في الذكرى الثلاثين لإعدام محمود محمد طه بقلم محمد محمود

في الذكرى الثلاثين لإعدام محمود محمد طه بقلم محمد محمود


01-17-2015, 09:09 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1421525393&rn=2


Post: #1
Title: في الذكرى الثلاثين لإعدام محمود محمد طه بقلم محمد محمود
Author: محمد محمود
Date: 01-17-2015, 09:09 PM
Parent: #0


1985 – 2015




كان يوم الجمعة 18 يناير 1985 من أثقل الأيام حزنا في تاريخ السودان الحديث.
منذ انبلاج خيوط الفجر الأولى شَخَص الناس بقلوب واجفة للساعة العاشرة. هل حقيقة سيقع هذا الفعل الهمجي؟ ألسنا نعيش في القرن العشرين؟ ألا تظلّنا مواثيق حقوق الإنسان؟
كلما اقتربت دقائق الساعة من العاشرة كلما تكثّفت ظلال الكآبة التي نشرت أجنحتها في أفق البلاد.
اجتمعوا بالآلاف في ساحة السجن الذي كان محاطا بقوى الجيش المدججة بالسلاح. انتشرت عيون الأمن في طول المكان وعرضه. احتلّ الكبار مقاعدهم في الصفوف الأمامية ليشهدوا إعدام الشيخ الأعزل الذي لم يملك إلا سلاح الكلمة.
قادوا محمود محمد طه، الشيخ السبعيني، نحو منصة الإعدام وقد انحبست الأنفاس. صفّدوه بالأغلال مما أثقل خطوه. إلا أنه صَعِد درج المنصة بثبات الذي تحرّر من قهر الخوف ولامسَ سلامَه الداخلي. نظر للجمع الكئيب حوله من عَلْياء لحظته. شعّ وجهه بالابتسام. كان صامتا كل الوقت وهو في حضرة الموت، وكأنه قد نفذ من المكان والزمان ودخل في لامكان ولازمان ذلك الإطلاق الذي طالما تحدّث عنه. ما الذي كان يجول في خاطره وفمه يفترّ عن ابتسامته؟ ربما هتف وعيه في تلك اللحظة بالكلمات المنسوبة لعيسى وهو على الصليب يقول "يا أبت اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ما يفعلون"، وربما هتف وعيه بالكلمات المنسوبة للحسين بن منصور الحلاج وهم على وشك صلبه يقول "فاعفُ عن الخلق ولا تعفُ عني وارحمهم ولا ترحمني، فلا أخاصمك لنفسي". وربما أفرغ وعيه من كل ذلك ووجد نفسه في مقام "ما زاغ البصرُ وما طغى"، تلك الآية التي كان يحبها ويراها قمة مشتهى السالك.
وعند العاشرة دقّت ساعة اللحظة المهيبة، لحظة التنفيذ.
غطّوا رأسه. تقدّم حارسان وجذبا حبل المشنقة وأحكماه حول عنقه. ابتعدا فجأة. انفتحت المنصة. انشدّ الحبل. تدلّى الجسد. تعالت هتافات حشود الإسلاميين "الله أكبر". ظل الجسد متدليا بضع دقائق. أُنزل الجسد على عجل لـتأخذه طائرة مروحية إلى مكان مجهول.
الرجل الذي دخل العالم صارخا في لحظة لم يوثّفها أحد وظلّ لا يعرف تاريخ ميلاده، خرج منه صامتا في لحظة موت علني وثّقه التاريخ بدقيقته وساعته وحبس أنفاسه وهو يرمُقه.

