Post: #1
Title: الزمن المفقود ! بقلم عماد البليك
Author: عماد البليك
Date: 04-09-2015, 05:31 AM
04:31 AM Apr, 09 2015 سودانيز اون لاين عماد البليك -مسقط-عمان مكتبتى فى سودانيزاونلاين
لا يحكى
عماد البليك كيف يتسرب الزمن وينزلق من بين أطراف الأيادي ومن اللحظات الجميلة والساحرة، كذلك الغضب والظنون والآهات؟ وكيف تصبح الحياة فجأة مجردة من تلك القيمة فجأة.. ساعة يكون للإنسان أن يرهن ذاته للموات.. والنهاية! هل الزمن هو الحياة، هو مقاومة الموت وهو الخلود.. هو الحضور الأبدي الذي يجعل الكائن يرفرف في ميلاده كل لحظة.. هذه الفكرة التي طالما أرهقت الفلاسفة والباحثين عن معنى للأشياء في هذا العالم. هل يكون الزمن هو الحضور ضد الغياب؟ الانتفاء ضد الحضور الباهت؟ الجدوى ضد اللاجدوى. يقال إن الزمن كفيل بتدمير كل شيء.. لأنه أقوى من كل الأشياء. لكنه الزمن نفسه يتدمر بإنزياح الذات بعيدا عنه.. بالانتصار المؤقت عليه الذي تصنعه الأرواح الكبيرة والعارفة. حيث يرى المتصوفة مثلا أن الذات وفي تجلياتها الكبيرة تخرج من نطاق المحدود إلى اللامحدود والمطلق وتحلق في سماوات أخرى هي الحضور الحقيقي، ساعة يكون حضور هذه الأرض هو الصورة المزيفة للكائن. ليس نحن إلا صور لظلالنا القائمة في هذه الأرض. ليس نحن إلا مجرد التيه لما يفترض أن يكون.. فلسنا ما كناه إذن إلا بتأكيد الحضور الكبير.. بالصلوات العميقة والزكوات وأنهار التزكية التي لا يفقه فيها إلا من دخلها.. تلك المساحة التي يقوم الناس أحيانا على رؤيتها وإنجازها من قبيل وجه لا يمت للمعنى بصلة ولا الأصل بوارد. عندما يكون الإنسان ضد ذاته الحرة وحريته ومغزى وجوده في هذا العالم. إن صورة الزمن المادي، الذي ينعكس في مرايا التاريخ الإنساني مثلا بكل معتركاته وآفاته وأوجاعه، تاريخ الدم والخنوع والكبرياء الجوفاء.. تاريخ اللامعنى ضد المعنى.. الذين يحاولون فرض أنفسهم كذوات نهائية ومهيمنة على كل شيء، سرعان ما يتلاشى ويغيب هذا الزيف ويبقى الزمن السرمدي والغائب في مظان الأوصياء والمقلدين. فالزمن الأصيل لا تدخله الذات التي لم تتدرب على العيش مجردة عن الخوف.. الذات التي هزمت معارك الانكسار المؤقت واستعدت لرحلة الأشواق والسفر البعيد في تلافيف هذه الحياة وضد كل هيمنة الوجود وغلوائه. أن يكون انتصار الكائن بأن يتلاشى حقا في زمنه الخاص، بأن يبتكر عوالمه المفقودة. أن يوجد معادلة زمنه الآني والحقيقي. وتلك لا تتحقق إلا بعمل مضن ورفعة في الأدب والخلق وتجاوز البدايات إلى النهايات النائية بقفزة المعرفة والتحلي بالمكارم.. وهذا شأن الأنبياء والعلماء والفلاسفة وأصحاب المعارف والتفكير الباذخ، والراغبين في ملاذ جديد خارج ما تفرضه المظاهر والظواهر. يخيل لي أن مارسيل بروست عندما كتب "البحث عن الزمن المفقود" هذا العمل الضخم الذي جاء في سبعة مجلدات، كان يبحث عن تلك الإمكانية أو الشعور الذي أحسه بداخله أن يقبض على كيمياء الخلود، على الزمن الحقيقي، فالمفقود هنا دلالة الحضور في الداخل مقابل الغياب والفقدان في العوالم الخارجية. لقد عمل بروست على تمجيد الوقائع والأحداث والانتصار لها بحساب فكرة الزمن غير التقليدي، ومن هنا كسب هذا العمل خلوده كفن إنساني راق. وهذه هي المساحة التي تجعل الفنون والأفكار والمعارف الروحانية العميقة تتلاقى في منطقة ما، لا يتم العثور عليها إلا برحلة عسيرة، وشروط يكون الاستعداد لها مهمة ليست بالهينة، كما فعل أناس في التاريخ البشري أمثال ابن عربي الذي وظف الحيز الواقع بين المعقول واللامعقول، بين المادية والروحانية، بين عالم موسى وعالم الخضر، بأن ثمة ما حقيقي وواقعي ما وراء العالم الشكلي والخارجي والمتوقع. فالخضر كان كناية عن الزمن