*أستحضر بشدة - هذه الأيام - مصطلح (الحوش الكبير).. *المصطلح الذي كان يكثر من ترديده شهيد الصحافة محمد طه.. *كان ذلك أيام تشجيعه لانفصال الجنوب ومعارضتنا نحن بكل ما أُوتينا من قوة .. *ولكن وضح الآن أننا كنا عاطفيين أكثر مما يجب في مسألة لا تحتمل العواطف.. *فلا الحوش الكبير - العائلي- صار له وجود في زمان (الاستقلال الأسري) هذا.. *ولا الحوش الكبير- السياسي- أضحى له وجود كذلك في زمان (الاستقلال الدويلاتي).. *فما كان يسمى الاتحاد السوفييتي- مثلاً- ما عاد (حتة واحدة) وإنما (ستين حتة) اقتباساً من طرفة المصريين.. *وكل (حتة من دول) هي دولة مستقلة الآن تنعم بالوحدة والأمان والاستقرار والتناغم الاجتماعي.. *تنعم بما تفتقر إليه بلادنا التي ما زالت (حوشاً كبيراً) حتى بعد أن انفصل الجنوب.. *ويبدو أن الجنوب المنفصل نفسه بحاجة إلى انفصالات أخرى جراء التنافر (الدموي) بين مكوناته السكانية.. *فما المانع أن يخضع السودان لمزيد من (الانكماشات) إلى أن يغدو في مساحة مصر أو فرنسا أو حتى إسرائيل؟.. *ما المانع إن كان ذلك سيجلب له ميزة الانسجام السكاني ويحقق - في الوقت ذاته - لـ(الآخرين) أحلامهم؟.. *ثم لا يهمه - من بعد ذلك- إن كان الآخرون هؤلاء (انسجموا) فيما بينهم أم صاروا مثل أهل الجنوب الآن.. *فلا يمكن لدولة - مهما عظمت مواردها- أن تتقدم وأصوات المدافع تدوي بين جنباتها.. *ونظرية الحوش الصغير قد تكون أجدى لبلادنا من مثل (حوش حاج بكري) بأطراف منطقتنا.. *فهو حوش (كبير) كان يتمسك به شيخ بكري - بشدة - رغم خلوه من مظاهر الحياة كافة.. *فلا بشر فيه ولا زرع ولا ضرع ولا ماء ولا جيران ولا أي شيء يدل على (الحركة).. *الشيء الوحيد الذي كان (يتحرك) بداخله المتقاتلون من شباب البلدة من حين لآخر.. *كانوا يُهرعون إليه حين تصل المشاكل بين بعضهم حد البحث عن (ساحة معركة).. *مثل ساحات المعارك - على أطراف الحوش الكبير- التي تشهد قتالاً بين (الحركات) والمركز.. *أو حتى بين قادة (الحركات) أنفسها كما يحدث الآن تكالباً على رئاسة وهمية.. *فكيف إن قُدر لهم التكالب على رئاسة (حقيقية) في مركز الحوش الكبير؟.. *فلنمنحهم - إذاً- حيشاناً يتصارعون على زعامتها كما يفعل أصحاب (الحوش الجنوبي).. *ويكفينا نحن حوش صغير نعمل على إعماره في أجواء مفعمة بـ(السلام).. *شريطة ألا (يهيمن عليه المؤتمر الوطني وحده!!).