إسرائيل تستدعي القوة الناعمة وسلاح المصالح بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

إسرائيل تستدعي القوة الناعمة وسلاح المصالح بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي


08-27-2015, 10:55 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1440712537&rn=1


Post: #1
Title: إسرائيل تستدعي القوة الناعمة وسلاح المصالح بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
Author: مصطفى يوسف اللداوي
Date: 08-27-2015, 10:55 PM
Parent: #0

10:55 PM Aug, 28 2015
سودانيز اون لاين
مصطفى يوسف اللداوي-فلسطين
مكتبتى فى سودانيزاونلاين



في ظل تراجع الأخطار الإستراتيجية التي عانى منها الكيان الصهيوني طويلاً، بعد انهيار الأنظمة العربية التي كانت تصنف تقليدياً بأنها معادية له، وتفكك منظوماتها العسكرية، وضعف جيوشها النظامية، وانشغالها في همومها الداخلية ومشاكلها الخاصة، نتيجة الحراك الشعبي الذي تشهده بعضها، وتخشى أخرى من أن يحل في بلادها، فيهدد أمنها ويستهدف استقرارها، وينهي وجودها، الأمر الذي دفعها لأن تجعل من شعوبها وأبناء وطنها العدو الأول لها، فتفرغت لمواجهتهم، وتصدت لهم كأشد ما تكون المواجهة والتصدي، في الوقت الذي يتراجع فيه العدو الصهيوني عن موقع الصدارة في العداء، والأول في الخطورة، لينتقل إلى مرحلة الصداقة والتحالف أحياناً، فهو بالنسبة إليهم أقرب، وخطره أقل، وبات التفاهم معه أسهل، ولجم أطماعه ممكناً، والتعاون معه أيسر وأفضل.

وفي ظل هذه التطورات الجديدة، التي ما كان يحلم بها العدو أو يتوقعها، بدأ الخبراء والاستراتيجيون الإسرائيليون يفكرون في وضع الأسلحة التدميرية جانباً، والتخلي عنها قليلاً في المعركة القادمة، ذلك أن التحدي الجديد لا يلزمه دباباتٌ ولا طائرات، ولا صواريخ ولا مدافع، ولا تفوق عسكري ولا كثرة عددٍ وعتاد، كما أن ميادين المواجهة ليست هي الجبهات العسكرية، وساحات القتال الليلية، وإنما هي البيوت والأسر، والعائلات والأشخاص، والمصالح والمنافع، والعقول والشهوات، والرغبات والحاجات، وغيرها مما لا يلزم للانتصار فيها الأسلحة الخشنة المدمرة، بل يلزمها أسلحة ناعمة ورقيقة، لطيفة ومرغوبة، لا تجرح ولا تخدش، ولا تقتل ولا تميت، ولا تلق مقاومة ولا يصدها هجوم، ولا تستفز الخصوم ولا تستدر العطف وتبعث على الحزن والأسى، ولا تدفع العواصم الدولية للشجب والاستنكار، والغضب والتنديد.

ينطلق الإسرائيليون في استراتيجيتهم الجديدة من أن الشعوب العربية قد ملت وتعبت، وأنه قد أصابها اليأس والإحباط، ولم يعد لديها ذلك الحماس القديم والحمية المعروفة عنهم، ولا الرغبة في التضحية والاستعداد للفداء، وأنها أصبحت من هول ما أصابها، وفداحة ما حل بها، لا تفكر إلا في مصالحها، ولا تسعى إلا من أجل منافعها، وهي برأيهم لم تعد قادرة على الصمود والمواجهة، فقد انهارت جدران الصمود عندها، وتهاوت أسوار المقاطعة والممانعة، ووهن العزم بينهم، واشتعل الرأس فيهم شيباً وضعفاً، وبات لا يشغلهم شئ أكثر من استعادة أمنهم، والعودة إلى بيوتهم، وجمع شملهم الذي تمزق، ولم شتاتهم الذي تبعثر، واحتضان من بقي من أولادهم وبناتهم، والعيش بأمانٍ واستقرار، بعيداً عن الحروب والقتل، وويلات الاعتقال والسحل في الشوارع والطرقات، والتيه بين الدول وعلى الحدود، والذل في المطارات وعلى البواباتِ، بحثاً عن لجوءٍ أو جنسية، وأحياناً عن مساعدةٍ أو هوية.

