِقّة، كالوَسْنَان!
وإذا بالصوتِ الملكوتِى الرَقراق يرِنّ كموسيقى الجَنَّة..
نفس الصوت الهَزَّ الوَتَر العاشِرِ بعد الألفِ بأعْمَاقِى
نفس الصوت الرَيَّان..
صوتُ بلورىٌ يسرى فى الشريانِ ليرقرِقهُ
فتشِعُ الفرحة كالأنهار، على صدرِ الخلجان..
**** ****
وكانَ وكان وكان..
يا للهَوْلِ يا للرّوْعَة!
أفقتُ، صحوتُ، سموتُ..
أهذِى أنت؟ أهذِى أنت؟
أهذا طيفُكِ- يا للّوعة
وهذا صوتك، يا لله!
كان كما يشبَهُ وآدٍ من أحلَام!!.)

قناة الشروق لا تعلم ما أبْدَعَ الشاعر الأستاذ المُبْدِع "الصُوفِى" عالِم عباس من عُيونِ القريضِ الفصِيح، المُمعِن فى لُغةِ القرآنِ وآيِه. وإعتقدوا أنَّ عالم عباس لم ينظمْ شعراً سوى القصيدة "النبوءة" التى سوف تصدُق بإذنِ الله. صمتُ البرَاكِين، القصيدة التى زلزلت أركان "قاعة الصداقة" تصفيقاً وانبهاراً وإحتفاء يوم ألقاها هناك عالِم عباس، (صمْتُ البراكِين قبل انفجارِ الحِمَمْ)، ونصّها:
(هُدوءٌ،
ولكنَّه عاصفةْ.
هُدوءٌ،
وفي صمته الكاظِمِ من غيظِه قنبلةٌ ناسفةْ.
هُدوءٌ،
يُهندِس في السرِّ ذرّاتِ وثبته
ومجرّاتِ ثورته
واكتساحَ جحافِله الجارِفةْ.
هدوءٌ،
يدَمْدِمُ غَضْبتَهُ
ويُكوّرُ قَبْضَتَهُ ويدوْزِنُ أوتارَ حناجرِهِ الهاتِفةْ.
هدوءٌ،
يسطّر اشعار مسيرته العارفةْ
ويرتّبُ للنصر عبر صفوف كتائبه الزاحفة.
هدوءٌ،
يكدّس الرعدَ والبَرْقَ ضمّادةً،
فوق شرايينه الرَّاعِفَة.
هدوءٌ،
ليملأ عينيه من خناجِر جلَّادِه النازِفةْ.
هدوءٌ،
يُحَفّزُ خَيْلَ الوُثُوبِ،
مِهْمَازِ هَبّتِه الهادِفةْ.
هدوءٌ صَمُوتٌ ليكبُت ثرثرةَ المُرْجفينَ
ويَفْضَحُ عُرْيَ المُرائِين
علَى وَهْجِ نيرانِها الكاشِفةْ.
هدوءٌ،
يُخاتِلُ عُذْرَ التأنِّي
وغَدْرَ جَلاوِذَةِ الأمْنِ
إفْكَ الدجَاجِلة المُلتَحِين
ذوي السِحْنَةِ الزائِفةْ.
هدوءٌ،
وتحسبه هدْأة الموت
لكنّها الآزِفةْ
ستتْبعُها الرَّادِفة.
فلا هَجَعَتْ تلكمُ الأنفس الخائراتُ
ولا وَهَنَت جذوَةُ الرفض فينا
ولا نامت الأعينُ الخائفةْ.
**** ****
يا سُهادَ الدفاتِرِ في ليلةِ الصَّمْتِ
والشُعراءُ الخليّونَ نامُوا.
يا صراخَ القوافِي الحبيسةِ ما بين اقلامِهم
واصْطِخابِ محابِرِهِمْ، حيث قاموا.
يا ارْتِعاشَ التَّمَرُّدِ في الدمِّ يغلي
فلا يستقرُّ إلى أن يقرَّ السلامُ.
إلى أنْ يُقامَ القِصاص على ساحةِ العَدْلِ بالْقِسْطِ
لا يَتَفَلَّتُ جانٍ
ولا يعْتَرِي المُنْصِفين انْهِزامُ.
**** ****
هدوءٌ،
يُبَدّدُ وَحْشَتَهُ
ويُحَدّدُ وجْهتَهُ
ويُزَلْزِلُ عرْشَ البُغَاةِ
يَدُكُّ صَياصِيَهُمْ
حيثُ حَلّوا وحيثُ أقامُوا.
**** ****
هدوءٌ،
تبرْكَنَ يغلي
يُؤَكِّدُ أنَّ الطواغيتَ وَهْمٌ
وأنَّ دمَ الأبْرِياءِ حرامُ.)

