السودان… ربع قرن في مسرح العبث بقلم خالد الاعيسر*

السودان… ربع قرن في مسرح العبث بقلم خالد الاعيسر*


12-18-2015, 02:15 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1450401351&rn=0


Post: #1
Title: السودان… ربع قرن في مسرح العبث بقلم خالد الاعيسر*
Author: خالد الأعيسر
Date: 12-18-2015, 02:15 AM

01:15 AM Dec, 18 2015

سودانيز اون لاين
خالد الأعيسر-
مكتبتى
رابط مختصر


السلوك الإنقاذي كان أكبر أسباب المفارقة الأبدية التي ميّزت علاقة الشعب السوداني بالحكومة لأكثر من ربع قرن من الزمان.
حكومة الإنقاذ لا تشبه الشعب السوداني في أي شيء، وهذا أمر لا جدال عليه، وهنا تكمن أسباب استمرارها في الحكم وتمسك منتسبيها، الذين جاء بعض منهم من مساحات العدم والحرمان الى رحابة السلطة وامتيازاتها، في تسلسل غير طبيعي للاستئثار بالمغانم، في بلد جل سكانه من المعدمين والفقراء، ولكنهم متسامحون ومتصالحون مع أنفسهم وما كتبه الله عليهم من أقدار، وكأنهم مديونون للعذاب.. المفارقة ان الرئيس السوداني عمر البشير عادة ما يقول في حالات هيجانه (أنا ما عايز لما أقيف أمام الله يجي واحد يقول إننا ظلمناه في الدنيا)، وكأنما الرئيس لا يعلم بما يحدث في السودان من ظلم هذه الأيام لغالب مواطنيه.
كلام الله ليس خطبا جوفاء وشعارات زائفة تخادع بها المؤسسات الدولية، والأمر لله من قبل ومن بعد؛ وتلك قصة أخرى.. لكن بالعودة إلى العلاقة بين الشعب والحكومة السودانية تستجلب الذاكرة، مع حالة الغضب السائدة في الشارع السوداني هذه الأيام، المقولة الشهيرة «من أين جاء هؤلاء؟» هي مقولة تختزنها الذاكرة السودانية، وكانت عنوانا لمقالة رصينة كتبت في انتقاد سياسات حكومة الإنقاذ قبل ستة وعشرين عاماً، يوم كان النظام في بداياته..
لا غرو، فالكاتب هو الأديب الروائي السوداني العالمي الراحل الطيب صالح (طيب الله ثراه)؛ سطرها يوم كانت الحركة الإسلامية السودانية على قلب رجل واحد قبيل المفاصلة الشهيرة بين الرئيس السوداني عمر البشير والدكتور حسن عبد الله الترابي العقل المدبر للانقلاب في 30 يونيو 1989.
ساقني عنفوان المهنة في محاولة لتقديم عمل ناجح «أظنه أحد أهم الأعمال التلفزيونية التي أجريتها خلال مسيرتي المهنية».. فجلست يومها الى الراحل أتقفى أثر مقالته الشهيرة، كان حواراً نادراً اتخذت له عنواناً «الطيب صالح.. ســــاعة سياسة» ليقيـــني بأنه أول وآخر عمل «متلـــفز» تحدث فيه حصريا عن الشأن الســـياسي المحلي والأقليمي والدولي، من المهم القول إنني كنت أحاول عبره قراءة أفكاره بعيدا عن التسييس وبدواع مهنية بحتة بعد مضي أكثر من عقدين على تاريخ مقالته تلك. فاض الطيب صالح، وقال كلاما مهما في سياق آرائه السابقة ونقده لحكومة الإنقاذ، لم يتبدل عنده المشهد كثيرا إلا من بعض الملاحظات الصغيرة التي طرأت على سلوك النظام.
نالتني بعدها سهام النقد، تحديداً من بعض المعارضين الذين لم يستوعبوا الإفادات في سياقها المنطقي، حسب تسلسل الأحداث، وتفاعل المنتقدون مدفوعين بشحنة عواطف الكراهية للنظام؛ وهؤلاء يجدر القول إنهم لم يفهموا الإفادات كما ينبغي وافرغوها من مضامينها.
الحقيقة ليس الطيب صالح وحده من كتب عن الانقاذ بواقعية، لكنه الأفضل؛ والشاهد أنه لم يعد من العسير اليوم على كل ذي عقل ان يتبين تلك الاشارات التي وردت في مقالته، مقرونة بما نشهده اليوم وتنضح به معطيات المسرح السوداني الذي لم يعد يختلف في وصفه بالسوء حتى منتسبي النظام أنفسهم.
