Post: #1
Title: الصور النمطية للسوداني بقلم عماد البليك
Author: عماد البليك
Date: 03-31-2015, 03:02 PM
02:02 PM Mar, 31 2015 سودانيز اون لاين عماد البليك -مسقط-عمان مكتبتى فى سودانيزاونلاين
لا يحكى
عماد البليك مع إعلان الرئيس السوداني دخول السودان في طرف التحالف العربي في حرب اليمن وبغض النظر عن مناقشة مقتضيات هذه الحرب وهل هي صحيحة أم لا، فالذي أهدف لمعالجته هنا، ما يمكن الاصطلاح عليه بالصورة النمطية للشخصية السودانية سواء في المخيلة العربية، وهو موضوع كثيرا ما أنفق عليه الكلام والبحث ولكن دون الوصول إلى نتائج محددة بشأنه. وقد سألني أحد زملائي عن السبب الذي يجعل البعض يصف السوداني بأنه كسول، رغم أن هذا الحكم ليس سليما برأيه، فثمة سودانيين يعملون بجد ونشاط لأجل أن يحققوا أهدافهم في الحياة ويحرزون النجاح وفي كافة المهن والمناصب والمقامات. والواقع أن هذه الصورة موجودة خاصة اذا ما قمنا بربطها بالسياق الاقتصادي والراهن الحالي للدولة السودانية حيث أصبحنا في ذيل الدول من حيث صعوبة الأوضاع الاقتصادية وانهيار الكثير من المنظومات بحسب ما يأتي سنويا في تصنيفات المنظمات والتقارير الدولية، وبغض النظر اتفقنا مع هذه التقارير أم اتفقنا حولها فهي ذات أثر في الأخذ بها من قبل الكثيرين في العالم. لكن الصورة النمطية للشخصية السودانية هي أبعد من ذلك وهي ليست وليدة اللحظة، وربما لعبت بعض الظرفيات المعينة في فرض هذه الصورة لأهداف تتعلق بالتنافس الوظيفي بين الشعوب في منطقة الخليج ورغبة الكل في أن يكون هو صاحب القدح المعلى والمشهدية الأكثر ارتكازا والسوداني – بطبعه – أيضا معروف بأنه صوفي الحس لا يغامر كثيرا وبالتالي يمكن أن يتنازل ليس لأنه انهزم أو خاف بل لأنه رضي النفس ولا يقبل بالمهانة من أجل الماديات. والواقع على النقيض أن هذه الأسباب التي شكلت مثل هذه الصور النمطية لم تعد اليوم موجودة أو واقعية، حيث أن السوداني الأكثر حداثة ليس هو ذلك النمطي القديم، فالظرفيات وتغيرات الحياة الجديدة فرضت أشكالا وصورا غير مسبوقة للشخصية السودانية، قد يكون فيها السلبي والإيجابي، وإن كان الطابع العام هو التماهي مع متطلبات العصر الجديد وإيقاع الحياة الذي لم يعد مختلفا كسابقه، ففي الجيل الراهن ثمة من يتأنق ويعمل على توطيد ذاته وعزته ومكانته وينافس بكل جدارة، وهذا مع الاكتمال الذي يكون بالتأهيل الأكاديمي والمعرفي حتما يؤدي لنتائج طيبة. مع الحرب الأخيرة منذ أيام، بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تروج للعديد من النكات والطرائف التي تتعلق بصورة الجندي السوداني في الحرب، وهي مشهديات ساخرة ذات بعدين: بعد يُصور الشخصية السودانية وكونها كسولة وربما أيضا فيها شيء من عدم التركيز أو الإهمال واللامبالاة، والبعد الثاني يتعلق بضعف الدولة السودانية التي شاركت بعدد بسيط من الطائرات وهي أمر رمزي على أية حال، بالإضافة إلى ضعف هذه الآليات والتشكك في قدرتها والكفاءة الآلية لها. في البعد الأول كانت الطرائف تدور حول كيف أن الجندي أو الطيار السوداني، قام بضرب السفارة اليمنية في الخرطوم اختصارا للوقت والزمن وفسر ذلك بالكسل واللامبالاة.. لكن للصورة وجهة أخرى بتقديري فهي تكتشف أيضا عن الذكاء البديهي، فإذا كان الهدف هو القدرات اليمنية فهاقد دمرناها، كأن هذا لسان حال الجندي الطائر. وعلى صعيد آخر كانت الطرائف تتخوف من سقوط الطائرات السودانية لأنها ضعيفة من حيث الكفاءة الفنية والصيانة، خاصة مع توارد الأخبار المتكررة عن سقوط الطائرات في حروب السودان اليومية داخل البلاد. هناك أمر آخر يتعلق بمسألة شديدة الحساسية استعادت صورة محمد علي باشا ورحلته إلى السودان في مطلع القرن التاسع عشر، بهدف البحث عن