عازة حبيبتي على الخط! بقلم عثمان محمد حسن

عازة حبيبتي على الخط! بقلم عثمان محمد حسن


01-02-2015, 04:12 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1420211571&rn=0


Post: #1
Title: عازة حبيبتي على الخط! بقلم عثمان محمد حسن
Author: عثمان محمد حسن
Date: 01-02-2015, 04:12 PM

الترانيم الجنائزية تخيِّم على المكاتب الحكومية.. و الاستهانة بالإنسان تبدأ من مكتب الاستقبال.. فيداهمك إحساس بأنك أخطأت المكان.. و أنك شخص غير ذي قيمة هنا.. فعند دخولك مكتب استقبال ما تستسفر عن ( حقٍّ) ما، فإما لا أحد هناك يخرج لساناً ( حلواً) لك.. أو لا أحد يصغي إليك.. أو لا أحد على الاطلاق.. تدلف إلى الداخل.. و كل الموظفين مشغولين بلا شيئية وجودهم على الكراسي.. و سلة المهملات تلتهم طلبات الجمهور بلا تدقيق.. و المراقب العام يراقب السفة التي لفظها للتو و هي في طريقها إلى قعر سلة المهملات.. و السفة لا مبالية بجاراتها ( خدمات الجمهور) التي سبقتها إلى هناك.. لقد انتشر عدم الاحساس بالأخر حتى داخل سلة المهملات.. فللإنسان تأثير عظيم على البيئة المحيطة!

و تجرجر أقدامك في أسىً بعد فشلك في الحصول على ( حقك).. و إلى الشارع تعود مثقلاً بالأسف على:- " بلادك حلوة.. أرجع ليها.. نار الغربة ما بترحم!" و في الطرقات ترى الأنانية تنطلق من عقالها.. المارة يتخبطون كمن مسَّه الشيطان في التو.. و " الشمس تجري لمستقر لها.." .. هؤلاء يشتجرون و أولئك يقتلعون الفرح عن ما بينهم.. و يهربون إلى النسيان في ذمة التاريخ.. و ثمة دماء تجري في شرايين أخرى- و بلا توقف إلا حين يفعل الكولسترول فعلته " ذلك تقدير العزيز العليم"..

و تمضي فيتلقونك هنا و هناك يبيعونك الهواء المعبأ في أكياس من النايلون.. تشتري و أنت لا تريد أن تشتري.. لكن لازم تشتري.. لأن الدولار اخترق السوق فانهار الجنيه ميتاً على الشارع الاسفلت.. مسكين هو الجنيه.. لم يأكل شيئاً منذ فاض البترول و أغرق المزارع و المراعي.. و زرع الوهم في فضاءات لم تبلغ مبلغ هولندا.. و مع ذلك أصيبت بالمرض الهولندي البئيس.. فازداد مستجدو النعمة عدداً و تضاعف عدد الشحاذين أضعافاً في طرقات مدن السودان..

ألم أقل لكم أن المسافة بين المنطق و لعب البهلوانات تلال مغطاة بالوهم المدمر للإمكانات المتاحة ؟إنهم يلعبون حتى بالقانون الذي هُم واضعوه.. و يزدرون بطبيعة الأشياء بلا وجَل.. فلم يعرف القضاة الحقيقة حين اتكأ الكذب على جدار المحكمة.. و بكى شاهد الزور بحرقة أربكت الشيطان الواقف بالقرب منه.. و قد رأيت الكلمة تتبرأ من الأحرف التي كُتبت بها.. و تحمل عكازة تستقوى بها في الطرقات معلنةً للجميع أن هذا زمان ينبت فيه الشعر في بؤبؤ العين دون أن ترف.. و مسموح للدم أن يسيل ما دام دون تغطية..

و يأتينا تهديد بإغراقنا بالجراد و البعوض و القُمَّل.. لن نخاف.. نحن محصنون بكثير من القطط و الكلاب الجوعى التي تستلذ طعم الجراد و نستلذه نحن أيضاً.. أما القُمَّل، فلن يجد دماً يشربه بعد أن شرب حكامنا كل الدماء إلا النذر اليسير..

و قد رأيت طفلاً تنهشه الكلاب الضالة في أم درمان.. لم تره ملائكة الرحمة بالمايقوما.. كان أبوه نزِقاً بما يكفي من ترف أسطوري مستجَّد.. و أمه طالبة تتسكع في العالم الافتراضي بحثاً عن ( هوليوود) في ضواحي الخرطوم.. لم أكن حاضراً حين انتهى فطور الكلاب.. فقد هربت مع الهاربين خوفاً من "

كيف.. و متى.. و لماذا؟" و انبطح الصباح على الرصيف و هو يردد أغنية ( ذكرى الصحوة المنسية).. و كم تمادينا في نسيان أن صباح اليوم التالي قد أدركنا.. و نحن لا نزال في نفس منعطف صباح اليوم السابق..

الزمن يفلت من بين أيدينا زخَّاتٍ.. زخات.. "..... و كأننا قوم جلوس و حولهم ماء" نتحدث صامتين عن الحرب و الموت و الأرض الخراب.. و إذا بدأنا الحديث لم نقل شيئاً يجعل الصلح بين الرزيقات و المعاليا صلحاً دائماً.. و يجعل عرمان و غندور يجلسان على كرسيين متجاورين في الطائرة القادمة من أديس أبابا إلى الخرطوم.. و يجعل عقار و الحلو يحتسيان الشاي مع أيٍّ سياديٍّ في حديقة القصر..

لكن ما زلنا: تموت ( نيفاشا) مات المالك..! تولد أديس أبابا، عاش الملك..! و تقتات الحشرات من حفرة الدخان ( طحالب) مستوردة من الخارج و قد دخلت البلاد بلا استئذان.. وكل البنات ( السود)انيات في قنوات تلفزيوناتنا ( بيض)انيات.. و الأولاد سمر الوجوه كأنهم قدموا من زمن ( تهراقا) و ( بعانخي) و " نبتة حبيبتي" .. و يتحدثون العربية بالطريقة النبتية بدون( تعطيش).. و " نبتة حبيبتي اسمها عازة.. و عازة حبيبتي دائما على الخط في انتظار أن أعيدها إلى الزمن الماضي لكي تبدأ عصر المواكبة مع ( تكنولوجيا النانو) القادم بسرعة البرق..