اللاجئون فى أوروبا : نقمة أم نعمة؟ بقلم د. طارق مصباح يوسف

اللاجئون فى أوروبا : نقمة أم نعمة؟ بقلم د. طارق مصباح يوسف


09-05-2015, 09:06 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1441483619&rn=1


Post: #1
Title: اللاجئون فى أوروبا : نقمة أم نعمة؟ بقلم د. طارق مصباح يوسف
Author: طارق مصباح يوسف
Date: 09-05-2015, 09:06 PM
Parent: #0

09:06 PM Sep, 05 2015
سودانيز اون لاين
طارق مصباح يوسف-ايرلندا
مكتبتى فى سودانيزاونلاين



ناقشنا فى مقال سابق*1 أزمة اللاجئين فى أوروبا من منظور اتفاقيات اللاجئين الدولية, و خلصنا الى أنّ نظام اللجوء فى أوروبا قد أصيب بخلل وظيفى و أصبح غير فاعل. فعلى سبيل المثال هناك غياب رؤيا وعدم انسجام حتى فى الالتزام باتفاقية دبلن (1990) الخاصة بتنظيم اللجوء داخل الاتحاد الأوروبى (على الرغم من عدم وجود ضمانات حماية كافية لطالبى اللجوء بهذه الاتفاقية). حسب ماجاء فى المواد 7, 8 و11من اتفاقية دبلن الخاصة بموائمة سياسات اللجوء فى دول الاتحاد الأوروبى, فالدولة المسؤولة عن النظر فى طلب اللجوء هى أول دولة فى الاتحاد الأروبى وصل اليها أو مرّ بها طالب اللجوء. نسبة لتفاقم أزمة اللاجئين (خاصة السالكين لخط اليونان- ماقدونيا- صربيا- المجر), يبدو أنّه قد تم تعطيل هذه الاتفاقية, بالتحديد من دول مثل ألمانيا التى أبدت استعدادها لاستثناء السوريين المارين عبر دول أخرى أعضاء فى الاتحاد الأوروبى. ربما فرض ذلك واقع الحال فى بعض دول الاتحاد الأوروبى مثل اليونان التى ليس بمقدورها استضافة لاجئين فى ظل ما تمر به من اعسار ناجم عن الضائقة الاقتصادية. هناك أتفاقية أخرى توقف العمل بها (فى المجر بالتحديد) و هى اتفاقية*2 الشنقين The Schengen Agreement, التى تم التوقيع عليها فى عام 1985و بدأ العمل بها فى عام 1995. فَحْوَى اتفاقية الشنقين هو حرية الحركة و الغاء الحدود بغرض تسهيل حرية التنقل و السفر passport-free movement بين الدول الموقعّة على الاتفاقية, حيث لا تخضع جوازات سفر المتنقلين بين هذه الدول للفحص.
هذه ليست المرة الأولى التى يصف فيها الاتحاد الأوروبى تدفقات لاجئين كبيرة على بلدانهم "بأنها الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية". فقد سمعنا هذا التوصيف ابّان حرب البوسنة (1992- 1995) التى ارتكب فيها الصرب مذبحة سربرنيتشا المروّعة فى يوليو 1995والتى راح ضحيتها حوالى ثمانية ألف من مسلمى البوسنة. الاّ أنّ موقف الأوربيين كان مختلفا مما هو عليه حيال أزمة اللاجئين الراهنة. فقد أستضافت أوروبا أكثر من نصف مليون لاجئ بوسنى, منهم 350 ألف لاجىء أستقبلتهم ألمانيا. لم يقتصر الأمر على ايواء اللاجئين, بل ساعدت أوروبا بالتعوان مع حليفتها أمريكا على انهاء حرب البوسنة باجبار الصرب على انهاء ابادتهم لمسلمى البوسنة عن طريق ضربات حلف شمال الأطلسىNATO الجوّية. وضعت تلك الحرب أوزارها بعد توقيع اتفاقية دايتون للسلا م بولاية أهايو الأمريكية فى ديسمبر 1995. ما أود قوله أنه لا مناص لأوروبا من تفعيل مبدأ تقاسم المسؤلية (وليست "الأعباء" التى تنطوى على اجتراح كرامة هؤلاء البشر) و توزيع هؤلاء اللاجئين على دول الاتحاد الأوروبى, خاصة أننا نتحدث عن أقل من مائتى الف لاجىء ( أى ما نسبته 0.04% من جملة سكان دول الاتحاد الأوروبى البالغ تعدادهم 503 مليون نسمة). هناك دول قليلة السكان و ضخمة الموارد مثل السويد التى يبلغ عدد سكانها 9,794,000 يسكنون فى مساحة قدرها 449,964 كيلو متر مربع, يمكنها استضافة اعداد مقدرة من هؤلاء اللاجئين. هذا هو الحل الوحيد اذا ما أراد الاتحاد الأوروبى وضع حد لامتهان كرامة ضحايا هذه المأساة الانسانية الذين أضحوا مادة خبرية راتبة لفضائية الجزيرة و غيرها من قنوات التلفزة. مثلما أوقفوا حرب البوسنة, كذلك يتحتم على الاتحاد الأوروبى اطلاق مبادرة عالمية تتبعها خطوات عملية لانهاء الحرب التى تدور رحاها فى سوريا و التى وصل أعداد ضحاياها (من قتلى, جرحى, لاجئين و نازحين) الى أكثر من نصف سكان سوريا البالغ عددهم 22 مليون.