إنهم يرون أن هذا هو الوقت الأنسب لبدء المعركة الجديدة مع أبناء الأمة العربية جميعاً، بعد أن فترت همتها وغارت عزيمتها، فهي أقرب إلى القعود منها إلى القيام، إذ السلاسل في أرجلها، والقيود في أيديها، وأفواهها مكممة، وحرياتها مسلوبة، وقدرتها على الفعل الحر والمباشر محدودة، وهي تلقى من أنظمة بلادها وحكام أوطانها ما يجعلها تكفر بالشعارات، وتتراجع عن الكثير من المبادئ والأفكار، بعد أن كثرت السجون وغصت بمن فيها، وكثر القتل فيها وخارجها، واستحر الدم بين أبنائها وفي أهلها، فما عادت هموم الآخرين تعنيهم، ولا قضايا غيرهم تهمهم.

بل إنهم يرصدون اليوم انقلاب بعض البلاد العربية، الأنظمة والشعب، والأحزاب والقوى، والإعلام والقضاء، فضلاً عن الجيش والأمن، على قطاعٍ كبيرٍ من الشعب الفلسطيني، يتهمونه ويعاقبونه، ويشكون فيه ويحاسبونه، وبالضد منه وبالنكاية فيه يحاصرون قطاعاً كبيراً من الشعب الفلسطيني، ويدفعون أهله إلى اليأس والقنوط، والهروب والفرار، أو القبول بالأسوأ والرضا بما يقسمه له العدو ويعطيه.

يدعو الإسرائيليون مؤسساتهم الأمنية والقومية إلى استغلال هذه الظروف، وانتهاز الفرصة السانحة، لتجنيد شبانهم وشاباتهم، ونسائهم ورجالهم، والطلاب والطالبات، والتجار ورجال الاقتصاد، وأصحاب الفنون والخبرات، وأهل الفن والإعلام، وغيرهم من كل فئات الشعب، من سكان البلاد ومن خارجها، لأن يقتحموا الخلوة العربية، وأن يتسللوا إلى نفوس أبنائهم وبناتهم، وأن يدخلوا عليهم بيوتهم ومجتمعاتهم، وأن يخاطبوهم بلغةٍ أخرى ومفرداتٍ مختلفة، ليس فيها عداء ولا خصومة، ولا حرب ولا قتال، وإنما تقوم حواراتهم على المعاني الإنسانية، والقيم النبيلة، التي تقوم على احترام الإنسان والتعايش المشترك، وحق الشعوب في العيش والأمم في البقاء، وغير ذلك مما يخلق بين العرب والإسرائيليين جسوراً من الحضارة، ومفاهيم من الحداثة، تكون قادرة على تذويب قوالب ثلج العداء، وهدم جدران المقاطعة، وكسر صخور الممانعة والتحدي.

يعتقد الإسرائيليون أن هذه هي فرصتهم الموعودة، وضالتهم المنشودة التي كانوا يبحثون عنها، فلا ينبغي أن تفلت من بين أيديهم، ولكنهم ينصحون بضرورة اعتماد الوسائل الحكيمة والعقلانية، في محاولة التأثير على العرب وثنيهم عن مقاصدهم القديمة، وذلك عبر حواراتٍ ولقاءاتٍ مباشرة، واتصالاتٍ هاتفية، وندواتٍ مشتركة، وعولمةٍ معلوماتية، ورحلاتٍ مختلطةٍ، وصفقاتٍ تجاريةٍ، ومبادلاتٍ ثقافية، ومشاريع تشاركية، وحفلاتٍ غنائية، ومقطوعاتٍ موسيقية، وحملاتٍ مدروسة، تظهر الوجه الإنساني للإسرائيليين، وتنفي عنهم العدوانية والكراهية، والعصبية والعنصرية، وتركز على حق اليهود كغيرهم في البقاء والوجود في أرض الآباء والجدود.

كما يدعو المفكرون الإسرائيليون إلى مشاركة العرب ومحاورتهم في الهموم الكونية التي تعاني منها المنطقة العربية والعالم كله، كمشاكل الطاقة وأزمات الوقود، وأزمة المياه وشح الأمطار، وندرة المياه الجوفية وتملحها، وظواهر الانحباس الحراري واختراق طبقة الأوزون، وذوبان الجليد، والارتفاع المخيف في درجات الحرارة، وغير ذلك مما يهم الإنسان، ويؤمن مستقبله، ويحمي أجياله ومشاريعه.