المفقود أو عن تلك الرحلة غير المرئية حتى لنبي من الأنبياء، بأن يتعلم من هذه التجربة التي هي خارج سياق الزمن المؤسس له في العالم الماثل، وفي المقابل فإن تجربة السحرة والعصي تكشف عن الملمح المغاير في المعرفة الموسوية حيث أن الظاهر ينعكس بغير ما حقيقته. ويكون السؤال أين تقع المنطقة التي فيها الزمن السرمدي والأصيل، هل هو الزمن المبتكر في ذهن الخضر والذي أراد تصوير العالم بناء على ما سوى المنطوقات والتجليات الشكلانية، أم أنه هو زمن الموسى الذي سحر الأعين لترى ما عكس ما ترى في وظيفتها الطبيعية. لهذا فقد انتبه بودلير، الشاعر الفرنسي، عندما وصف الزمن بأنه الحاسة السادسة، التي ربما تكمل بقية الحواس. والمعنى هنا أن الزمن بوصفه الغامض وحضوره المضلل في المظهريات والظنون الشكلية يبهرنا ويجعلنا نتعامل بأحاسيس ومشاعر وانبهار مع العالم، يمنحنا مذاقا غير موجود في الحواس الأخرى، ليس بالذوق ولا السمع ولا اللمس ولا الاشتمام ولا الكلام. إنه حضور ما وراء الحواس. والتحدي ليس هنا إنما في فرز مساحة الحضور الأزلي. كيف؟ نعم.. فالزمن حاضر في ساعات الأحلام.. وفي اليقظة مع مساحات الخيال المتسعة بلا حدود وفي الأفكار.. وفي الكتب الأدبية وفي اللوحات الفنية.. وفي التاريخ.. لكن هل هذا هو الزمن الذي نرغب في أن نعيشه، كل ذلك قد يكون.. ليس إلا صورة الزمن وليس بعده الذي يتصوّر به في أزليته وحضوره الباذخ بقدرته على أن يجعل الروح والذات الإنسانية تعيش اطلاق النبي وحضور السائح. إن الصورة التقليدية لعلاقة الإنسان مع الزمن تجعله يعيش أسير الخوف والارتباك والجهل، تجعله يفكر في ذاته كوحدة محددة وقصيرة الشأن.. تحرمه من المغامرة والقفز على الوحدات المتجزئة لليوم وثقافة الروتين والإكراه. في حين أن الإنسان العارف الذي يتحكم في تلك الحاسة الزمنية المفقودة هو الذي يوجدها في حيز المثول فيعمل من خلالها على أن يكون ليس أسير الزمن بل صانعه، بأن يهيء ذاته ويستعد للفعل والتفاعل والإضافة وليس مجرد ناقل ووسيط ومقلد ومتحرك في حيز الأمنيات لا متحقق ولا مقترب من قضيته ورغباته. وفي ثقافة "المعجزة" فإن الذي يحدث ببساطة أن الكائن يتحرر من أسر الزمن القائم في الأذهان ليصوغ زمنا آخر يتم إدخال الذوات إليه لترى ما لا يُرى وتسمع ما لا يُسمع وبذا تكون في عالم آخر.. برزخي وسماوي وإنساني ورائع.. زمن ليس له من صفات الأرض المخضبة بالاستاتيكية في التفكير.. إنه زمن تقلب الأحوال والشؤون.. زمن الاطلاق والمضي بعيدا.. وهذا معنى يحضر في الفنون والأدب الراقي والمعرفة الرفيعة. أن تكون إنسانا.. أن تصبح أمة.. أو دولة.. يحتاج تحرير الكائن من حيز ثقافة الزمن التقليدية.. العلاقة التي درجنا على اعتمادها ولقرون طويلة دون مراجعات.. فأنت مخلوق لا ليتحكم فيك الزمن ويعمل على إبادتك بل العكس أن تكون أنت سيد الزمن ومُسيِّره، سيد حاستك التي لم تكتشفها لتوجد من خلالها معناك الغائب.. mailto:[email protected]@gmail.com
مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب معان لفلسفة السعادة ! بقلم عماد البليك 04-08-15, 01:42 PM, عماد البليكالشوفينية بقلم عماد البليك 04-07-15, 01:36 PM, عماد البليكأبريل في حيز المراجعة بقلم عماد البليك 04-06-15, 04:52 AM, عماد البليكالتجربة الفنلندية بقلم عماد البليك 04-05-15, 02:17 PM, عماد البليكالطريق إلى تعليم جديد بقلم عماد البليك 04-04-15, 05:41 AM, عماد البليكفي منهج بناء الشخصية بقلم عماد البليك 04-02-15, 01:22 PM, عماد البليكالاستشراق مرة أخرى! بقلم عماد البليك 04-01-15, 02:25 PM, عماد البليكالصور النمطية للسوداني بقلم عماد البليك 03-31-15, 02:02 PM, عماد البليكجدل الرواية