Post: #1
Title: السيريالي الجديد بقلم عماد البليك
Author: عماد البليك
Date: 05-12-2015, 01:16 PM
01:16 PM May, 12 2015 سودانيز اون لاين عماد البليك -مسقط-عمان مكتبتى فى سودانيزاونلاين
لا يحكى
عرفت السيريالية بوصفها فن اقتناص اللاوعي لكتابة أو رسم الوعي، هي تجميد الأحلام واللحظات الهاربة من الزمن الأرضي لإعادة تشكيلها ولكن بغموض وغرابة، طالما كان الوعي الإنساني في أكثر تجلياته لا يلتفت لغير التعقيد ويهمل ما سواه من البساطة والتجسيرات الهينة التي تظن أنها تمتلك مفاتيح الرؤية وتقريب الأشياء لتكون جلية وسهلة تماما. وإذا كان السيريالية قد نشأت ما بعد الحرب العالمية الأولى فلعل فيها من أشكال الرغبة في التحرر من القيود التي شكلتها الحروب، المزاج السيء والظنون والغرائب التي أوجدها الإنسان في الواقع المرئي والمباشر، عندما لا يكون أمام الكائن سوى اللعنات والمفاتيح السيئة للعالم. وجاء السيرياليون لكي يحرروا الواقع إلى ما فوقه، إلى ما وراء تلك الجهات العجيبة التي لا يصلها الوعي الإنساني، بمحاولة تقوم على استنطاق الحياة في غير ما هي عليه من الأبعاد التي أدمن البشر على إدراكها. ولإثبات أن طاقة العقل الإنساني مذهلة. كان السيرياليون يبحثون عن الغريب واللاشعوي والحالم ويمنحنون لأنفسهم عنان المغامرة في سبيل ذلك، أي بناء العالم الجديد القائم على معطيات لم تكن واردة على الأذهان من قبل، أي بمحاولة لإيجاد وعي إبداعي حديث يقوم على تعريفات وممارسات غير نمطية، بأن يكون الغريب والمدهش وغير المفهوم هو مركز الوجود وجوهره، وهو كذلك حقيقة الواقع التي نبحث عنها في الكتب والأساطير والخيالات ونفتش عنها في سراديب الغيب وفي الأحلام والذكريات. وطالما كان الإنسان غامضا وكان الغموض هو تمظهر الكون، فإن السيرياليون كانوا يعتقدون أن الطريق الأقصر لتمزيق مشيمة الغموض هي أن يستمدوا فكرتهم من جوهر ما هو غامض، من اللاوعي البشري ومن مكنونات أو طبقات العقل العجيبة والبعيدة تلك التي لا يراها أي كائن إلا في حدود مساحات مغفلة عن الزمن الأرضي، في عوالم الشرود غير المفتعل وفي البواطن السرية للأرواح التي تدربت على الغوص في أسرار العالم حتى لو أنها لم تكن قد وصلت إلى المرحلة التي تفهم فيها المعنى الكامل، إن وجد. لأن سيرة الإنسان هي صيرورة دائمة للسؤال والاستمرار في البحث عن المعنى والإجابات التي لا تقدم سوى المزيد من الاستفهام وترسخ مساحة اللاوعي مقابل الوعي. وإذا كان السيرياليون يضعون الأحلام بوصفها هي مركز رؤاهم في تجسيد عوالمهم الفنية في الرسومات والكتابة، واستندوا على نظريات عالم النفس فرويد في رؤاه حول السلوك الإنساني والأحلام وإشباع الذات عبر اللاوعي وطبقات ما وراء الواقع، فإن السيرياليين وقعوا أمام نقد مباشر من فرويد نفسه الذي وصفهم بأنهم يعملون على الوعي وليس اللاوعي. قال إن ما لفت نظره فيهم هو وعيهم وليس لاوعيهم. بمعنى أن السيريالي مهما حاول أن يتخلص من استناده على اللاوعي في التلقي والإدراك وتقديم الصور الفنية والإبداعية يظل في نهايته العظمى مستندا على وعي تام، فهو قائم على اللاوعي من خلال تحكم صريح فيه وليس من خلال الإلهام القدري الذي يتلقاه الفنان ليسرح في تشكيل عوالم لم يكن له سابق