أو التفكير في الأسواق المشتركة، وتبادل السلع والمنتجات، والاشتراك في الصناعة والزراعة، والتنسيق لاختيار الأفضل وانتقاء الأنسب، وتبسيط الأنظمة الجمركية، وفتح الموانئ والمعابر التجارية، وتشجيع العمالة المحلية، والقضاء على البطالة والفقر والأمية.

ربما أن الإسرائيليين قد أصابهم البله، ووقعوا في نوبة الجنون والصرع، أو أنهم لا يعرفون العرب، ولا يفهمون إسلامهم، عندما يظنون أن الأمة العربية الحرة تأكل بثدييها، وتبيع شرفها لتعيش أياماً كالعبيد، وأنها من أجل كسرة خبزٍ، أو خرقة قماشٍ، أو حرصاً عن نفعٍ زائلٍ وكسبٍ محدود، ستنسى فلسطين والقدس، وستتخلى عن المسجد الأقصى والأرض المباركة من حوله، وستفرط في كتاب ربها ومسرى نبيها، وما علموا أن الأمة العربية تحيا من أجل فلسطين، وفي سبيلها تضحي، ومن أجلها تقدم.

إنها أضغاثُ أحلامٍ إسرائيليةٍ، وهرطقات فلاسفة صهاينةٍ، وجنون باحثين وسفه ضالين، ومخططات أمنيين وقرارات سياسيين، يبحثون لأنفسهم عن مكانٍ، ولشعبهم عن دولة، ولكيانهم عن تشريعٍ وقبول، ولكن هيهات أن يكون لهم ما أرادوا، فإن هذه الأمة لا تقعد حتى تقوم، ولا تكبو حتى تنهض، وإن نار جمرها تحت الرماد دوماً يتقد، وأنه حتماً سيلتهب في أي وقتٍ وحين، وسيكون ناراً لاهبةً، وثورةً غاضبةً، تحرق قلوبهم والجلود، وتعيدهم من جديدٍ إلى تيهٍ يعرفونه، وذلٍ يدركونه، ومعازل لم ينسوها، وشتاتٍ منه جاؤوا.



بيروت في 28/8/2015

https://http://http://www.facebook.com/moustafa.elleddawiwww.facebook.com/moustafa.elleddawi