وأمّا بعد: فلا يُستساغ أنْ نلومَ قناة الشروق وَحْدَها، فاللوم يمتد ليشمل كلّ من أهالَ التُراب على نَظْمِ عالِم عبَّاس رُغم أنَّ الذهَبَ لا يصْدَأ، ولكنَّ التُرابَ يطمُرَه وفيغيب عن أعينِ الناس. ثمَّ، اللوم على الأستاذ عالم نفسه الذى لم يسعَ لإعادة طبعِ ديوانه الكنز "مِنَّا المعانى ومِنْكَ النَشِيد". وأعلمُ أنّه لنْ يفعلَ من تلقاءِه !. وثمّ اللوم على اتحادِ الكُتَّابِ السودانيين الذى شَرُفَ برئاسته الأستاذ عالم عباس فى دورةٍ ماضية قريبة، فالإتحاد مسئول عن طباعةِ هذه الأعمال النافِعة وتوزيعها على أوسعِ نِطاق، حتى لا يطفحَ على السطحِ الغَثَّ من الشعرِ والنثر، ويغُور الثمين. إذا فعلنا ذلك ننقِذ ذوْقَنا العام من الصدأ الذى أصابه، ونحَصِّنَهُ ونحْمِيه.
وقصائد عالم عباس محمد نور التى ترقد بين دَفّتى ديوانه "مِنَّا المعَانِى ومِنْكَ النَشيِدْ" تصلُح للَّحنِ والغناء. وإذا حدث ذلك نكونُ قد أنقذنا ذائِقتنا الفنِّية السَمعِيَّة من سُخامِ الغناء وقَاعِه، ونرتفعُ بها إلى حيث كانَ، وأعلى منه.
وأخيراً، نرى إنَّ فى إعادةِ نشرِ شِعر عالم عباس وأندادِه المُبدِعِين تحفيزٌ للشعراءِ الشباب للمشِى على آثارِهم، والسَعِى- المُبَاح- للتفوّقِ عليهم. وبذلك نكون قد رآكمْنَا تجارُبنا المُبدِعة، وصعدَنا بها إلى قِممٍ عالية.







أحدث المقالات

  • قصتي مع الوزيرة (مشاعر الدولب) بقلم جمال السراج
  • قبلة طويلة !! بقلم صلاح الدين عووضة
  • نعجز.. لأننا... بقلم أسحاق احمد فضل الله
  • أمريكا وقلة الأدب! بقلم الطيب مصطفى
  • التأميم والمصادرة: قرارات زلزلت الاقتصاد السوداني بقلم د. عبدالله محمد سليمان-المقالة الثالثة
  • الإنقاذ والجامعات .. مالكم كيف تحكمون ؟ بقلم نورالدين مدني
  • عرض لكتاب د. عمر مصطفى شركيان: في النزاع السُّوداني: عثرات ومآلات بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأز
  • هيمنة الدول الصناعية وشركاتها عابرة الحدود علي منظمة الثجارة العالمية ( TWO ) التحديات التي تواجه
  • دعوة إلى صينية بطاطس وطماطم: دعوة إلى تجاوز الأَرْجِمة بقلم الريح عبد القادر محمد عثمان
  • المقاومة بالعصيان المدني.. خطوة تؤجج الانتفاضة! بقلم عثمان محمد حسن
  • حرب التأشيرات ... لا لأميركا . بقلم ياسر قطيه
  • عن الميناء!!! بقلم الدكتور/ أيوب عثمان كاتب وأكاديمي فلسطيني جامعة الأزهر بغزة
  • إلي روح الشهيد محمد الصادق وإلي قلب المكافحة عوضية محمود بقلم الحاج خليفة جودة - امدرمان - ابو سعد