هذه اللحظة لم تنفصل عما سبقها من تطور مفاجيء منذ سبتمبر 1983 عندما أعلن نظام جعفر نميري تطبيق حدود الشريعة. ولقد أعلن محمود محمد طه وجماعة الجمهوريين الدينية السياسية التي كان يتزعمها معارضتهم لهذه الإجراءات وقال بيانهم المشهور "هذا أو الطوفان" الذي صدر بتاريخ 25 ديسمبر 1984 إن هذه القوانين "أذلت هذا الشعب، وأهانته، فلم يجد على يديها سوى السيف والسوط". ولقد سبق هذه اللحظة الكثير من "السيف والسوط" فيما تعرّض له السودانيون، وخاصة الفقراء والمهمشّين منهم، من قهر الحدود. ووجد العشرات منهم ولأول مرة في تاريخ السودان المعاصر أنفسهم وقد فقدوا أطرافهم من أيدٍ وأرجل، بينما أضحى إذلال الجلد أمرا مألوفا لا يثير استغراب الكثيرين. وعلى بشاعة ما حدث للمواطنين الذين تعرّضوا لتنكيل الحدود فإن لحظة الإعدام العلني لطه والذي حشد له النظام أقصى ما كان يمكنه أن يحشد من جماهير كانت لحظة نقلت التجربة الإسلامية نقلة نوعية إذ جمعت بين بشاعة الحدود والتخطيط لدفع السودانيين بكاملهم للدخول في عصر انتكاس وانحطاط جديد. ألا يعني انحشاد الجماهير وهتافها ومباركتها أن الشعب نفسه قد تواطأ مع النظام، ألا يعنى هذا أنه قد شارك في الإعدام على مستوى من المستويات؟ وبعد صدمة الإعدام العلني لطه سارع النظام بصدمة ثانية ليكرّس عصر الانحطاط الجديد فعرض تلفزيونه استتابة علنية لأربعة من أتباع طه وتراجعهم عن أفكارهم.
وهكذا اكتملت دائرة الشريعة ووُلد واقع الانحطاط الجديد الذي لا يزال السودانيون يرزحون تحته. فالشريعة نظام لم يفارق قهرُه السودانيين حتى على عهد الاستعمار الذي أبقى على قوانين الأحوال الشخصية والميراث، بكل مظاهر تمييزها ضد المرأة. إلا أن فترة الاستعمار وفترة الحكم الوطني حتى سبتمبر 1983 ألغت الحدود التي كانت قد بعثتها المهدية. وبإعلان قوانين سبتمبر 1983 اكتملت دائرة الشريعة واحتضن السودان ماضيه المهدوي من ناحية وتماهي مع رؤية الحركة الإسلامية المعاصرة من ناحية أخرى.
وفي الذكرى الثلاثين لإعدام طه لابد من التمييز بين ما حدث له وبين موقفه الفكري والسياسي الذي ظلّ يدافع عنه طيلة حياته. لقد تصدّى طه بشجاعة لنظام نميري بعد فرض قوانين سبتمبر وقدّم حياته ثمنا للتمسك الصلب بموقفه. وهو عندما فعل ذلك قدّم نموذجا ناصعا وساميا لضرورة التمسك بالمبدأ ودرسا بليغا للسودانيين وغير السودانيين في حاضرهم ومستقبلهم. إلا أن الحقيقة التي لابد من تقريرها أن طه لم ينطلق في معارضته لقوانين سبتمبر من معارضته لنظام نميري أو من معارضة مبدأية للحدود. كان طه مؤيدا لنظام نميري وظل في واقع الأمر مُقِرّا بشرعية النظام حتى عندما أصدر بيان "هذا أو الطوفان". أما فيما يتعلق بالحدود فقد كان من المدافعين عن عقوبات الشريعة (الحدود والقِصاص) والمبررين لها و"لحكمتها" وأنها أصل من أصول الإسلام لا يمكن إلغاؤه. ولقد انصبّ نقدُ طه لقوانين سبتمبر على اختلافات مع مشرّعيها حول تفسير القوانين، وحول اشتمالها على عقوبات غير شرعية، بالإضافة لغياب شرط تهيئة البيئة التي تبيح إقامة تشاريع الحدود والقِصاص، إذ أن هذه التشاريع لا تقوم إلا "على أرضية من التربية الفردية ومن العدالة الاجتماعية". وفي الواقع فإن بعث عقوبات الشريعة هو أحد عناصر مشروع طه لبعث الإسلام، أو بعث ما يسميه "الرسالة الثانية من الإسلام".
عندما أصدر طه بيانه التاريخي في ديسمبر 1984 كان همّه الأساسي هو إثناء النظام عن السير في طريق تطبيق الحدود التي رأى فيها تشويها للإسلام ومخالفة للشريعة والدين. وعندما استخدم الإسلاميون هذا البيان كذريعة لتصفية حساباتهم التاريخية معه وبعثوا حكم الردة (الذي لم تشمله قوانين سبتمبر) وأعدموه نقلوا قضية الشريعة كلها لمستوى مختلف وأكبر وأشمل، إذ أصبحت الشريعة تعديا على حق إنساني أصيل هو حق حرية الفكر والاعتقاد والضمير والتعبير.
هذه هي القضية التي ورثها السودانيون عقب إعدام طه، وهذا الحق الأساسي هو ما يناضلون اليوم من أجل استعادته رغم القهر الشامل الذي يُطْبِق على حياتهم منذ يونيو 1989 عقب انقلاب الإسلاميين على الشرعية الديمقراطية وتكريسهم لواقع الانحطاط الجديد.