mailto:[email protected]@gmail.com

أحدث المقالات
  • هل كان الوطن حقلا للنهب و الفساد طيلة السنوات الماضية .. ؟؟ بقلم حمد مدنى 08-27-15, 10:52 PM, حمد مدنى
  • نكتة حقيقية (مواطن سوداني يهرش الرئيس)!! بقلم فيصل الدابي/ال 08-27-15, 10:50 PM, فيصل الدابي المحامي
  • اعادة قراءة متانية فيما بين سطور اجتماع القائد العام 1/7/2014م (الحلقة الثالثة) بقلم طالب تية 08-27-15, 10:49 PM, طالب تية
  • القائد ..للتفضل بالعلم بقلم الشيخ عبد الحافظ البغدادي 08-27-15, 10:46 PM, الشيخ عبد الحافظ البغدادي
  • المناضل الجزائري جلول ملائكة .. ثورة في رجل بقلم سري القدوة 08-27-15, 10:44 PM, سري القدوة
  • المتباكون على كرامة الخادمات في دول البترول يجسِّدون عقدة الإسقاط بقلم بدور عبدالمنعم عبداللطيف 08-27-15, 07:50 PM, بدور عبدالمنعم عبداللطيف
  • الشاعر الروسي الدكتور أليكسدنر ميلنك Alexandre Melnik بقلم د.الهادى عجب الدور 08-27-15, 07:46 PM, الهادى عجب الدور
  • حقوقنا ليست سمبلة أيها المُفتى ....!!! بقلم محمد رمضان 08-27-15, 07:44 PM, محمد رمضان
  • هل غضبنا للخادمات ام لانفسنا مخافة فقداننا لعروبتنا المزيفة ؟! بقلم محاسن ام الفارس 08-27-15, 07:42 PM, مقالات سودانيزاونلاين
  • حقوق الإنسان في ظل القضاء العشائري : فلسطين نموذجاً بقلم فادي أبو بكر 08-27-15, 07:41 PM, فادي أبوبكر
  • حلمنتيشيات جامعة الخرطوم (الحنكوشة)! بقلم فيصل الدابي/المحامي 08-27-15, 06:02 PM, فيصل الدابي المحامي
  • لماذا يصرخ الغرب من اللآجئين ....... هذه بضاعتهم ردت لهم بقلم هاشم محمد علي احمد 08-27-15, 06:00 PM, هاشم محمد علي احمد
  • دراسات الهجرة القسرية و الاتجار فى البشر مركز بقلم د. طارق مصباح يوسف 08-27-15, 05:57 PM, طارق مصباح يوسف
  • الذهب و دقيق القمح : أين الحقيقة ؟ بقلم بابكر فيصل بابكر 08-27-15, 05:56 PM, بابكر فيصل بابكر
  • العراق 2015 التنمية واللامركزية (الفعلية) بقلم يوسف بن مئيــر 08-27-15, 05:55 PM, يوسف بن مئيــر
  • المجلس الوطني بين عباس وابو الاديب بقلم سميح خلف 08-27-15, 05:49 PM, سميح خلف
  • اللصوص والقتلة والفاشلون وسيدنا عمر بقلم شوقي بدري 08-27-15, 04:17 PM, شوقي بدرى
  • الانتهازيون في الحياة السودانية بين الرفض والتطبيع بقلم حسن احمد الحسن 08-27-15, 04:14 PM, حسن احمد الحسن
  • المحاولات الفاشلة (لأدلجة) معاوية محمد نور و(تجييره) حزبيا! (8 من 11) بقلم محمد وقيع الله 08-27-15, 04:13 PM, محمد وقيع الله
  • المدمرة الصينية مهمة عسكرية ام اقتصادية؟ بقلم أمانى ابوريش 08-27-15, 04:11 PM, امانى ابوريش
  • الصحفي حسن اسماعيل في جمهورية (كوز)ستان! بقلم عثمان محمد حسن 08-27-15, 03:56 PM, عثمان محمد حسن
  • حزب.. بالتي هي أخشن! بقلم عثمان ميرغني 08-27-15, 03:00 PM, عثمان ميرغني
  • كيف تصبح الخرطوم.. دبي؟! بقلم عثمان ميرغني 08-27-15, 02:56 PM, عثمان ميرغني
  • أمنيتك؟ مبروك !! بقلم صلاح الدين عووضة 08-27-15, 02:54 PM, صلاح الدين عووضة
  • الأمية.. المأساة المنسية ! بقلم الطيب مصطفى 08-27-15, 02:52 PM, الطيب مصطفى
  • دال تٌعقب بقلم عمر عشاري 08-27-15, 02:51 PM, الطاهر ساتي
  • المحرقة:سكر ، قمح ، طفيليات!! بقلم حيدر احمد خيرالله 08-27-15, 06:19 AM, حيدر احمد خيرالله
  • رخصة دولية للدول بقلم عمر الشريف 08-27-15, 06:16 AM, عمر الشريف
  • مآلات الديمقراطية كقيمة أمريكية في مصرن بقلم عبد الله علي إبراهيم 08-27-15, 02:28 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • حكومة عنصرية للعاصمة القومية مبروك للمهمشين بقلم ادريس حامد أوهاج 08-27-15, 02:24 AM, مقالات سودانيزاونلاين
  • الوسطية والانفتاح المطلوب على العالم بقلم نورالدين مدني 08-27-15, 02:22 AM, نور الدين مدني
  • Blaise Kaptue Fotso الشاعر والمسرحى الكاميرونى بليز كابتو فاتو بقلم د.الهادي عجب الدور 08-27-15, 02:21 AM, الهادى عجب الدور
  • الخديعة الكبري بقلم عميد معاش طبيب سيد عبد القادر قنات 08-27-15, 02:17 AM, سيد عبد القادر قنات
  • أمبيكي ؟ قبض الريح وشئ من سدر قليل ؟ بقلم ثروت قاسم 08-27-15, 02:14 AM, ثروت قاسم