وبين ايدينا الكثير من الشواهد التي تؤكد حقيقة ما ذهب إليه الطيب صالح القاضي بان حكم الانقاذ مثل أسوأ حقبة عاشها السودان منذ استقلاله قبل ستين عاما، الى أن شقت طلائع الثورة مسالك القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، وجثمت على صدور أهل السودان. الانقاذ في عهدها فقد السودان ماضيه التليد وحاضره ولا يزال المستقبل متوشحا بالمخاوف والمحاذير.. حكومة الإنقاذ يكفيها سوءا أنها ورثت بلدا واحدا فمزقته الى دولتين، ورسخت لأساسيات التقسيم لما تبقى من ولايات، تحديدا في كل من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.. أخطر تجليات الحقبة الإنقاذية تجسدها اليوم شواهد انهيار الاقتصاد السوداني، التي دفعت مؤخرا وزير المالية والتخطيط الاقتصادي بدر الدين محمود لحث نواب البرلمان على تمرير رفع الدعم الحكومي عن الدقيق والقمح والمحروقات والكهرباء في موازنة عام 2016.
هو النظام ذاته الذي أهمل ودمر المشروعات الاقتصادية الاستراتيجية وعلى رأسها مشروع الجزيرة الزراعي الذي أنشئ عام 1925، وشركة الخطوط الجوية السودانية إحدى أهم شركات الطيران في العالم العربي وأفريقيا، التي انشئت عام 1947، وشركة الخطوط البحرية السودانية، والسكك الحديدية، ومصانع النسيج والآلبان والزيوت، عوضا عن انحيازه السياسي ومنذ يومه الأول للموالين من الأتباع في القطاع الخاص، ما أدى الى انهيار معظم الشركات الوطنية ولم يقف عند هذا الحد، بل دعم مكانهم الطفيليين الذين بلغوا حد التخمة في الثراء، بالتحايل على النظم والقوانين لنهب المال العام؛ وبدلا من حشد الارادة الوطنية، عمل النظام على ترسيخ قيم التجزئة بالمحاصصة في توزيع الحقائب الوزارية، الأمر الذي تسبب في هجرة ملايين السودانيين الأوفياء لوطنهم.
الإنقاذ قضت على الماضي الموروث، وفعلت في الحاضر المعيش الافاعيل ووضعت كل المقومات لمستقبل مخيف. ومن عمق هذه المهزلة التاريخية تتبين حقيقة مهمة وهي، أن الحكومة الحالية لم تعد تأبه لحالة الوطن «التعبان» وإنسانه «الغلبان»، ولا تلقي بالا حتى لما يمكن أن يبلغه الحال مستقبلا؛ الثابت الذي يهمها دائما هو البقاء في السلطة، وبأي ثمن لزيادة نهجها «التمكيني» عبر الثراء الحرام والمشبوه والاعتداء على المال العام وإيجاد المبررات القانونية لأتباعها الذين ثبتت في حقهم تهم فساد واضحة عبر ما يسمى بفقه التحلل الذي جوزه قانون الثراء الحرام والمشبوه الذي شرعته عند مجيئها سنة 1989.. والمفارقة أن الحكومة ظلت تنادي بالحوار الوطني كشعار براق منذ قيامها، عندما أقامت مؤتمر الحوار الوطني لقضايا السلام عام 1989 والى يومنا هذا، ولكنها عمليا لم تقدم أي تنازلات ملموسة على الأرض مما يفقد المصداقية للعملية التي تجري حاليا في الخرطوم مع أجسام مصنوعة لا تقدم ولا تؤخر.
لعل أكثر اللحظات صعوبة عند كل صاحب رأي تكمن في تلك الأسئلة الموضوعية عن جدوى الكتابة في ظل هذه الأوضاع والدولة «تائهة ومكابرة» لا تسمع إلا ما تريد سماعه ولمن يزمرون للارتماء في أحضانها من أجل الحاجة لنيل المكاسب، والشعب تجسد مواقفه مقولة توماس كارليل «ليس للاقتناع قيمة إذا لم يتحول إلى سلوك».