نعمة أم نقمة؟ A boon or a burden؟

وفقا لبيانات الاحصاء الأوروبى Eurostat الصادرة فى يوليو 2015, فقد سجلّت ألمانيا أدنى معدل بطالة*3 (4.7%) , و هى أكبر اقتصاديات دول الاتحاد الأوروبى و رابع أكبر اقتصاد فى العالم. أمر آخر هو أنّ ألمانيا التى هى أكبر دول الاتحاد الاوروبى من حيث السكان (82 مليون) تعانى من مشكلة انجاب*4 متفاقمة, اذ سجلت أدنى معدل خصوبة فى الاتحاد الأوروبى, والذى من التوقع أن ينتج عنه انخفاض عدد سكانها الى 70 مليون بحلول عام 2060, خاصة اذا أخذنا فى الاعتبار ارتفاع عدد المعمّرين, اذ يبلغ متوسط أعمار الاناث 83 سنة و متوسط أعمار الذكور 78 سنة. لكل هذه الأسباب كان الموقف الألمانى الرسمى أكثر مواقف دول الاتحاد الأوروبى حماسا لاستضافة اللاجئين الذين يحتاجهم اقتصاد البلاد المتعطش للعمالة الأجنبية. هذا يعنى أنّ اللاجئين السوريين و غيرهم هم نعمة على بلدان مثل ألمانيا التى لا مندوحة لها عن استقدام مئات الآلاف من العمال الأجانب سنويا اذا ما أرادت الاحتفاظ بالازدهار الاقتصادى و الرخاء التى تنعم به حاليا. اللافت فى الأمرأنّ اليمين المتطرّف فى ألمانيا لم ينجح فى تسويق اطروحاته الرامية لبسط المشاعر المعادية للوجود الاجنبى فى البلاد (على الرقم من الاعتداءات التى حدثت فى بعض أماكن ايواء اللاجئين). فحركة بقيداPEGIDA التى تأسست فى مدينة Dresden الألمانية عام 2014 و التى تعنى أحرف اختصارها " الوطنيون الأوربيون ضد أسلمة الغرب", يبدو أنّ حوجة الاقتصاد الالمانى للعمالة الأجنبية فد أدت لكساد أطروحاتها.
كذلك رأينا كيف هوجم رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كمرون فى يوليو الماضى من قبل منظمات حقوق الانسان فى بريطانيا عندما وصف موجة اللاجئين بمدينة كاليه الساحلية بشمال فرنسا باسراب الحشرات التى تجتاح القارة الأوربية. أيضا استهجن القادة الأوربيون تصريحات رئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبان عندما قال أنّ "أوروبا قد تمّ اغراقها بلاجئين معظمهم مسلمين مما يضع الحضارة الأوروبية في موقف لا يتيح لها الاحتفاظ بقيّمها المسيحية" .
ختما, لابدّ من القول أنّ الذى يحدث لضحايا الحروب من السوريين و غيرهم, والذين يمموا شطر أوروبا التى تفاخر بمنظومة حقوق الانسان التى قدمتها للعالم فى أعقاب الحرب العالمية الثانية, أمر يصعب تصديقه. نساء و أطفال يجوبون دول الاتحاد الأوروبى مشيا على الأقدام (لمئات الكيلومترات) بحثا عن الملجأ, الاّ أنهم يواجهون بحوائط الأسلاك الشائكة و اذلال الشرطة و يتعرضون الى معاناة غاية فى الترويع و الشناعة فى قلب القارة الاوربية. الحل للأزمة الحالية يكمن فى ما أوردناه فى الفقرة الثانية من هذا المقال, حيث لا سبيل لوقف تدفق اللاجئين الى أوروبا مالم يتوقف تدفق الأسلحة الأوربية الى مناطق الحروب. كذلك لا بدّ من اعادة النظر فى سياسات أوروبا تجاه البلدان النامية و احلال علاقات الاستغلال الراهنة بعلاقات جديدة قائمة على الاعتماد المتبادل و الاحترام.

