هل هنالك حرب بين الوجود والمعرفة؟ بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد

هل هنالك حرب بين الوجود والمعرفة؟ بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد


01-05-2015, 03:31 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1420468285&rn=0


Post: #1
Title: هل هنالك حرب بين الوجود والمعرفة؟ بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
Author: عبد المؤمن إبراهيم أحمد
Date: 01-05-2015, 03:31 PM

نقول إنه إذا كان هنالك عالم روحي حقيقي موجود بحسب الفهم الديني فهذا العالم لا يصح ولا يقوم ولا يعرف إلا في إطار التجريد، لأن التجريد هو المقدرة على الخلق التخيلي من غير مادة متحيزة أو هو القدرة على تجريد الفكرة من مادتها والسير بها خارج الزمان والمكان. والإنسان عندما يموت يتجرد من كل شيء من ممتلكاته وحتى من جسده وكل الوجود المادي لكي يتمكن من دخول ذلك العالم. لذلك يطالب الدين الإنسان بأن ينظم ذلك البيت الداخلي لأنه مكان السكن المجرد بعد التخلص من كل المتعلقات المادية وكلما أمعن الإنسان في تنظيم وتنظيف ذلك المكان تمكن من تحقيق قدر عال من السعادة. هكذا بدا لي الأمر حين احاول تعقل حقائق الدين مع حقائق الوجود.
إجتهد الوجوديون من بعد كيركقارد من أمثال جاسبرز في سبيل إقامة فلسفة وجودية لا تحيل الوجود إلى معرفة. لذلك ينكر كارل جاسبرز (1883- 1969) إمكانية تعريف الموجود البشري كما نعرف الموجودات الأخرى، وقال إن هنالك حرب لا هوادة فيها بين المعرفة والوجود! ذلك لأنه أدرك أن الموجود البشري أكبر من الموجودات الأخرى. ولأن الذات التي تريد أن تعرف هي عين الموضوع الذي يراد معرفته! وهنا منبع الحرب. ولذلك يقول الوجوديون عش لوجود ولا تشغل نفسك بمعرفته. فهل معرفة النفس البشرية مستعصية كما هي مستعصية معرفة ذات الله تعالى؟ لأ أظن ذلك.
لا ننسى هنا أن المعرفة والبيان والعلم من أساسيات الخلق الإلهي والمشروع الديني (من منظور قرءاني). فمن أين ظهرت تلك الحرب بين المعرفة والوجود؟ أهي بسبب شجرة المعرفة التي أكل منها آدم (من منظور توراتي)؟ أهي حرب بين الحقيقة والواقع؟ أم يا ترى قد اكتشف جاسبرز أن الإنسان عبارة عن قصيدة أو قطعة فنية أكبر من قيود المعرفة والعقل التي لا تصلح إلا لتقييد وعقل وإدراك عالم الطبيعة؛ والإنسان أعظم من ذلك!
في الدين طرف من ذلك القول، بمعنى أن الدين كثيراً ما يعلن عن تقصير العقل في إدراك ومعرفة حقيقة الأشياء. أو بصورة أخرى التعقل الكامل لكل الأمر الإلهي في الدين بالمنطق يحجم عمل الروح والقلب ويعطل الإنطلاقة الوجدانية الكبرى التي يمكن للإنسان أن يحققها عن طريق الإيمان والتسليم والتذوق والحدس، تماماً مثلما يحجم العقل في بعده الحسي وجود الإنسان ويمنعه من الوصول لغاياته الوجودية الكبرى. بمعنى آخر يستطيع الإنسان، بحسب المفهوم الديني أن ينجز من وجوده عن طريق الإيمان والقلب والحياة في الله أكثر مما يمكنه إنجازه عن طريق التعقل والمنطق لحقائق الدين. ولكن التعقل والفكر والممارسة هما المدخل لعالم القلب والحياة. فهل تترك الوجودية، بهذا الفهم، العقل والمعرفة للتعامل مع العالم الطبيعي لتبحث عن أدوات أخرى لسبر أغوار النفس بمثل ما سبرنا أغوار الطبيعة؟ "إن العلم المسنود بالدفع الإلهي سيمضي بالإنسان إلى حدود لا يتصورها حتى إنسان القرن العشرين وسيدخل مناطق كان يحسبها محرمة عليه بمنطق الآيات المتشابهات، وسيكشف في خصائص الخلق الكوني ما هو غير مادي بعرفه، وسيصل إلى فهم للحركة يرقى حتى على فهم العلوم الفضائية وتجاربها الفيزيائية الراهنة" . هذا ما أظنه وهو ما نرى أن العلوم قد بدأت فعلاً في الكشف عنه.