مع كل هذا يبدو الصمت ثقيلا على النفس، لذا أسعى لاقناع الذات لتبرئة الذمة امام الله بعد كل فترة وأخرى، بأن الكتابة في الشأن السوداني رسالة تنوير أكثر من كونها نصائح لنظام أصم، من باب تنبيه السودانيين لتبني فكرة حوار وطني وفاقي بديل لتدارك ما تبقى من فرص لاحياء مشروع الدولة الوطنية قبل فوات الأوان واستنادا إلى تجارب الأمم الأخرى.
لست بصدد تناول أمر الفساد في هذه السانحة من زوايا شرعية، ولكن استدلالا لما يعانيه السودان تكفي الاشارة السريعة لما قاله نائب رئيس هيئة علماء السودان الشيخ عبد الحي يوسف في الأسابيع الماضية: «إنسان سرق وأكل المال العام وثبتت عليه البينة وأخذ بجرمه كيف نقول له تحلل من هذا المال لا لك وﻻ عليك.. كأننا نقول للناس اسرقوا واختلسوا، فإن لم يعلم بكم أحد فهو حلال لكم، وإن علم بكم وانكشفتم ردوا ما أخذتم وأنتم أحرار في أمن وأمان حتى تتحينوا فرصة أخرى للسرقة».
هذا الواقع هو بكل تأكيد نتاج للطريقة التي تدار بها مؤسسات الدولة التي أدمنت التبرير لكل إخفاق صادر عن سلطة القرار وادارة الدولة، لأن العقلية التي تدار بها العملية المنوط بها حماية الأمن القومي السوداني ومصالح الشعب خرجت عن النهج الاستراتيجي المتعارف عليه في حماية الأمن والمصالح العليا، إلى التسليم بكل ما هو صادر عن الرئيس ومن هم في دائرته، باعتبارهما خطا أحمر، ولذا حدث الخلط الذي نشهده اليوم في المجالات كافة، «السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية».. وهذا الأمر يصعب حتى على من يريد الإصلاح أن يقول كلمة حق في وجه السلطان «علماً بأن النظام الحاكم يتخذ من الاسلام شعاراً فضفاضاً».
يقولون إن السياسة كلعبة التنس يربح فيها الطرف الواحد لا بسبب قوة ضرباته وانما بسبب الضربات الفاشلة التي يصوّبها له خصمه في ساحة اللعب، وهذا هو واقع العلاقة بين الانقاذ وخصومها، بل هو سر بقاء هذه الحكومة العاجزة عن تلبية متطلبات مواطنيها.. الآن وقد ضاعت الكثير من الأحلام والآمال ووصل الأمر الى هذا الحد من الإنهيار، نحن مطالبون لأن نطرح تساؤلات مشروعة للاستفادة من عثرات ماضي الفشل الذي صاحب تجارب الحكم في السودان، ترى هل كان سوء الانقاذ من صنعها وعدم استماعها الى نداءات المثقفين والوطنيين المخلصين من الكتاب وصناع الرأي، كما الحال مع الأديب الراحل الطيب صالح ومن تداعوا قبله وبعده لسنوات طويلة، بسبب أنانية قادة الحكم وغشهم وفسادهم المفضوح؟ أم ان الذي يحدث الآن في السودان هو من صنع خصوم الحكومة من المعارضين الذين استكانوا بسلبية لهذه الاخفاقات.. والناتج في تقديري لا يعفي الجميع وبلا استثناء.
ما بين فساد حكومة الإنقاذ واستسلام وفشل المعارضة في اقتلاعها من جهة أخرى تأتي استفهامات أخرى عن دور الأمة السودانية «إذا اعتاد الفتى خوض المنايا.. فأهون ما يمر به الوحول»، ترى هل حقا لم يعد يؤلم هذه الأمة الموت، وتآخــــت احزانها وافراحها وسكتت في قلبها نبضات الآلم وماتـــت فيه أسباب الحياة؛ هي أسئلة قديمة طرحت قبل أكثر من ربع قرن، وبعضها متجدد نطرحه اليوم وثمة الكثير من الأسئلة العالقة التي لم تطرح الى الآن تلونها النوازع والانحرافات نتركها للأجيال القادمة، إذا قدر لنظام حكم الفرد هذا أن يستمر في مسرح العبث الذي رهنت مخاوفه مصالح أمة كاملة في حظيرة هدم الآمال ولا يزال الانتهازيون يصورون أن الدنيا بعده فناء؟

