كذب البشير وسيلته للصدق أم للتجمل؟ بقلم صلاح شعيب

كذب البشير وسيلته للصدق أم للتجمل؟ بقلم صلاح شعيب


02-27-2015, 02:49 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1425044966&rn=1


Post: #1
Title: كذب البشير وسيلته للصدق أم للتجمل؟ بقلم صلاح شعيب
Author: صلاح شعيب
Date: 02-27-2015, 02:49 PM
Parent: #0

01:49 PM Feb, 27 2015
سودانيز أون لاين
صلاح شعيب - واشنطن-الولايات المتحدة
مكتبتي في سودانيزاونلاين



حين قبضت الحركة الإسلامية على روح السلطة نضح ماعونها الثقافي ـ أول ما نضح ـ بقدرتها البارعة على إجادة الخداع كتقية حتى لا يفتضح أمر مشروعها الحضاري. ذلك الخداع كان بعضا من ثقافة سياسية يحترف تقديمها عدد من السياسيين، ولكنها لا ترقى أبدا إلى أن تكون ثقافة دينية بمعايير المواريث الإسلامية. فكيف يشرف المرء العاقل كثيرا الانتماء إلى دين ذرائعي هو نقيض مثله، وقيمه، التي يطرحها لإصلاح البشرية؟. وإن كانت مواريث الإسلام حقا تبيح الكذب وسط المسلمين المتنافسين كوسيلة لانتصار بعضهم على بعض سياسيا، فما الداعي لتعزيز الصدق وسط النشطاء المسلمين الذين يفرض عليهم الواقع أن يتعاونوا بمذاهبهم لإقامة دولة الحق المثال قبل نشر النموذج في الأرض. وإن كان من الجائز شرعا لـ"المسلم ـ الإسلامي" أن يكذب على "المسلم - غير الإسلامي" فهل من الدين في شئ أنه ينبغي لعلاقة مسلم بمسلم أن تنبني على الخداع متى ما اختلفا في أمر بناء بلديهما؟.
هناك أسئلة كثيرة كهذه تطرح نفسها إنطلاقا من الكذب الذي جذرته الحركة الإسلامية في السودان، وصار هو الذي يحكم حال رئيسها برعيته، والعالم، بما فيه من مسلمين، وغير مسلمين. وكذب البشير الأخير في الإمارات التي فرض نفسه عليها ليس هو الأول الذي يريد تسويقه لشعب الإمارات، وحكومتها، وحتما لن يكون الأخير. إنها سياسة متأصلة في تكتيكات معظم من انتموا إلى الحركات الإسلامية. وهذا الكذب الفاضح بأبعاد البشير دولته عن الإسلاميين في المنطقة لا يمثل نقصا في المروءة، والجسارة، والثبات على المبدأ، كما نرى. وإنما هو كذب متفق عليه بين الإسلاميين في السودان، وبين زملائهم في العالم بأسره. ولعل ما قاله البشير لصحيفة الاتحاد الظبيانية من كذبة بلقاء هو مفهوم لدى القرضاوي، والغنوشي، وخلافهما. فهذان الزميلان من الإخوان، مثالا، لن يستغربا ما رأيناه كذبا في سياق تصريح البشير، بل سيفهمون سياق المخاطر التي تهدد أخوهما، ودولته الذي دعاه للمواربة. إنهما سيرحبان بما تنطوي عليه فكرته من مكر للمحافظة على حكومة السودان التي ترعى بؤرة العمل السري للإسلاميين في العالم.
ولذلك فإن القرضاوي، والغنوشي، سيباركان، من خلال موقعهما المرشدي، أي مسعى يبذله أخاهما الذي حاصرته التحديات من كل حدب، وصوب. وبالنسبة للقرضاوي فما أدراه بالمحنة السياسية، والاقتصادية الإقليمية الأبعاد، والتي تحتاج لبراعة في "الاجتهاد" الذي فيه أجران! وهكذا هم أهل الدين في تقدير حساباتهم السياسية القاتلة. فعندما يعجزون عن الاعتراف بالخطأ يردون الأمر لله ورسوله! ومن ثم يتخبطون في اجتزاء الآيات، والأحاديث، وتحويرها حتى تنطلي "التخريجات" على غالب الناس، وأحيانا على أنفسهم.
إن التصريح الذي نسب إلى البشير ليس هو مما نضح به قلبه صادقا، وإنما هو فعل سياسي في المقام الأول يندرج تحت إطار كذبه الذي أسسل لعلاقته الدموية مع السودانيين. وفي الواقع لا مناص أمام الديكتاتور البشير، حينذاك والآن، إلا تحويل الكذب إلى سياسة عامة حتى إن توطد التمكين صار الكذب وسط الإسلاميين المختلفين بعضهم بعضا منهجا، ونبراسا، لتأكيد أحقية الكاذب في الاقتراب إلى الله. وذلك يعني أنه إن كذب علي عثمان على البشير فإن الأول، أو الثاني، يرى أنه في الموقف الصحيح لخدمة الدين، وذلك هو أمر تطويع الدين. فمن السهل جدا أن يتأسس الخلاف الشخصي على آيات، وأحاديث، وبالتالي يدعي كل طرف أن الله معه، أو هو الله ذاته لا يهم.