معرفة بها، ولو حدث ذلك لكان السيريالي هو إنسان عشوائي وليس له من نظام ولا قيمة في عمله، حيث يتحول لمجرد مغامر ليس له من قانون ولا قاعدة، والفنون ساعة تصبح مجردة عن قواعدها الأصيلة في الإدراك تصبح نوعا من الفوضى التي ليس لها من هدف ولا غاية. أي أن الفن يخرج من مجاله ويصير شيئا غامضا لكنه بلا معنى. يتحدث فرويد عن وعي منظم في جوهر العمل السيريالي، وهذا هو الفارق بين الفنان الجديد والقديم، بين ذلك الذي يعتمد على التلقي من عوالم خفية أو وحي غير معلن أو "وادي عبقر" وبين ذلك الذي يتلقى من اللاوعي لكنه ذلك القائم على صناعته وخبرته الذاتية وتلقائيته التي لها ضابط وليست مهملة تسير وفقما شاءت الأيادي أو الأفكار دون حسيب، حيث أنها، الذات نفسها التي تعرف في الخلاصة ماذا تفعل بالضبط، فهي لا تمارس العبث وإنما تصوغ واقعا موازيا وجديدا من خلال ما تقوم به، وفي الواقع الجديد يكون لها أن تضارع أهوال الواقع الخارجي ربما بأبشع من صوره وأقبح. ذلك لأن اللاوعي هو الذي يمكن أن يمنح مضارعة الواقع أو التفوق عليه أو التعالي، في حين الوعي هو الذي يجعل الفنان رهين السجن الذاتي لما هو خارجي ومرئي ومباشر، ولهذا فكل ما يشتغل على الوعي المباشر والمدرك تماما لا يصبح فنا إلا في الوقت الذي يعرف فيه كيف يتحرر من الإرادية إلى ما سواها بأن يكون ثمة مساحة لما وراء الوعي، ولكن بذلك النمط السيريالي الذي وصفه فرويد. إن الأنا حاضرة في كل عمل سيريالي أو فني حقيقي، بشكل عام، وإذا ما قال لك الفنان أو الكاتب أنني أخرج من عملي ساعة أخلص منه، فهو يجرد العمل أو الفن من خاصيته الإنسانية ومن محتواه الفني. وإذا كان الحضور في السابق يقوم على داخل النص أو اللوحة فهو اليوم يحضر بقوة خارجهما ويناقش ويدافع ويؤكد أيضا، وليس مجرد مراقب أو من يتخذ شكل الانحياز. ولكن هذا لا يعني أن الرؤية التي سوف يطلقها الفنان هي نهائية أو الحقيقة، إذ ستظل مجرد صورة للممكنات الأخرى التي يمكن أن يأتي بها أي إنسان أو مستقبل آخر، وليس لأي فنان أو كاتب أن يدعي أنه يمتلك حقيقة نصه أو عمله الفني. وإذا كان السرياليون يهتمون بالمضمون على حساب الشكل، ولكن بصورة غامضة ومريبة، فإن الفن الجديد يفعل ذلك الشيء نفسه، هو يمارس وعيا كبيرا بالواقع ومشكلاته ويقترب منها ويتحرر من الأوهام والظنون ولكن بتوظيف اللاوعي الفاعل عبر قنوات الوعي، إذ لابد من تمرير ما وراء المدركات لتصبح مدركات وملموسات في حيز الأنا ومن ثم النص المتجلي أمامنا الذي فيه من الانفعال والغرابة والكثير من المساحات القابلة لإعادة التشكيل والإدراك والوعي المعاد في تفسيره وإنتاجه. إن السريالية القديمة قد انتهت. لكن الجديدة هي روح عصر آني يقوم على رؤية التوحش والغياب الكبير للمعنى والفكر الإنساني الذي يفقد اليوم خصائص قوته الكلاسيكية في الانتصار للحقائق الكبيرة. إنها فنون جديدة تعمل على نفي الوعي تماما وتعزيز اللاوعي ولكن بنمط يستحضر صورة عالم بات متشعبا ومتسعا من حيث مصادر اللاوعي نفسها، وبات فيه ضابط الوعي أكثر تشتتا ليمكن القول مرات أن المساحة الفاصلة بين الوعي واللاوعي لم تعد موجودة في الأساس وهذا هو مربط الفرس في أن تكون سيرياليا جديدا. mailto:[email protected]@gmail.com
مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب المسيح النوبي بقلم عماد البليك 05-11-15, 02:44 PM, عماد البليكمعنى الواقعية ! بقلم عماد البليك 05-10-15, 03:14 PM, عماد البليكالصندوق الزجاجي بقلم عماد البليك 05-09-15, 02:59 PM, عماد البليكالحياة كما لو أنها فيلم أمريكي بقلم عماد البليك 05-08-15, 02:23 PM, عماد البليكالفنان الشامل! بقلم عماد البليك 05-06-15, 02:43 PM, عماد البليكالعقل بين التخييل والتأويل بقلم عماد البليك 05-05-15, 02:55 PM, عماد البليكما بعد الكرونولوجيا بقلم عماد البليك 05-04-15, 03:34 PM, عماد البليكعرس الزين والهوية بقلم عماد البليك 05-03-15, 03:05 PM, عماد البليكالطريق إلى خيال جديد بقلم عماد البليك 05-02-15, 03:12 PM, عماد البليكجدل الذات والمجموع بقلم عماد البليك 04-30-15, 02:36 PM, عماد البليكالميتاسياسة بدلا عن السياسة بقلم عماد البليك 04-27-15, 03:10 PM, عماد البليكالفيتوري والهوية البديلة بقلم عماد البليك 04-26-15, 03:37 PM, عماد البليكنحو مجتمع متحرر بقلم عماد البليك 04-25-15, 04:04 PM, عماد البليكالمثقف والتنميط (2 – 2) بقلم عماد البليك 04-23-15, 02:22 PM, عماد البليكالمثقف والتنميط (1 – 2) بقلم عماد البليك 04-22-15, 03:48 PM, عماد البليكالقوة والإلهام والتفرد! بقلم عماد البليك 04-21-15, 02:34 PM, عماد البليكالسودان 2050 ! بقلم عماد البليك 04-20-15, 02:22 PM, عماد البليكهل قرأ أوباما إدوارد سعيد ؟ بقلم عماد البليك 04-19-15, 02:45 PM, عماد البليكالنظر إلى العالم بالمقلوب بقلم عماد البليك 04-16-15, 02:40 PM, عماد البليكصوتك الآخر! بقلم عماد البليك 04-15-15, 02:54 PM, عماد البليكبانسكي في السودان بقلم عماد البليك 04-14-15, 02:27 PM, عماد البليكنوستالجيا المثقف! بقلم عماد البليك 04-13-15, 02:52 PM, عماد البليكترويض الفيلة بقلم عماد البليك 04-12-15, 03:45 PM, عماد البليكالجثة الطائرة ! بقلم عماد البليك 04-11-15, 02:39 PM, عماد البليكالزمن المفقود ! بقلم عماد البليك 04-09-15, 05:31 AM, عماد البليكمعان لفلسفة السعادة ! بقلم عماد البليك 04-08-15, 02:42 PM, عماد البليكالشوفينية بقلم عماد البليك 04-07-15, 02:36 PM, عماد البليكأبريل في حيز المراجعة بقلم عماد البليك 04-06-15, 05:52 AM, عماد البليكالتجربة الفنلندية بقلم عماد البليك 04-05-15, 03:17 PM, عماد البليكالطريق إلى تعليم جديد بقلم عماد البليك 04-04-15, 06:41 AM, عماد البليكفي منهج بناء الشخصية بقلم عماد البليك 04-02-15, 02:22 PM, عماد البليكالاستشراق مرة أخرى! بقلم عماد البليك 04-01-15, 03:25 PM, عماد البليكالصور النمطية للسوداني بقلم عماد البليك 03-31-15, 03:02 PM, عماد البليكجدل الرواية والتاريخ بقلم عماد البليك 03-30-15, 02:56 PM, عماد البليكحنين القواديس ! بقلم عماد البليك 03-28-15, 03:21 PM, عماد البليكتوثيق الفنون والتراث بقلم عماد البليك 03-27-15, 02:01 PM, عماد البليكرد الاعتبار للعرفان بقلم عماد البليك 03-25-15, 03:27 PM, عماد البليكإشكاليات الذائقة الجمالية بقلم عماد البليك 03-24-15, 03:16 PM, عماد البليكابن عربي الهندي ! بقلم عماد البليك 03-23-15, 03:01 