حالة الجفاء بين الرئيس و المثقفين بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن

حالة الجفاء بين الرئيس و المثقفين بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن


01-04-2015, 04:54 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1420386894&rn=0


Post: #1
Title: حالة الجفاء بين الرئيس و المثقفين بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن
Author: زين العابدين صالح عبد الرحمن
Date: 01-04-2015, 04:54 PM

واحدة من القضايا المحيرة في السياسة السودانية، و التي تثير الكثير من التساؤلات، هي قضية العلاقة بين المثقفين و السلطة، و هي علاقة شابها الفتور و حالة من حالات الجفاء بين الجانبين، في كل مستوياتها و علي امتداد الزمن منذ الاستقلال حتى اليوم، رغم إن العلاقة كان من المفترض أن تكون علاقة حميمية بين الجانبين بعد الاستقلال، باعتبار إن أغلبية النخبة التي كانت علي قمة هرم الدولة هي نفسها التي كانت قد أسست الجمعيات الأدبية في الأحياء و نادي الخريجين و من ثم مؤتمر الخريجين، و جميعها كانت تشكل حلقات حوار و تدارس بين النخب المثقفة في المجتمع، و هي المؤسسات التي أدت إلي تطور الفكر و الوعي السياسي في البلاد، بل هي المؤسسات التي أضعفت عملية التراتبية الاجتماعية في المجتمع ، مما خفف عملية الصراع الطبقي، و لكن النخب التي وصلت للسلطة في فترة و جيزة، قد تنكرت لتاريخها الاجتماعي و السياسي و ماضيها، و صنعت سياجا بينها و بين المثقفين، و تنكرت للعلاقة السالفة، و استمرت حالة الجفاء تتوارث رغم التغيير الذي حدث في النظم السياسية المتعاقبة في البلاد، الأمر الذي أوقف عملية الحوار ليس علي مستوي النخب بل في مستوياته المختلفة، إن كان بين السلطة و المعارضة، أو بين القوي السياسيةالمختلفة، في إعتقد كل يمتلك الحقيقة لوحده.
لكن بعد الإنقاذ ظهرت الجفوة بصورة حادة بين الجانبين، و خاصة في بدايات الإنقلاب حيث كان الفرز بقوة، و الأيديولوجية وصل استخداماتها السقف الأعلي، الأمر الذي جعل هناك استقطابا حادا في المجتمع وصل حد الإقصاء، و حتى بعد المفاصلة لم تخف حدة العملية الاستقطابية بل وصلت للمواجهة، الأمر الذي جعل قضايا الحوار من المصطلحات المرفوضة في المجتمع. و هناك من يعتقد قد حدث تغيير جوهري في الطبقة الوسطي بعد أن تدهورت، حيث ظهرت طبقة طفيلية تحت رعاية السلطة، و هذه الطبقة خلقت وعيا زائفا في المجتمع، و عملت من أجل دعم مصالحها بإحداث حالة من الصراع العنيف في المجتمع، غيب لغة الحوار، و ما تزال تلعب هذه الطبقة دورها المرسوم لها بجدارة، حيث صعدت إلي قمة السلطة، و لآنها لا تقدر علي لعب الدور التنويري استبدلته بدور مدمر للمجتمع إنحرف للعنف، و هذا الدور لا يساعد علي عملية التغيير و التحديث في المجتمع، و حاولت أن تغلق كل النوافذ التي تأتي منها عمليات التنوير، و تقف ضد دعوات الحوار الوطني، لذلك ضيقت علي الحريات و قلصت مساحات الديمقراطية في المجتمع، و استطاعت أن توظف الأيديولوجيا إلي أقصي درجة، لتأمين ذاتها، و تشيع إنها تعمل من أجل حماية السلطة و الدولة معا، رغم إنها تحمي مصالحها الخاصة، و استطاعت أن تضرب سياجا حول الرئيس، لكي تمنع أية لقاء بين الرئيس و المثقفين، باعتبار إن كل المثقفين خارج دائرتها هم علمانيين، أو متهمين بخيانة الوطن، و بالفعل اقتنع الرئيس برؤيتها، و اعتقد إن هؤلاء أصبحوا حماة عرش السلطة، و المدافعين عنها، هذه الرؤية هي التي حجبت الرئيس عن بقية المثقفين، و جعلته لا يسمع إلا صوت هؤلاء، فخلقت الهوة العميقة، و التي جعلت الرئيس لا يلتقي طوال عمر الإنقاذ عقدين ونيف إلا بهؤلاء المتنفذين، مع حالة خصام مع المثقفين و أهل الفكر و الرأي.
