يا ليـتني كنـت تلفـازاً! بقلم فيصل الدابي/ المحامي

يا ليـتني كنـت تلفـازاً! بقلم فيصل الدابي/ المحامي


12-27-2014, 07:19 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1419661173&rn=0


Post: #1
Title: يا ليـتني كنـت تلفـازاً! بقلم فيصل الدابي/ المحامي
Author: فيصل الدابي المحامي
Date: 12-27-2014, 07:19 AM

صيحة إنذار مبكر خافتة ضد مشكلة الإهمال العائلي للصغار أطلقها طفل سوداني صغير يدرس بالمدرسة الابتدائية فحينما طلب أستاذ اللغة العربية من الصف كتابة موضوع إنشاء تحت أي عنوان يختاره الطالب ، كتب ذلك الطفل موضوعاً إنشائياً بعنوان (يا ليتني كنت تلفازاً!) وقد برر الطفل الصغير أمنيته العجيبة بتوضيح السبب الذي أبطل العجب والذي مفاده أنه يرغب في التحول إلى تلفاز حتى تقوم أمه وأباه بالنظر إليه والاهتمام به والتفاعل معه! حينما اتصل الاستاذ بوالدة الطفل وأبلغها بأمنية طفلها التلفازية ، انخرطت الأم في بكاء شديد فقد شعرت بمدى التقصير الكبير من جانبها في حق طفلها الصغير!
من المؤكد أنه يجب تضخيم صيحة الانذار المبكر التي أطلقها الطفل المذكور بحيث يسمعها الجميع فالواقع يثبت أن مشكلة إهمال الصغار قد أصبحت مشكلة عامة وتكاد تتواجد في كل البيوت فأغلب الكبار من أفراد العائلة العصرية قد أصبحوا ينتمون إلى قبيلة التلفازيين أو الواتسابيين أو الكمبوتريين أو الجواليين ، فما أن تدخل إلى أي منزل حتى ترى كل فرد من الكبار منهمكاً في التفاعل مع التلفاز أو الواتساب أو الكمبيوتر أو الجوال، ومن المؤكد أن هذه الأجهزة تقرب البعيد وتبعد القريب لأنها تنقل للأب والأم الأخبار العجيبة والتسليات الغريبة والصور الطريفة القادمة من على البعد ولكنها تجعلهم يهملون طفلهما القريب القابع على مرمى حجر منهما لأنهما يدركان إدراكاً لا شعورياً أن طفلهما ، وبالقياس إلى تلك الأجهزة المثيرة، يشكل مصدراً للطلبات أو الشكاوى المملة التي لا تنتهي فينحازا تلقائياً إلى الجهاز المثير ويتجاهلا الطفل الممل! بل أن بعض الكبار لا يشعرون أساساً بوجود أي مشكلة في إهمال الصغار والاستمتاع المطول بالأجهزة إياها لأنهم يعتقدون أن توفير المسكن والملبس والغذاء والأجهزة الحديثة في البيت هو أفضل وأكمل واجب يُمكن تقديمه للأطفال وهذا بلا شك اعتقاد خاطيء فالأطفال يحتاجون أيضاً للاهتمام الايجابي وبدونه تتعقد نفسياتهم ويتعطل نمو شخصياتهم ويصابون بالخمول الذهني والجمود العاطفي!
من المؤكد أن الطفل الانسان ، الذي خلقه وكرمه الله سبحانه وتعالى وحمته كل القوانين العادلة، لا يجوز أن يعتبر أقل أهمية من الأجهزة الحديثة التي صنعها البشر والتي أصبحت تُحظى بكل الاهتمام على حساب الصغار ، فمن حق الطفل على والديه أن يُشعراه في كل يوم بالاهتمام الحقيقي عن طريق النظر والحوار والضم والاحتضان وأن يهتما بالسؤال عن واجباته المدرسية وعن الأشياء التي يحبها والأشياء التي لا يحبها ، ومن العار أن يهمل الكبار الصغار إلى الدرجة التي تجعل الصغار يكرهون ذواتهم الصغيرة ويحلمون بأن يصبحوا آلات حائزة على الاهتمام بدلاً من يكونوا بشراً لا يحظون بأي قسط من الاهتمام!
فيصل الدابي/ المحامي
مكتبة فيصل الدابي المحامي