في الدبلوماسية كما في الحرب: أوباما في هافانا/د. مراد شاهين

في الدبلوماسية كما في الحرب: أوباما في هافانا/د. مراد شاهين


03-28-2016, 00:15 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1459120542&rn=0


Post: #1
Title: في الدبلوماسية كما في الحرب: أوباما في هافانا/د. مراد شاهين
Author: ahmed hmed
Date: 03-28-2016, 00:15 AM

11:15 PM March, 28 2016

سودانيز اون لاين
ahmed hmed-Sudan
مكتبتى
رابط مختصر

جريدة الحرية


لعبة العلاقات الدولية دائما تقوم على المصالح. فبينما المصالح هي المحور الثابت للجذب والطرد في العلاقات بين الدول، تتغير الاساليب في التعبير عنها وأدوات تحقيقها وفقا لعدد من المعايير، ومن أهمها: المكان والهدف والزمان والقوة والضعف، والبنية الفكرية والايديولوجية للاطراف المعنية. وهذه المعايير غاية في الاهمية لأنها قد تكون العنصر الحاسم في تحريك صناع القرار لتحديد اداة تنفيذ أو ادارة العلاقات بين الفرقاء الدوليين. وعليه فإن الطريقة لتحقيق المصالح اما ان تكون بتوظيف العنف او التهديد به او باالطرق الدبلوماسية السلمية. ومعروف لدى الدول ان الحرب والسلام وجهان لعملة المصالح الواحدة.
لقد ارتأت ادارة باراك اوباما خلال السنتين الماضيتين ان المكان والزمان ملائمان لاعادة النظر في مستقبل العلاقات الأميركية– الكوبية؛ ففتحت باب الحوار لذلك داخل دوائر صنع القرار في واشنطن كما فتحت قنوات سرية للحوار مع هافانا. ولم تكن فقط رغبة لدى الرئيس اوباما في انهاء ولايته الرئاسية بانجاز مهم وانما استجابة لظروف دولية مترامية الابعاد.
دوائر متعددة حول العالم راقبت وترقبت زيارة الرئيس اوباما الى هافانا في الحادي والعشرين من اذار الجاري، كل لغايته. ولكن ما لم يرقبه احد هو سلسلة من لغة الاشارة ولغة الجسد التي ربما تحتسب اخفاقات دبلوماسية بعضها بروتوكلي وبعضها الآخر اساءة تقدير للموقف.


في اطار لغة الاشارة اختار الرئيس اوباما ان يعارك مظلة تقيه وزوجه من المطر بنفسه ثم يحملها بيده طوال المسافة من الطائرة الى العربة التي كانت بانتظاره ليستقلها الى قصر مضيفه الزعيم راؤول كاسترو. هل كان القصد في ذلك الاشارة لاوباما بانه الرئيس المتواضع الذي يخدم نفسه بنفسه وبالتالي الظهور بمظهر يقربه من قلوب المواطنين في كوبا؟ والاهم هل كان بحاجة الى اظهار كل هذا التواضع؟ وماذا عن اهمية وقيمة رأي الشعب الأميركي الذي قد لا يستسيغ تواضع رئيسه امام الزعماء في الخارج؟ نحن نعرف ان رئيس اقوى دولة في العالم ذهب الى كوبا سعيا لتحقيق مصالح حيوية لبلاده- عدم خسارة كوبا في وقت يبدو فيه المشهد السياسي العالمي مفتوح على احتمالات كثيرة، خصوصا في ظل الصعود الروسي مجددا على الساحة الدولية. ولكن في خضم تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي ما الثمن الذي يستطيع الرئيس الأميركي ان يدفعه دونما المساس بهيبته؟



وفي السياق نفسه لم نر البساط الاحمر يفترش ارض المطار في هافانا احتفاء بالرئيس اوباما– اول رئيس أميركي يزور الجزيرة الكوبية منذ ما يزيد عن ثمانين عاما- ولا وفاء للبروتوكول المعمول به عندما يزور رئيس دولة نظيره في دولة اخرى، ولم يكن الزعيم الكوبي في انتظار الرئيس الأميركي في المطار. ربما لم يتم الاحتفاء باوباما ولم تراعِ السلطات الكوبية البروتوكول الدبلوماسي في تعبير عن ان الحرب الباردة بين أميركا وكوبا لا تزال مستترة خلف الدبلوماسية العامة والناعمة الأميركية تجاه كوبا. وادرك الزعيم الكوبي ان أميركا واوباما تحديدا بحاجة الى تطبيع العلاقات مع كوبا وفي لحظة الادراك هذه التقط الكوبيون ليبينوا للرئيس الأميركي ولشعبه ان كوبا لم تتغير وهي لا تطبع مع خصمها الايديولوجي العتيق بسهولة؟

بالاضافة الى ما سبق ذكره من خروج عن المألوف الدبلوماسي هو لغة الجسد التي تسببت باحراج الرئيس الأميركي عندما امسك الزعيم كاسترو يد نظيره الأميركي مانعا اياه من وضعها على كتفه وهي حركة يقصد بها عادة التقرب من الآخرين او التودد اليهم. لماذا فعلها كاسترو في حين ان مثل هذه الايحاءات متبادلة بين الاصدقاء وكم هنالك من زعيم دولة حول العالم يتمنى لو ان الرئيس الأميركي يزوره في بلده ويبادر في التودد اليه بوضع يده على كتفه؟ قد تتعدد التفسيرات في الجواب على لماذا، ولكن اغلب الظن ان للزعيم الكوبي اكثر من رسالة في هذا الشأن: الاولى، يطلب فيها كاسترو، رمز السيادة الوطنية الكوبية، من اوباما الذي يمثل السيادة الأميركية ان يرفع يده عن كوبا. والثانية، ان العلاقة بين البلدين لم تطيب بالقدر الكافي ولا تحتمل في هذه المرحلة كل هذا التودد. اما الرسالة الاهم وهي موجهة الى المتشددين من حول كاسترو والى زعماء التحدي للهيمنة الأميركية في أميركا اللاتينية بان كوبا مستعدة للنظر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولكنها لا تزال صامدة على مبدئها وان علاقاتها مع أميركا هي علاقة شراكة مصلحية وليست خضوعا.
ففي الدبلوماسية كما في الحرب، العلاقات بين الدول صولات وجولات فان بدت الجولة الدبلوماسية الاولى وكأنها لطمة دبلوماسية محرجة لاوباما في موقعة المطار وفي موقعة المؤتمر الصحفي الا ان أميركا ستظل المنتصر في الحرب الاكبر في ظل اختلال واضح وواهِ في ميزان القوة الحقيقية بين أميركا وكوبا. ورغم ذلك فلا شك انه من دواعي سرور كلا الطرفين انه في معترك اعادة تنقية العلاقات الأميركية- الكوبية تقدم الخيار الدبلوماسي على الخيارات العسكرية.