استطاعت الطبقة الطفيلية أن تؤثر علي كل مجريات الحياة السياسية، و هي طبقة تستفيد من حالة الشروخ التي تحدثها في المجتمع، و بعد ما باعدت بين المثقفين و السلطة، عملت أيضا من أجل الفرز داخل المؤسسة السياسية الحاكمة، و تحولت الي دائرة من الصراع، بعد ماكانت بين الداخل " الحزب الحاكم" و القوي السياسية الأخري إلي صراع داخل تنظيم السلطة، بسبب تضارب المصالح من جانب، و ظهور تيارات جديدة داخل التنظيم تحمل رؤي جديدة، الأمر الذي خلق حالة من صراع المصالح، و هذا ما حدث بالفعل داخل المؤتمر الوطني، حيث برزت مجموعات تنادي بالإصلاح السياسي و التغيير، و المراجعة، و هي حالة لا تتم إلا بالوعي و الإشتغال بالفكر، لأنها تريد قراءة الواقع بطريقة مغايرة لما هو حاصل لتصل إلي استنتاجات جديدة، هذه الرؤي اصطدمت بالقوي المحافظة، التي نضب خيالها و فقدت القدرة علي العطاء، فاصبحت تشكل عائقا لكل أطروحات جديدة، و هي فئة الأن ليس في مقدورها أن تقدم عطاء مفيدا، و لكنها تميل للدفاع عن مصالحها فقط.
و هنا لا أريد أن أدخل في مسألة التعريفات للمثقف و السلطة، فقد كتبت الكثير من التعريفات حول علاقات المثقف بالسلطة و علاقة السلطة بالمثقف و تعريفات متعددة للمثقف أبرزها ما كتبه جان بول سارتر في كتابه " ليس دفاعا عن المثقفين" و أنطوني غرامشي " كراسات السجن" و إدورد سعيد " المثقف و السلطة" و عبد الإله بلقزيز " نهاية الداعية .. الممكن و الممتنع في أدوار المثقفين" و غيرها من الكتابات حول علاقة المثقفين بالسلطة، و لكن علاقة السلطة القائمة بالمثقفين هي علاقة سالبة، و كان من المأمول أن تكون العلاقة أفضل مما هي عليه، باعتبار إن الرئيس جاء من مؤسسة تمثل الطبقة الوسطي، و مؤسسة عسكرية تعد جزءا من دور المؤسسات العسكرية التي حاولت أن تلعب دورا تحديثيا في مجتمعات دول العالم الثالث، بعد عملية التحرير، رغم إنها كانت في حالة من الإشتباك السالب غير المبرر مع قضية الديمقراطية، و كما قال صمويل هنتنتون في كتابه " النظام السياسي لمجتمعات متغيرة" حيث أشار للمؤسسة العسكرية السودانية، و دورها في عملية تحديث و تطوير المجتمع السوداني، لكن الرئيس غلبت عليه السياسة و الأيديولوجية، و بالتالي لم يشتغل بقضية المثقفين، و إشارتي للمثقفين هنا أولئك الذين يشتغلون بالفكر، كما إن النخبة التي حوله قد ساعدت في استمرار حالة الجفاء، بل تبذل كل طاقتها إن لا يقوم مثل هذا اللقاء.
إذا كانت العلاقة أخذت مسارها الصحيح، كان الرئيس سمع رؤي جديدة و اطرحات مغايرة عن التي إعتاد سماعها، و هي أطروحات قائمة علي منهج نقدي يجترح القضايا, و يعيد مراجعة الأخطاء و يقدم استنتاجات جديدة، كان باب الحوار لا يحتاج إلي خطابات رئاسية أو قرارات فوقية، أنما كان الحوار يأخذ بعده المجتمعي، و تتوسع دائرة المشاركة بصورة فاعلة دون و جل، و لكن ذلك لا يمنع الصراع و التنافس، و لكنه يأخذ مسارات جديدة دون اللجوء إلي العنف أو وسائل خارج عن دائرة القانون، لكن الرئيس مال إلي أصحاب الإيديولوجية الإقصائية التي فصلوها علي أنفسهم، و هؤلاء ليس في ثقافتهم الرأي الأخر، أنما يعتقدون أنهم يملكون الحقيقة ويتعاملون بهذا الفهم الذي يولد العنف في المجتمع، و كنت أعتقد إن خطاب الوثبة الذي أعلنه الرئيس يمثل بداية لمشوار تتم فيه مراجعة فكرية و نقدية لكل ما حدث في فترة العقدين و نيف، و لكن الدغمائية المسيطرة لا تسمح أن تستمر تيارات الهواء النقي، و هذه هي الإشكالية، لكن الصراع نفسه أفرز مراجعات فكرية رغم محدوديتها فهي التي سوف تفرض ذاتها علي الواقع، و لكن السؤال الذي يفرض نفسه هل يستطيع الرئيس تثوير هذه العلاقة أم سوف يظل في قناعة إن الأيديولوجية التي فرضت عليه ذلك هي الأفضل؟. نسأل الله التوفيق.




مكتبة فيصل الدابي المحامي