وعلى مدى التاريخ الإسلامي هناك أمثلة كثيرة عن تحوير الخلاف حول الشخصي، أو السياسي، وإلباسه ثوب المسوغات الدينية لدى طرفين مختصمين حول شؤون الدولة. وبهذا النهج في تطويع الدين هتكت ملايين الأنفس، وخربت ديار، وقدم الإسلام بشكل قبيح للمسلمين، وغير المسلمين. بل إن كثيرا من المسلمين تخلوا عن الإسلام بسبب هذا الإصرار المذهبي على ربط ذاته بالكتاب، والسنة. وبالتالي اختلط الديني بالديني، والديني بالسياسي، والسياسي الدين بالسياسي الديني. وأكثر من هذا اضمحلت فرص تقديم الإسلام بمرجعية تحديثية تحقق تطلعات الجماعة المسلمة باتفاقهم، وتشيع حرية الفرد بمحض إرادة ضميره، وتؤسس دولة تكون نموذجا للبشرية.
ما أضافه إسلام البشير، وحركته الإسلامية، لهذا التراث الاقتتالي الذي دام قرونا وسط المسلمين هو أنه حقن الكذب في أتون تنافس المسلمين بعضهم بعضهم للقبض على روح السلطة، لا إحيائها، بناء على حوار فرضياتهم المذهبية ديموقراطيا. وبالتالي يغدو الحديث عن الفاعلية التنموية لسد مروي، وقيمة الحوار الوطني، وحل قضية الجنوب، ومناطق النزاع، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، والثورة الزراعية، إلخ، نوعا من الخداع الذي يخدر المواطنين ريثما يقضي كل إسلامي ناشط في الدولة وطرا من غنيمة الدولة.
لن نفهم كذب "بشير" الإسلام السياسي السوداني، و"نذيره"، حقا إلا إذا تواضعنا على حقيقة أن الدين ظل تاريخيا مختطفا بواسطة المذهبيات السياسية التقليدية. وليت أمر الكذب المؤسس على الدين اقتصر على الإسلام السياسي ففي تاريخنا السياسي، والديني، هناك أكاذيب كثيرة ما تزال تفرض وجودها في بعض العقول السودانية بعد أن صبغت بالآيات، والأحاديث، والاجتهاد السياسي القائم على أرضية النزاع السلطوي. وللأسف ما تزال العقول الموكول إليها بناء الأمة تريد هدايتنا إلى "الدولة المدنية" بناء على هذا الكذب. إنها بالغش السياسي المتدين تسوق لمسلمي السودان مشروع الدولة المدنية، ولكنها تستبطن في داخله إسلاما سياسيا أفظع، وأثقل وطأة، وأكلح وجها.
إن من يدعون بأنهم إصلاحيون إسلاميون يمارسون الآن خداعا بأنهم يفضلون بعد فشل تجربتهم تحقيق الدولة المدنية. ولكنهم في الواقع يستفيدون من تراث التنظيم في الكذب حتى إن وصلوا إلى السلطة أخرجوا الكرت الأحمر لكل من يعارضونهم في الملعب السياسي.
إن استشراء ثقافة الكذب التي صعدت بها الحركة الإسلامية إلى درجات عليا في السودان انعكست على واقع العمل السياسي، ولذلك عرف الانتهازيون قيمة دور التعاطي السياسي الكاذب لدى إسلاميي الحكومة. فالآن فاقت التنظيمات السياسية المئات، والتي كلها تكذب على السلطة ـ بمعرفتها ـ لتزوير واقع الحياة السياسية. ولقد استمرأ انتهازيو الحرب فأسسوا عددا من الحركات المسلحة التي فاقت الثلاثين حزبا داخل البلاد، ولديهم مرشدهم الذي ينوب عنهم في تداول الكذب مع رئاسة الجمهورية، وإعلامه. وإذا فحصنا عضوية تنظيم حزبي، أو عسكري، متحالف مع السلطة، فإنها لن تتجاوز بضعة أفراد، ويمتد الكذب إلى أجهزة الإعلام الحكومي التي تضخمهم لتسد الطريق أمام التنظيمات السياسية المعارضة. ولا يقتصر الأمر على الواقع السياسي بل صار الكذب عرفا في الخدمة المدنية، وفي الإبداع، والإعلام، والتجارة، والتصنيع، وفي تحصيل الضرائب، والرياضة، والجامعات، والمستشفيات، وفي كل شئ يتصل بالسلطة.
كذب البشير مبرر بمرجعيته الدينية التي استند عليها في مستهل علاقته بالسودانيين، وأتى أكله لتنظيمه. ولكن يبدو أن الكذب المجتمعي السلطوي الذي وطنته الحركة الإسلامية في البلاد بحاجة إلى مجهود خرافي لإزالته في حال حدوث التغيير.
مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب
  • المشتركات الفقهية بين الحركة الإسلامية السودانية وداعش بقلم صلاح شعيب 13-02-15, 01:33 PM, صلاح شعيب
  • حول إلغاء نشاط اتحاد الكتاب السودانيين بقلم صلاح شعيب 06-02-15, 01:56 PM, صلاح شعيب
  • الإسلاميون والهوية السودانية: اصطدام الظلام بالضوء بقلم صلاح شعيب 26-01-15, 01:15 AM, صلاح شعيب
  • استبدادية غازي صلاح الدين القديمة بقلم صلاح شعيب 19-01-15, 00:13 AM, صلاح شعيب
  • جذور ضبابية المشهد السياسي بقلم صلاح شعيب 13-01-15, 04:41 AM, صلاح شعيب