الرجال الأقوياء، فالجيش السوداني سيشارك بقوات برية، وهذا يعني قدرة الجندي على القتال البري وكونه شجاع ومن الأشاوس، وهذا جانب إيجابي لكنه أيضا له بعده السلبي في كونه ضحية التفوق بين الشعوب بفعل المادة، فالذي يتقدم الركب في الحرب، هو الأضعف في هذا الإطار ومن هنا تنطلق التفاوتات المعروفة التي تشير إلى تهميش الشخصية السودانية. ولكي نحدث بعض المراجعات سأعود إلى أنه قبل مدة وفي أحد المواقع الإلكترونية طرح أحدهم موضوعا حول قدرات السودانيين على كسب الوظائف في دول المهجر، وأثار النقاش العديد من القضايا التي تكشف أننا نحن "السودانيون" لا نعرف كيف نسوّق لأنفسنا، بجدارة. ورأى البعض أن الكثير منا يعتمد على "الحس الصوفي" في التعامل مع الآخرين بظن أن صاحب العمل سوف يفهمه ويدرك قدراته من خلال تبصر ذاتي اعتمادا على الحدس، وأن ذلك أثر لثقافة التصوف التي تنتشر في السودان والتي ملخصها الزهد في الأشياء، والتعامل مع العالم وفق البساطة، وأن الآخرين يمكن أن يقبلنا بناء على هذا الشكل المبدئي. يضاف لذلك فكرة "التواضع" بمعنى أن الفرد يظن أن الحديث عن إمكانياته سوف يقلل من شأنه ويظهره كما لو كان يلهث وراء الوظيفة وبالتالي هو "محتاج".. والحوجة في ثقاتنا "تقلل من الشأن" وهي عيب!!، وأبعد من ذلك فأن البعض يعتقد أن المظهر الجميل والجيد سوف يشكك فيه ويخصم من قبوله. لكن على العكس تماما فنحن ننتمي اليوم لدنيا تؤمن بالمظهر قبل الجوهر، فإذا كان ثمة ما هو مقبول أكثر من السوداني في العمل فذلك ليس لأنه أكثر استحقاقا وعلما وقدرة، بل لأنه يعرف كيف يكسب الوظيفة من خلال مهارات التقديم الجيد لنفسه. وهو علم قبل أن يكون حالة من تهميش الذات والإيمان بالمبادئ القديمة القائمة على أن الإنسان يجب أن يكون هو، هو.. لا يبدل ولا يتغير ساعة يتعلق الأمر بالتواصل مع المجتمع الخارجي. هذه المسألة رغم بساطتها تكشف صورة عن الشخصية السودانية في مركبها التاريخي والذي ما زال يتغلغل في ثنايا الكثيرين، بما في ذلك الأجيال الجديدة التي تستصحب معها قيم الآباء والأجداد، حتى لو أنها تذرعت بلباس عصري. صحيح أن التواضع شيء جميل، والظهور بمظهر بسيط هو من شيم العارفين الكبار، لكن ساعة يتعلق الموضوع بلقمة العيش يختلف الوضع. والمسألة لا تتعلق بتزييف أو كذب أو خداع بل بتعريف حقيقي وصحيح بالذات ومهارات الفرد، وهو ما يبحث عنه صاحب العمل الذي يريد أن يتعرف من خلال المقابلة الشخصية على ذلك الشخص الذي يجلس أمامه هل هو مؤهل للعمل في الوظيفة المعينة أم لا. فتخيل أنك صاحب عمل، وتريد توظيف مترجم على سبيل المثال. ويأتيك شخص بملبس غير مرتب، ولحيته غير حليقة، وحذاؤه غير ملمع. فمهما كانت درجة إجادته للترجمة حتى لو كان بقدرات شكسبير فلن تهتم به، لأنك سوف تصطدم بالمظهر منذ البداية، وستقول لنفسك إذا كان هذا البني آدم لا يهتم بشكله فكيف سيهتم بأن يكون مجيدا في عمله. فالمظهر والجوهر يكملان بعضهما البعض. وهي مهارة نحتاج إلى أن نعيد لها الاعتبار، وإذا كان البعض يردد أن القلب هو الذي يرى ففي زماننا هذا قلت مساحة القلب وتضاءلت في ظل الحضارة الجديدة لصالح مساحة العين، في عصر أبرز سماته أنه يهتم بالصورة وهي أبلغ من ألف كلمة. فما أحوجنا أن نعيد النظر إلى ذواتنا لنراها بوجهة جديدة. ولنتأمل من الحروب إذن؟ والواقع إن الإطار العام لجملة هذه السردية يغلب عليه الطابع الذي يقود إلى أن معنى الذات ينطلق في المقام الأول من الإحساس الذي تفرضه على الآخر، والأجدر بأن ينشغل الإنسان بنفسه لا بالآخرين ماذا يقولون عنه. لأن تعريف الآخر في حد ذاته أمر مربك وغير واضح تماما، من هو بالنسبة لي؟ mailto:[email protected]@gmail.com
مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب
جدل الرواية والتاريخ بقلم عماد البليك 03-30-15, 01:56 PM, عماد البليكحنين القواديس ! بقلم عماد البليك 03-28-15, 02:21 PM, عماد البليكتوثيق الفنون والتراث بقلم عماد البليك 03-27-15, 01:01 PM, عماد البليكرد الاعتبار للعرفان بقلم عماد البليك 03-25-15, 02:27 PM, عماد البليكإشكاليات الذائقة الجمالية بقلم عماد البليك 03-24-15, 02:16 PM, عماد البليكابن عربي الهندي ! بقلم عماد البليك 03-23-15, 02:01 PM, عماد البليكصندوق "بنو حنظل" بقلم عماد البليك 03-19-15, 03:47 PM, عماد البليكما بعد ريلكه ! بقلم عماد البليك 03-17-15, 03:27 PM, عماد البليكطقوس فنية في الحياة السودانية بقلم عماد البليك 03-16-15, 01:09 PM, عماد البليكالطبقات مرة أخرى ! بقلم عماد البليك 03-15-15, 01:13 PM, عماد البليكجهل كونديرا وفلسفة الاغتراب ! بقلم عماد البليك 03-12-15, 02:40 PM, عماد البليكالانتقام الرباني ! بقلم عماد البليك 03-11-15, 01:44 PM, عماد البليكأزمة النشر في السودان بقلم عماد البليك 03-10-15, 05:15 PM, عماد البليكالفاسد والمفُسِد بقلم عماد البليك 03-09-15, 01:44 PM, عماد البليكالاختلاف والهوية ! بقلم عماد البليك 03-08-15, 03:30 PM, عماد البليكالـديستوبيا ! بقلم عماد البليك 03-07-15, 02:15 PM, عماد البليكحقيقتي.. إرهابي ؟! بقلم عماد البليك 03-05-15, 12:37 PM, عماد البليكالساحر ينتظر المطر ! بقلم عماد البليك 03-04-15, 02:01 PM, عماد البليكسعة الأحلام وعبادة الصبر ! بقلم عماد البليك 03-03-15, 03:47 PM, عماد البليكعن سليم بركات والكرمل وعوالم أخرى! بقلم عماد البليك 03-02-15, 10:39 PM, عماد البليكوزارة الفلسفة! بقلم عماد البليك 03-02-15, 05:32 PM, عماد البليكصناعة الوهم ! بقلم عماد البليك 02-26-15, 03:02 PM, عماد البليكسينما.. سينما !! بقلم عماد البليك 02-25-15, 01:40 PM, عماد البليكواسيني والمريود بقلم عماد البليك 02-24-15, 02:57 PM, عماد البليكالمدن الملعونة ! بقلم عماد البليك 02-22-15, 01:26 PM, عماد البليكنهاية عصر البطل ! بقلم عماد البليك 02-19-15, 01:24 PM, عماد البليكما وراء الـتويوتا ! بقلم عماد البليك 02-18-15, 01:24 PM, عماد البليكحوار مع صديقي مُوسى ! بقلم عماد البليك 02-17-15, 04:44 AM, عماد البليكشياطين الحب وأشياء أخرى ! بقلم عماد البليك 02-15-15, 02:12 PM, عماد البليكالحداثة المزيفة وما بعدها المتوحش بقلم عماد البليك 02-14-15, 03:32 PM, عماد البليكما بين السردية السياسية والمدونة الأدبية بقلم عماد البليك 02-13-15, 01:31 PM, عماد البليكقوالب الثقافة وهاجس التحرير بقلم عماد البليك 02-11-15, 01:50 PM, عماد البليكلا يُحكى..أزمة السودان الثقافية بقلم عماد البليك 02-10-15, 05:15 AM, عماد البليكلا يُحكى فقر "سيتوبلازمات" الفكر السياسي السوداني بقلم عماد البليك 02-09-15, 05:13 AM, عماد البليكعندما يُبعث عبد الرحيم أبوذكرى في "مسمار تشيخوف" بقلم – عماد البليك 07-26-14, 08:31 AM, عماد البليكإلى أي حد يمكن لفكرة الوطن أن تنتمي للماضي؟ بقلم – عماد البليك 07-06-14, 00:32 AM, عماد البليكالمثقف السوداني.. الإنهزامية .. التنميط والدوغماتية 07-02-14, 09:33 AM, عماد البليكبهنس.. إرادة المسيح ضد تغييب المعنى ! عماد البليك 12-20-13, 03:08 PM, عماد البليكما بين نُظم الشيخ ومؤسسية طه .. يكون التباكي ونسج الأشواق !! عماد البليك 12-16-13, 05:11 AM, عماد البليكمستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (2- 20) عماد البليك 12-05-13, 06:01 AM, عماد البليكمستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (1- 20) عماد البليك 12-02-13, 04:48 AM, عماد البليك
|
|