والتاريخ بقلم عماد البليك 03-30-15, 01:56 PM, عماد البليكحنين القواديس ! بقلم عماد البليك 03-28-15, 02:21 PM, عماد البليكتوثيق الفنون والتراث بقلم عماد البليك 03-27-15, 01:01 PM, عماد البليكرد الاعتبار للعرفان بقلم عماد البليك 03-25-15, 02:27 PM, عماد البليكإشكاليات الذائقة الجمالية بقلم عماد البليك 03-24-15, 02:16 PM, عماد البليكابن عربي الهندي ! بقلم عماد البليك 03-23-15, 02:01 PM, عماد البليكصندوق "بنو حنظل" بقلم عماد البليك 03-19-15, 03:47 PM, عماد البليكما بعد ريلكه ! بقلم عماد البليك 03-17-15, 03:27 PM, عماد البليكطقوس فنية في الحياة السودانية بقلم عماد البليك 03-16-15, 01:09 PM, عماد البليكالطبقات مرة أخرى ! بقلم عماد البليك 03-15-15, 01:13 PM, عماد البليكجهل كونديرا وفلسفة الاغتراب ! بقلم عماد البليك 03-12-15, 02:40 PM, عماد البليكالانتقام الرباني ! بقلم عماد البليك 03-11-15, 01:44 PM, عماد البليكأزمة النشر في السودان بقلم عماد البليك 03-10-15, 05:15 PM, عماد البليكالفاسد والمفُسِد بقلم عماد البليك 03-09-15, 01:44 PM, عماد البليكالاختلاف والهوية ! بقلم عماد البليك 03-08-15, 03:30 PM, عماد البليكالـديستوبيا ! بقلم عماد البليك 03-07-15, 02:15 PM, عماد البليكحقيقتي.. إرهابي ؟! بقلم عماد البليك 03-05-15, 12:37 PM, عماد البليكالساحر ينتظر المطر ! بقلم عماد البليك 03-04-15, 02:01 PM, عماد البليكسعة الأحلام وعبادة الصبر ! بقلم عماد البليك 03-03-15, 03:47 PM, عماد البليكعن سليم بركات والكرمل وعوالم أخرى! بقلم عماد البليك 03-02-15, 10:39 PM, عماد البليكوزارة الفلسفة! بقلم عماد البليك 03-02-15, 05:32 PM, عماد البليكصناعة الوهم ! بقلم عماد البليك 02-26-15, 03:02 PM, عماد البليكسينما.. سينما !! بقلم عماد البليك 02-25-15, 01:40 PM, عماد البليكواسيني والمريود بقلم عماد البليك 02-24-15, 02:57 PM, عماد البليكالمدن الملعونة ! بقلم عماد البليك 02-22-15, 01:26 PM, عماد البليكنهاية عصر البطل ! بقلم عماد البليك 02-19-15, 01:24 PM, عماد البليكما وراء الـتويوتا ! بقلم عماد البليك 02-18-15, 01:24 PM, عماد البليكحوار مع صديقي مُوسى ! بقلم عماد البليك 02-17-15, 04:44 AM, عماد البليكشياطين الحب وأشياء أخرى ! بقلم عماد البليك 02-15-15, 02:12 PM, عماد البليكالحداثة المزيفة وما بعدها المتوحش بقلم عماد البليك 02-14-15, 03:32 PM, عماد البليكما بين السردية السياسية والمدونة الأدبية بقلم عماد البليك 02-13-15, 01:31 PM, عماد البليكقوالب الثقافة وهاجس التحرير بقلم عماد البليك 02-11-15, 01:50 PM, عماد البليكلا يُحكى..أزمة السودان الثقافية بقلم عماد البليك 02-10-15, 05:15 AM, عماد البليكلا يُحكى فقر "سيتوبلازمات" الفكر السياسي السوداني بقلم عماد البليك 02-09-15, 05:13 AM, عماد البليكعندما يُبعث عبد الرحيم أبوذكرى في "مسمار تشيخوف" بقلم – عماد البليك 07-26-14, 08:31 AM, عماد البليكإلى أي حد يمكن لفكرة الوطن أن تنتمي للماضي؟ بقلم – عماد البليك 07-06-14, 00:32 AM, عماد البليكالمثقف السوداني.. الإنهزامية .. التنميط والدوغماتية 07-02-14, 09:33 AM, عماد البليكبهنس.. إرادة المسيح ضد تغييب المعنى ! عماد البليك 12-20-13, 03:08 PM, عماد البليكما بين نُظم الشيخ ومؤسسية طه .. يكون التباكي ونسج الأشواق !! عماد البليك 12-16-13, 05:11 AM, عماد البليكمستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (2- 20) عماد البليك 12-05-13, 06:01 AM, عماد البليكمستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (1- 20) عماد البليك 12-02-13, 04:48 AM, عماد البليك
|
|