* كوستي هي أحد ثلاث مدن ما زلت أتوق لزيارتها دون أن تتحقق أمنيتي.. * أما المدينتان الأخريان فهما عروس الرمال غرباً، وثغر السودان شرقاً.. * ورحلتي للأخيرة هذه- خطفاً- لا تُحتسب بما أنني لم أجس خلال ديارها.. * فمن عبق الأمكنة والأزمنة والمعالم والحارات أستمد عشقي للمدن.. * ومن كوستي هذه بعث إلى د. محمد نور بما ألهمني فكرة كلمتنا اليوم.. * ومن قبل أرسل تعقيباً علمياً على كلمةٍ لي تحت عنوان (بوح طالبة).. * وهي كلمة تضمنت تحذيراً من تنامي ظاهرة (الشذوذ) بين الفتيات.. * ولكني لم أطلع على (مرفقات) الرسالة لأسباب فنية حالت دون فتحها.. * والبارحة أرسل إلى يُذكرني بحادثتين تاريخيتين بمناسبة حديثي عن الفساد.. * قال إن الاختلاس الذي صار أمراً (عادياً) الآن لم يكن كذلك في الماضي.. * وضرب مثلاً بسرقتين شهيرتين إحداهما مسرحها مروي والثانية مدني.. * وحادثة بريد مروي هذه لم أسمع بها ولكني قرأت قصة الأخرى المثيرة.. * وهي القصة التي اشتهرت باسم بطلها ذي الذكاء الخارق عباس (باركليز).. * أما قمندنان شرطة (المديرية) فلم يكن يقل عنه ذكاءً وهو موريس سدرة.. * كان ذلك في منتصف خمسينيات القرن الماضي عقب رجوع عباس من أمريكا.. * وقد كان حاول سرقة أحد مصارف القاهرة ولكنه أحجم جراء التأمين المحكم.. * وأحجم للسبب ذاته عن سرقة مصارف بكل من الخرطوم وعطبرة والأبيض.. * ثم وجد ضالته في مدني وبمعيته صاحباه أحمد خليل والطاهر الفلاتي.. * واتخذ من مقهى الصاروخ (منصة) لإطلاق صواريخ نظراته صوب البنك.. * وتحاشى قدر الإمكان الفتوة الأشهر- آنذاك- بمدني عوض حلاوة.. * فهو ما كان يريد أن يشغله عن خطته شاغل قد يدفع به إلى الحراسة.. * وضرب ضربته في ساعة الصفر بنسبة نجاح قيل إنها بلغت (100%).. * ولولا ذكاء سدرة لما تم استدراج أحد أطراف الجريمة واسمه توفيق.. * ومن طرائف القصة أن عوض حلاوة كان يشك في عباس منذ أول وهلة.. * كان يقول لرواد المقهى (عندي إحساس الزول ده ما جاي هنا لخير).. * وبعد أن قُبض على عباس زاره في القسم يستفزه فلكمه لكمة أوقعته.. * فافتعل حلاوة مشكلة ليدخل السجن وينتقم من الذي تطاول عليه هذا.. * وما كان يعلم أنه تلقى تدريبات في (الكاراتيه) إبان إقامته بأمريكا.. * وتنتهي القصة بشائعة هروب عباس عبر حيلة هداه إليها ذكاؤه المذهل.. * ولكن الذين يسرقون اليوم لا يحتاجون لذكاء بقدر حاجتهم إلى (قوة عين).. * ثم تكون سرقاتهم ظاهرةً جداً وليست (فنانة!!).