محمد محمود أكاديمي سوداني، مدير مركز الدراسات النقدية للأديان ومؤلف كتاب
Quest for Divinity: A Critical Examination of the Thought of Mahmud Muhammad Taha (Syracuse, NY: Syracuse University Press, 2007)
(*) هذه المقالة عبارة عن كلمة العدد الثاني من مجلة العقلاني (مجلة مركز الدراسات النقدية للأديان – لندن) والمكرّس لقضية الرِّدّة وحرية الفكر في الإسلام. ويمكن الاتصال بالمركز على
mailto:[email protected]@criticalcentre.org
(**) للتعبير عن وقفتكم التضامنية مع حق حرية الفكر والتعبير يمكنكم زيارة الموقعين التاليين والتوقيع:

رابط عربي (موقع الحوار المتمدن):
http://ehamalat.com/Ar/sign_petitions.aspx?pid=694http://ehamalat.com/Ar/sign_petitions.aspx?pid=694

رابط إنجليزي (موقع أفاز):
https://secure.avaaz.org/en/petition/Public_Opinion_Please_sign_in_solidarity_1/share/?new

Post: #2
Title: Re: في الذكرى الثلاثين لإعدام محمود محمد طه بقلم محمد محمود
Author: عبدالله عثمان
Date: 01-18-2015, 06:01 AM
Parent: #1

64.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

Post: #3
Title: Re: في الذكرى الثلاثين لإعدام محمود محمد طه بقلم محمد محمود
Author: دينا خالد
Date: 01-20-2015, 11:23 AM

Quote: وفي الذكرى الثلاثين لإعدام طه لابد من التمييز بين ما حدث له وبين موقفه الفكري والسياسي الذي ظلّ يدافع عنه طيلة حياته. لقد تصدّى طه بشجاعة لنظام نميري بعد فرض قوانين سبتمبر وقدّم حياته ثمنا للتمسك الصلب بموقفه. وهو عندما فعل ذلك قدّم نموذجا ناصعا وساميا لضرورة التمسك بالمبدأ ودرسا بليغا للسودانيين وغير السودانيين في حاضرهم ومستقبلهم. إلا أن الحقيقة التي لابد من تقريرها أن طه لم ينطلق في معارضته لقوانين سبتمبر من معارضته لنظام نميري أو من معارضة مبدأية للحدود.


استاذى محمد محمود لا فض فوك ...
هذا مبدا سامى بين اختلافنا الفكرى مع الاشخاص والمدارس والفكر والايدلوجيات
وبين اكبارنا لنزاهة سلوكها وعفة يدها ومبدئيتها وصلابتها .... فهنا اختلاف الراى
ابدا لن يفسد للود قضية ...
ويظهر الفرق جليا بين خلافنا مع الاخوان المسلمين وتلوث اياديهم وافكارهم بروث
السلوك وعدم المبدئية والجبن الذى يولد كل ماهو دنىء وخبيث فهنا ينعدم الفكر
ويتلاشى الود وتقف وجها لوجه امام ممارسات قبيحة عارية من كل فكر او فكرة ...
شكرا .... اقرا لك بكثير من الود والاعزاز دائما ..






ـــــــــــــــــــــــــ
Quote: الا يعني انحشاد الجماهير وهتافها ومباركتها أن الشعب نفسه قد تواطأ مع النظام، ألا يعنى هذا أنه قد شارك في الإعدام على مستوى من المستويات؟

انه الجهل الجهل سيدى وغياب الوعى ... فهم لا يعون حقيقة الفعل الذى تم امامهم ... بالجهل تساهم الشعوب على كافة مستويات الجريمة اينما كانت
لا حل الا الوعى .. الاستنارة ...

Post: #4
Title: Re: الذّكرى الثلاثين لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه
Author: Haydar Badawi Sadig
Date: 01-21-2015, 04:52 PM
Parent: #3

عزيزي محمد،

تحياتي ووافر معزتي وشوقي،
استمتعت بقراءة المقال. ولكني في عجلةمن أ/مري. أرجو أن أتمكن من العودة
للمساهمة معك، من خلال، منظورك، ومن خلافه ، أن نساهم في رفع مستوى
الحوار في هذه المنبر الحر.