PM, عماد البليكصندوق "بنو حنظل" بقلم عماد البليك 03-19-15, 04:47 PM, عماد البليكما بعد ريلكه ! بقلم عماد البليك 03-17-15, 04:27 PM, عماد البليكطقوس فنية في الحياة السودانية بقلم عماد البليك 03-16-15, 02:09 PM, عماد البليكالطبقات مرة أخرى ! بقلم عماد البليك 03-15-15, 02:13 PM, عماد البليكجهل كونديرا وفلسفة الاغتراب ! بقلم عماد البليك 03-12-15, 03:40 PM, عماد البليكالانتقام الرباني ! بقلم عماد البليك 03-11-15, 02:44 PM, عماد البليكأزمة النشر في السودان بقلم عماد البليك 03-10-15, 06:15 PM, عماد البليكالفاسد والمفُسِد بقلم عماد البليك 03-09-15, 02:44 PM, عماد البليكالاختلاف والهوية ! بقلم عماد البليك 03-08-15, 04:30 PM, عماد البليكالـديستوبيا ! بقلم عماد البليك 03-07-15, 03:15 PM, عماد البليكحقيقتي.. إرهابي ؟! بقلم عماد البليك 03-05-15, 01:37 PM, عماد البليكالساحر ينتظر المطر ! بقلم عماد البليك 03-04-15, 03:01 PM, عماد البليكسعة الأحلام وعبادة الصبر ! بقلم عماد البليك 03-03-15, 04:47 PM, عماد البليكعن سليم بركات والكرمل وعوالم أخرى! بقلم عماد البليك 03-02-15, 11:39 PM, عماد البليكوزارة الفلسفة! بقلم عماد البليك 03-02-15, 06:32 PM, عماد البليكصناعة الوهم ! بقلم عماد البليك 02-26-15, 04:02 PM, عماد البليكسينما.. سينما !! بقلم عماد البليك 02-25-15, 02:40 PM, عماد البليكواسيني والمريود بقلم عماد البليك 02-24-15, 03:57 PM, عماد البليكالمدن الملعونة ! بقلم عماد البليك 02-22-15, 02:26 PM, عماد البليكنهاية عصر البطل ! بقلم عماد البليك 02-19-15, 02:24 PM, عماد البليكما وراء الـتويوتا ! بقلم عماد البليك 02-18-15, 02:24 PM, عماد البليكحوار مع صديقي مُوسى ! بقلم عماد البليك 02-17-15, 05:44 AM, عماد البليكشياطين الحب وأشياء أخرى ! بقلم عماد البليك 02-15-15, 03:12 PM, عماد البليكالحداثة المزيفة وما بعدها المتوحش بقلم عماد البليك 02-14-15, 04:32 PM, عماد البليكما بين السردية السياسية والمدونة الأدبية بقلم عماد البليك 02-13-15, 02:31 PM, عماد البليكقوالب الثقافة وهاجس التحرير بقلم عماد البليك 02-11-15, 02:50 PM, عماد البليكلا يُحكى..أزمة السودان الثقافية بقلم عماد البليك 02-10-15, 06:15 AM, عماد البليكلا يُحكى فقر "سيتوبلازمات" الفكر السياسي السوداني بقلم عماد البليك 02-09-15, 06:13 AM, عماد البليكعندما يُبعث عبد الرحيم أبوذكرى في "مسمار تشيخوف" بقلم – عماد البليك 07-26-14, 09:31 AM, عماد البليكإلى أي حد يمكن لفكرة الوطن أن تنتمي للماضي؟ بقلم – عماد البليك 07-06-14, 01:32 AM, عماد البليكالمثقف السوداني.. الإنهزامية .. التنميط والدوغماتية 07-02-14, 10:33 AM, عماد البليكبهنس.. إرادة المسيح ضد تغييب المعنى ! عماد البليك 12-20-13, 04:08 PM, عماد البليكما بين نُظم الشيخ ومؤسسية طه .. يكون التباكي ونسج الأشواق !! عماد البليك 12-16-13, 06:11 AM, عماد البليكمستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (2- 20) عماد البليك 12-05-13, 07:01 AM, عماد البليكمستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (1- 20) عماد البليك 12-02-13, 05:48 AM, عماد البليك
|
|