طارق مصباح يوسف- ايرلندا

*1يمكن الرجوع الى المقال المذكور على هذا الرابط:-
كالي Calais الفرنسية و مبادىء حماية اللاجئين الدولية بقلم د. طارق مصباح يوسف


*2 تقريبا جميع دول الاتحاد الأوروبى طرف فى الشنقين (باستثناء بريطانيا و ايرلندا الجنوبية).
*3 معدل البطالة فى دول الاتحاد الاوروبى البالغ عددها 28 دولة هو 9.5%
*4 هناك دول أخرى تعانى من نفس المشكلة. تشير الاحصاءات الى أنّ ايطاليا عليها أن تختار بين رفع سن التقاعد الى 77 عام أو استقدام حولى اثنين مليون من الأجانب سنويا اذا ما أرادت الحفاظ على عجلة الاقتصاد فى بلد ربع عدد نسائه ليس لديهن أطفال .



أحدث المقالات

  • أشياء.. وأشياء!! بقلم صلاح الدين عووضة 09-05-15, 06:11 PM, صلاح الدين عووضة
  • ذكرى معركة كرري بقلم الطيب مصطفى 09-05-15, 06:10 PM, الطيب مصطفى
  • سياحة في ( قرية كوئكة ) بالولاية الشمالية بقلم عباس حسن محمد علي طه – جزيرة صاي 09-05-15, 06:08 PM, عباس حسن محمد علي طه
  • في ذكري سبتمبر الشعارات ما بتفيد قصيدة بقلم يوسف عوض الكريم 09-05-15, 06:03 PM, مقالات سودانيزاونلاين
  • دحلان ليس صديقا وهنية لا اعرفه ولكن....... بقلم سميح خلف 09-05-15, 06:01 PM, سميح خلف
  • الثورة التدريجية بقلم حسين اسماعيل محمود 09-05-15, 04:59 PM, حسين اسماعيل محمود
  • المعلومات في السودان: أبواب ذات حراسة مشددة بقلم ندى أمين 09-05-15, 04:54 PM, ندى أمين
  • دفع الشباب شديد التدين إلى المحارق هو الخطوة الأهم برأي التنظيم الماسوني الصهيوني بقلم طلال دفع الله 09-05-15, 04:51 PM, طلال دفع الله
  • وليد حسين..ستري شمس الحرية لامحالة بقلم بقلم امير (نالينقي) تركي جلدة اسيد 09-05-15, 04:45 PM, امير نالينقي تركي جلدة اسيد
  • وليد الدود مكي الحسين بقلم قريمانيات .. بقلم .. الطيب رحمه قريمان .. بريطانيا... !! 09-05-15, 04:43 PM, الطيب رحمه قريمان
  • المسمار الأخير فى نعش الحوار السودانى! بقلم على حمد إبراهيم 09-05-15, 03:02 PM, على حمد إبراهيم
  • هل سيعفي البشير وزير الكهرباء ؟ والخضر لكنانة بقلم جمال السراج 09-05-15, 02:59 PM, جمال السراج
  • حيثما توجد طاقة توجد تنمية بقلم ندى امين 09-05-15, 02:57 PM, ندى أمين
  • سر المهنة..!! بقلم عبدالباقي الظافر 09-05-15, 02:55 PM, عبدالباقي الظافر
  • أهلا بكم ..!! بقلم الطاهر ساتي 09-05-15, 02:53 PM, الطاهر ساتي
  • الإرهاب والإنتخابات.. والأزمة السياسية والإجتماعية في تشادالحلقة الثانية(1-2) بقلم محمد علي كلياني 09-05-15, 07:05 AM, محمد علي كلياني
  • الوصاية الأردنية على الأقصى في مأزق بقلم نقولا ناصر* 09-05-15, 06:31 AM, نقولا ناصر
  • شهادة إثبات وليد الحسين بقلم أكرم محمد زكي 09-05-15, 06:29 AM, اكرم محمد زكى
  • حتام هذا القتل البطيء لسكان ليبرتي يا ساسة العراق ؟؟ بقلم صافي الياسري 09-05-15, 06:26 AM, صافي الياسري
  • مكاييل الحكومة ،إستمرارية الإقصاء!! بقلم حيدر احمد خيرالله 09-05-15, 05:03 AM, حيدر احمد خيرالله
  • تلاشت عروبتي.. ولكن لا اعاديهم بقلم خليل محمد سليمان 09-05-15, 05:02 AM, خليل محمد سليمان
  • أيها الفارون من جحيم الموت في سورية .. إلى نعيم جنة الغرب الموهومة !!! بقلم موفق السباعي 09-05-15, 03:05 AM, موفق السباعي
  • الحركة الشّعبية تأكل بنيِها.. إحالة ثوار إلي (المعاش)..!! بقلم عبدالوهاب الأنصاري 09-05-15, 01:58 AM, عبد الوهاب الأنصاري
  • الاوربيون .... قساة القلوب بقلم شوقي بدرى 09-04-15, 10:58 PM, شوقي بدرى
  • الطواحين بين أشواق الإنسان وقسوة الواقع بقلم نور الدين مدني 09-04-15, 10:55 PM, نور الدين مدني