٭ كاتب سوداني
صحيفة القدس العربي


أحدث المقالات


  • المملكة العربية السعودية ومحاربة الإرهاب بقلم سري القدوة
  • تايه بين القوم/. الشيخ الحسين/ مولد اليقين للدنيا والدين
  • اللهم أرحم العمرين بقلم عمر الشريف
  • بدرية الداعشية نصيرة الاستبداد بقلم عصام جزولي
  • لغة السنون بقلم لؤي شرفي
  • حصلت.. عمال النظافة..!! بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين
  • الحركة في"الحُرُكْرُكْ"..! بقلم عبد الله الشيخ
  • وهل كان شهداء سبتمبر مقطوعين شجر؟! بقلم كمال الهِدي
  • تحول خطير في قضية طلاب السودان بدافور ! بقلم عبد العزيز التوم ابراهيم
  • خلافات الجبهة الثورية فى واقع مستعر!! بقلم حيدر احمد خيرالله
  • فلسفة الصيام و التبتل لدى الكنيسة القبطية المصرية بقلم جاك عطالله
  • الأحياء و التجديد الثقافي مشروع تحت البناء بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن
  • يوم مشهود في تاريخ السودان الحديث بقلم خضر عطا المنان
  • المواطن سوداني !! بقلم صلاح الدين عووضة
  • انس الخلايا بقلم أسحاق احمد فضل الله
  • ونفتأ نناصح ونحذّر ! بقلم الطيب مصطفى
  • علم حلفا ..اهم معارك العالم بقلم شوقي بدرى
  • الشرق الأوسط فى إنتظار سيدنا عيسى ( 3 ) المسيح الدجال لا يظهر مرتين بقلم ياسر قطيه
  • أبيى فى الخط ...مرّة أُخرى، وقبل فوات الأوان ! بقلم فيصل الباقر
  • الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (65) مشاهدٌ أخرى من الشارع الإسرائيلي بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
  • منصور خالد والمحجوب: عرب نحن إلا قليلا (3-4) بقلم عبد الله علي إبراهيم
  • القضاء والعدل بقلم عميد معاش طبيب . سيد عبد القادر قنات

  • تصريح صحفي من الأستاذة سارة نقدالله الأمينة العامة لحزب الأمة القومي والناطقة الرسمية بإسم الحزب
  • الإفراج عن رئيسي تحرير صحيفتي (التيار) و(الصيحة) بعد اتهامهما بتقويض النظام الدستوري
  • منبر الهامش السوداني الولايات المتحدة الامريكية يستنكر ترحيل اللاجئين من الاْردن
  • رئيس البرلمان يشيد بدور جامعة افريقيا العالمية في تنمية المجتمعات الافريقية
  • الإستهداف الأمني لطلاب دارفور بجامعة القرآن الكريم
  • تجدد الخلافات في الجبهة الثورية و مالك عقار يرفض إصدار بيانات ممهورة بتوقيع جبريل إبراهيم
  • حركة جيش تحرير السودان للعدالة: سنوقع على السلام إذا نفذت توصيات الحوار الوطني
  • وزيرة الدولة بالعدل تهاني تور الدبة تدفع باستقالتها ورئيس الجمهورية يرفضها
  • بروفيسور إبراهيم أحمد عمر يمنع النواب من «التصفيق» نهائياً
  • كاركاتير اليوم الموافق 17 ديسمبر 2015 للفنان عمر دفع الله عن مدير الحج الذى ضبط فى وضع فاضح
  • صدور العدد السابع من مجلة اللافتة:كِرنق للأرنب مع حسناوات السماء
  • ود البابو:جاهزون للمهرجان الثقافي الرابع ولدينا 118 فرقة غنائية شعبية


  • SUNA Forum to host Sudan Liberation Movement for Justice Thursday
  • Sudan’s 2nd VP offers Darfur development in return for security
  • Eighteen members of the Sudanese Liberation Army – Mini Minawi sentenced to death by the Special Cr
  • Sudan closes all Tearfund offices in the country
  • Dialogue's General Secretariat, Mechanism 7+7 to hold press conference Friday
  • Informal talks between Sudanese govt., SPLM-N start in Addis Ababa
  • Sudan's FM says agreement on Ethiopian dam could be reached by end of December
  • Mutiny among Sudan Armed Forces in Blue Nile
  • Headlines of Khartoum Newspapers on Dec 17
  • Editors of El Tayar, El Sayha held by Sudan security
  • Appeal from Emad El-Sadig Ismail Humdoun's family
  • The Sudanese regime is the largest destructive and most dangerous-threatening actor to the environm