ولك وتحيتي ومحبتي

Post: #5
Title: Re: الذّكرى الثلاثين لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه
Author: Amin Elsayed
Date: 01-21-2015, 05:47 PM
Parent: #4


أصدر "مركز الدراسات النقدية للأديان" العدد الثاني من مجلة : " العقلاني".
وهذا العدد مكرس للذكرى الثلاثين لإعدام الأستاذ/ محمود محمد طه.
يمكن الحصول عليها بطلب المجلة مباشرة من مركز الدراسات النقدية للأديان
يبلغ سعر المجلة خمسة جنيهات استرلينية،
(وستضاف في هذه الحالة قيمة البريد لسعر المجلة).
و يمكن الاتصال بالمركز
بإرسال إيميل
contact [at] criticalcentre.org
او في لندن من مكتبة دار الساقي

aqlani.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

Post: #6
Title: Re: في الذكرى الثلاثين لإعدام محمود محمد طه بقلم محمد محمود
Author: همام الطيب
Date: 01-22-2015, 09:24 AM
Parent: #1

الحمد لله الذي أذهب عنّا الأذي و عافانا… رحم الله المشير جعفر نميري ، الذي وفِقَ لإماتت تلك الفتنة و قطع رأس ذلك المرتد…

Post: #7
Title: Re: في الذكرى الثلاثين لإعدام محمود محمد طه بقلم محمد محمود
Author: فيصل محمد مكي
Date: 01-23-2015, 06:38 AM
Parent: #1

السجية الفاضلة في الإنسان المؤمن الموحد بالله حقاَ لا تتبدل حسب الأهواء ، وهي تلك الوقفة الجازمة التي لا تقبل التردد أو المجاملة ، فالمؤمن الصادق لا يميل إطلاقاَ من منطلقات العواطف حين يمس الأمر جانباَ من ثوابت التوحيد والعبادات ، فهو يتمسك بشدة بتلك العقيدة الإيمانية القوية المخلصة ، ويرفض كل شائبة تمس العقيدة من بعيد أو قريب ، ويقاوم بشدة كل من يبرز ويجتهد بفلسفة جديدة في ثوابت العقيدة الأساسية ، ذلك المفرط المتطاول الذي يجتهد ويأتي بالجديد المتهور لتبديل أو تعديل ركن من أركان العبادات الأساسية ، تلك الكبيرة الخطيرة للغاية التي تخالف الكتاب والسنة صريحاَ وجريئاَ ، ومع الأسف الشديد فإن تلك الظاهرة ترد في مسارات الأمم من وقت لآخر حين يبرز أحدهم فجأة ليأتي بجديد الفرية في الدين ، ذلك الجديد الخطير ، ثم يتمسك بتلك الفرية مخالفاَ كل الثوابت المدعومة بالآيات الصريحة ، ومخالفاَ لخطوات الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) قولاَ وفعلاَ ، فمثل ذلك الإنسان يفقد الدعم فطرياَ من الجمهور المسلم المؤمن أينما تواجد في العالم ، وشائبة الفرية في أركان الدين الأساسية تظل راسخة وقوية في أذهان الناس حين ترد سيرة صاحب الفرية في الدين ، وأي جدل بعد ذلك لا يقدم ولا يؤخر مهما يجتهد المجتهدون ، ويدخل في خانة تحصيل حاصل ، حتى ولو قالت عنه الألسن كل أنواع المحاسن التي تليق بأهل الدنيا ولا تليق بأهل العقيدة ، وحتى ولو أجتهد المجتهدون في تأليف الآلاف من المجلدات والكتب لتحسين الصورة تحت أي غطاء من أغطية المسميات ، فإن الكبيرة هي الكبيرة ، وأن الحقيقة المؤسفة تظل هي الحقيقة إلى قيام الساعة ، والناس تتعجب من محاولات البعض ليلاَ ونهاراَ في ترميم ما لا يكون إطلاقاَ ، فتلك الشخصيات تظل رهينة أفعالها وأقوالها وفلسفاتها إلى الأبد ، ولن تتغير الصورة في أذهان الناس لمجرد مجتهد يجتهد بكل ما يملك من قوة ليوجد صورة مزيفة منمقة مقرونة بسيل من المفاخر والأمجاد ليمحو كبيرة الفرية التي لا تغتفر إطلاقاً ، وتلك المحاولات تفقد المفعول وتظل عقيمة ، ولا تمحو من ذاكرة الناس تلك الفرية الكبيرة مهما تكررت تلك المحاولات ، فالسيرة هي السيرة !! .