جوهرة الاستقلال: الحُريّة! / ~ بلّة البكري

جوهرة الاستقلال: الحُريّة! / ~ بلّة البكري


01-02-2015, 05:55 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1420174559&rn=0


Post: #1
Title: جوهرة الاستقلال: الحُريّة! / ~ بلّة البكري
Author: بَلّة البكري
Date: 01-02-2015, 05:55 AM

جوهرة الاستقلال: الحُرِيّة!

بلّة البكري
mailto:[email protected]@gmail.com
(1)
لقد بدأ الحديث عن ذكرى استقلال بلادنا من المستعمر يحرك جمود أهل الثقافة ويستفز اللامبالاة التي لازمتهم بصفة عامة تجاه قضايانا الوطنية الكبرى. هذه اللامبالاة هي إحدى أكبر عللنا منذ الاستقلال . فهناك من كتب عن الأمر لأول مرة وهناك من يكتب عنه لأول مرة أكثر من مقال. بل هناك، مثلي، من بحث عن ماذا تعني هذه الكلمة تحديدا. هذا حَسُن، لا شك في ذلك وحراك تثاقفي صحي مطلوب نرجو له أن يثمر؛ فما أحوجنا للتثاقف المثمر. فقد بدأ جرح الستين عاما من الإهمال والاستعمار الجديد الذي أتي به الاستقلال يدخل، أخيرا، في اللحم الحي للكثيرين! وقد سطّر أحد الأقلام الراتبة نقدا مبطنا لمن كتبوا متحسرين على ضياع المكاسب من مشروعات قومية ناجحة تم تدميرها في عهد الحكم الوطني، معلقا ومذكرا إياهم ب "الحُريّة" التي نالها الشعب من المستعمر. وكيف أنها أهم من كل ما عداها من مكاسب. وتساءل لماذا لم يحتفوا بها وكيف أنه لم "تندى لهم دمعة" على كسبنا لهذه الجوهرة الثمينة من الإنجليز. هذا تعليقٌ هام يستحق وقفة تليق بقيمته. خاصة والكلام الآن عن أهم مكاسب الاستقلال بلا أدنى جدال – الحُريّة. فمبدأ الحُريّة أول. ولذا فنحن متفقون على أهميتها، إذاً، من حيث المبدأ. فكيف أهملنا ذكرها؟
(2)
جاء في مقالي بعنوان نداء السودان: في الذكرى 59 للاستقلال المنشور اسفيريا حديثا استشهادا بقول من رفع علم الاستقلال أنه ليس أسعد في تاريخ السودان وشعبه من اليوم الذي تتم فيه (حُريته) ويستكمل فيه استقلاله وتهيأ له جميع مقومات الدولة ذات السيادة وكيف أن القائل أعلن مولد جمهورية السودان الأولى الديمقراطية المستقلة على رؤوس الأشهاد ورفع علمها المثلث الألوان ليخفق على رقعة السودان كله رمزاً للسيادة والعِزّة. (الحُريّة) كما نرى مذكورة في المقال وفي موضعها الصحيح. بل ذهبنا أبعد من ذلك الى ترجمة (الحُريّة) إلى ما ينبغي أن تقود إليه كمنتجٍ يؤكّد حصولنا عليها بقولنا: (.. وكيف للاستقلال أن يكون شيئا آخر غير (الارتفاع) و(العلو) بالأمة الوليدة التي رفعت رايات استقلالها وامتلأت مآقي أبنائها وبناتها بالدموع وهم يرون علم بلادهم بألوانه الثلاثة الزاهية يرفرف في الأفق بين أعلام الشعوب (الحرة)). انتهى الاقتباس من نفس المقال. نكرر إذاً (الحُريّة) مذكورة كأول المكاسب وفي موضعها الصحيح. أما ما لم نفصل فيه هناك هو ما فعلنا بها (الحُريّة): هل صُنّاها أم خُنّاها.
3))
الحُريّة هي من أعلى القيم البشرية. وقد تبوأت مكانا مرموقا في صدر مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي ينص في عدة مواد على أن جميع الناس قد ولدوا أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق؛ وقد وهبوا عقلاً وضميرًا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضًا بروح الإخاء. وأنّ لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الإجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلاً عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود. وأن لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه. ولا يجوز إسترقاق أو إستعباد أي شخص. ولا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة. ولكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين. ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة. كما لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية. كل هذا قيضٌ من فيض مما حفلت به مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في أمر الحُريّة. (أنظر المواد 1 – 10 والمادة 18 و20 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان).
لقد نال الانسان السوداني حُريته من المستعمر يوم الاستقلال، لا شك في ذلك. والدموع التي انبهلت حارة في ذلك اليوم هي دموع الفرح بالحُريّة وليس سواها. وقد خلصت للشعب حريته "جلّية كالجوهرة" في ذلك اليوم دون الحاجة لمحاربة الأنجليز بالسلاح الذين لم يمانعوا في الجلاء. فماذا فعلنا بها؟ الحريّة الحقة هي ما ينبغي أن تُصان وتُترجم الى عدلٍ وعدالة في الفرص ومساواة وعُلُوٍّ ورفعة للأمة الوليدة المستقلة ولانسانها. فكيف تحولت في عهد حكامنا (الوطنيون) الى "عبودية" من نوع جديد لأهل الدار السودانية، جُلهم؟ هذا ليس حديثا يلقى على عواهنه. وأمامكم ما كتبنا وما كتب غيرنا من جادة القوم عن هذا الأمر بمنهجية ودليل مسبّب. بل أمامكم الدليل نفسه، لحما ودما، ممن تعج بهم سجون حكامنا (الوطنيون) الآن من سجناء الرأي، منهم عجزى ومرضى في نهاية العقد التامن من العمر.
(4)
الحديث عن تكسير المنشآت القومية الناجحة مثل مشروع الجزيرة العملاق والسكك الحديدية التي قلّ مثيلها في كل أفريقيا وقتها والنقل النهري والخطوط البحرية والخطوط الجوية السودانية وغيرها من المنشآت القومية وتدمير الخدمة المدنية والتي أفرغت من آلاف المؤهلين بفقه (التمكين) هو مصادرة لحريّة الأمة وإن يكن بصورة غير مباشرة. فمن حُرم من كسب العيش الشريف في وطنه وحرم أبناؤه فقد مُنعت عنه أحد أهم دعامات الحريّة وحُرمت أسرته الممتدة أيضا. ومن سُرقت مؤسساته العامة أو دُمرت بفعل الفساد أو الإهمال لا فرق فقد زُج به في غياهب العوز والفقر والحاجة. والفقر عبودية، يا كريم. نعم عبودية ليس فيها طلب من أحد أن ينزل من دابته متى ما صادف ركب جناب المفتش الانجليزي المتغطرس ولكن فيها مصادرة على رؤوس الأشهاد للدابة نفسها دون وجه حق. ومصادرة لحرية صاحبها بصورة غير مباشرة. هذا حديثٌ مجازي بالطبع لا نحتاج لفك مغاليقه. وإذا كان صاحب الدابة يحمل رأيا سياسيا مختلفا عبّر عنه سلميا بما لا يروق لأهل المؤسسة القابضة فستصادر حريته مباشرة ويزج به في السجون دون محاكمة؛ هذا إذا لم تصادر حياته نفسها! وبهذه المناسبة نحيي شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه في الذكرى التلاتين لإغتياله والتي تهل علينا بعد أيام وقد اغتيل على أيدي حكومة عسكرية وطنية كان النائب العام فيها وقتذاك هو راعى حكومة اليوم وعُرّابها. أما من تمّ التعدي على حرياتهم وحقوقهم الأساسية في عهد حكومة اليوم (الوطنية الإنقاذية) فلا يتسع هذا المقال القصير لذكرهم ولو اختصارا. فأين الحُريّة؟ وكيف سكتنا على اغتصابها المتكرر كل هذه السنين، هكذا وفي الغرفة المجاورة؟ وصدق من صاح: "وا خجلتاه"!
(5)
وختاما نتفق على أن مبدأ الحُريّة أول. لا تأويل ولا تحوير فيه. وندعو الجميع أن يتقدموا بتهاني العام الجديد للأستاذ فاروق أبو عيسي ود. أمين مكي مدني والسّيد فرح عقار وكل من قضى لحظات بزوغ فجر الاستقلال التاسع والخمسين في الحبس. فقد فرّطنا في حقهم في الحُريّة في صحيحها بتهاوننا وعبوديتنا التي ارتضيناها للاستعمار الجديد. نعم هذا استعمار جديد يصادر الدواب ويورور لأصحابها في عيونهم نهارا جهارا بأن يموصوا وثيقة نداء سودانهم الذي يحلمون به ويشربوا مويتها كمان. والما عاجبه يلحس كوعه! حريّة شنو يا زول؟ وياتو حريّة التي تحدثوننا عنها؟ ثم اذا كانت هناك حريّة في سودان اليوم، فما هي الحاجة لنداء السودان؟ وأستاذ أبوعيسي ود. أمين مدني والسيّد عقار مالهم محبوسين تعسفا وجناب المفتش المتغرطس مَرَق من بلدنا الى غير رجعة قبل حوالي ستين سنة؟ وحقا فقد صدقت السيدة أُودري لُورد الناشطة الأمريكية السوداء حين قالت: لا يمكن لأدوات السيِّد أن تهد حِصنه! (The Master’s Tools will never dismantle the Master’s House