الدين والحداثة والعولمة بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد

الدين والحداثة والعولمة بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد


12-25-2014, 00:34 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1419464096&rn=1


Post: #1
Title: الدين والحداثة والعولمة بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
Author: عبد المؤمن إبراهيم أحمد
Date: 12-25-2014, 00:34 AM
Parent: #0

ببداية عصر النهضة بدأ العقل الأوروبي يفيق من سبات القرون الوسطى وبدأت النهضة والتنوير. وكان التنوير يعني أن العقل كان في ظلام، ولأن الكنيسة كانت مهيمنة فكرياً على عالم العقول والفكر في أوروبا فقد إنصب معظم النقد للماضي تجاه الكنيسة خاصة، والفكر الديني بصورة عامة. فنهضت أوروبا بعقلها تاركة الدين وراءها باعتباره من بقايا عصور ظلام العقل. فسار العقل الأوروبي يستكشف ذاته ويستكشف العالم من حوله حتى دخل النصف الثاني من القرن العشرين حيث ظهرت مشاكل تواجه طريقة تفكير الإنسان وطريقة حياته. فظهر النقد للحداثة في ما يعرف بـ "ما بعد الحداثة". وبحسب رأينا فإنه لا علاج لتلك المشاكل إلا بإدماج الروح والحدس والمتافيزيقيا والدين في صلب البناء النفسي والإجتماعي للإنسان ليشكل خلفية للعقل بها يواصل مشواره لتأسيس مجتمعات إنسانية جديدة تتمتع بالرفاهية وتتمتع بالسعادة النفسية في آن واحد. وهذا الأمر يتطلب إعادة النظر في علوم الأرواح والغيبيات وقوى العقل وقوى النفس الخفية. وبما أن الحداثة قامت على التأسيس الفكري والفلسفي فيكون لزاماً علينا مناقشة قضايا الفكر والفلسفة من جذورها لمعرفة المسارات التي سار فيها العقل عامة والعقل الأوروبي على وجه الخصوص. وركزنا في دراستنا هذه على القضايا الفكرية المتعلقة بالموضوع والتي تساعد على فهم المشكلة وكذلك التي تساعد على تقديم الحلول. يقول محمد أركون: "ولكني لا أقول على الرغم من ذلك بأن الغرب قد ولّد (كما تدعي الطبقات المهيمنة فيه) نموذجاً أو موديلاً للمعرفة والعمل التاريخي يحترم كل أبعاد الإنسان. ولكن الحداثة هي الآن في طور تغيير الأبعاد والمطامح والآفاق عن طريق افتتاح فضاء جديد للتعقل والفهم والعمل التاريخي الذي لا تندمج فيه فقط التراثات الكلية الشاملة لمجتمعات الكتاب من جديد، وإنما الذي نكتشف فيه الكلية التاريخية مع كل صيغها الثقافية في العالم والتي يعاد التقاطها واستكشافها من قبل انثربولوجيا ثقافية خارجة عن كل مركز أو عرقية مركزية". وهذا فعلاً ما لمسناه في احتكاكنا بالحضارة الغربية وما نقوم به الآن في هذه المباحث الغرض منه زحزحة القواعد لتي قامت عليه الحداثة لتوسيع قاعدتها لتشمل أبعاد أخرى لمعارف البشرية وثقافاتها وأديانها في مختلف أنحاء العالم، ولتشمل حتى ما أهملته في محيطها الثقافي التأسيس (أي المسيحية). ثم فوق كل ذلك لتستوعب "إحتمال" تصورات وجودية جديدة وأبعاد جديدة للوجود تشمل عوالم أخرى فيما يعرف بعالم الغيب أو عالم الروح.

تأملات حول الوضع الراهن
في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين حدثت تحولات فكرية وسياسية وإقتصادية وإجتماعية كبرى كانت إنعكاس للوضع الذي يقف عنده الوعي البشري والعقل الإنساني محكوماً بظروفه. أكبر علامة في ذلك التحول هو فكرة العولمة التي طرحت حلولاً كوكبية تقوم على الفكر الرأسمالي وتقوم على إستثمار المنجزات التقنية في مجال الإتصال والترحيل وانتقال البشر وانتقال المعلومة وانتشار وسائل الإعلام. كل ذلك فتح الباب للدول المتقدمة لتفرض رؤيتها ومشروعها الذي لم تنمحي ذكرياته وأطماعه الإستعمارية بعد، وهي ذكريات لم يمض عليها أكثر من 50 عام فقط. فالكثير من قيادات الإستعمار لا زالت تعيش حتى يومنا هذا. هذا البعد الإستعماري الخفي للعولمة أو قل الرغبة في تمرير اجندة ومصالح الدول الكبرى هو الذي دفع بالكثير من البسطاء الصادقين حتى من الدول المتقدمة ذاتها للإحتجاج على العولمة في بعدها الإقتصادي وبعدها الثقافي. فالعولمة تحمل في بطنها النواة لمشروع عالم جديد وأممية جديدة وضعت لها الهياكل الإقتصادية والسياسية ولكن لا زال الإعداد الثقافي والفكري متخلفاً عن غيره من الإعدادات. هذه العولمة لن يستقيم لها الأمر إلا بتعديل المناهج الفكرية والسياسية والتي لن تتحقق إلا بتعديل مناهج المعرفة وأصول العلم وأساسيات معرفة الوجود والذي في مركزه يقع وجود الإنسان.

عالمية الإسلام والعولمة
بذا يمكننا القول بأن العالم اليوم يحتاج لفكرة جامعة تربط بين العلم والفكر والدين، والذي تشير الدلائل إلى أن الإسلام يمكنه أن يلعب دوراً مهماً في صياغتها لو انتبه المسملون للبعد الفكري العقلاني الجمعي في القرءان الكريم. على أساس هذا الربط يمكن للعولمة أن تحقق للبشر ما يحلمون به جميعاً من رفاهية واستقرار وتقدم وازدهار لكل النوع الإنساني حين تتحول الإنسانية لأسرة واحدة يقوم فكرها على حقيقة جامعة واحدة ينضوي داخلها وينسجم ويتعايش كل التعدد والتنوع الجمالي المنسجم والمتصالح. تحدث الإسلام من قبل كما تحدث الكثير من المجددين الدينيين حديثاً عن الإله الواحد والحقيقة الواحدة والإنسانية الواحدة وبذلك يكون التجديد الديني مصدقاٌ لفكرة الإسلام الكبرى في حقبة ما بعد الحداثة (الإسلام الجامع)، فكر يحمل في رحمه إمكانيات هائلة في الطرح ليقدم منظوراً جديداً لفهم الوجود والعالم عبر فلسفة المعارف الحسية ويقدم مفهوم جديد للوجود الإنساني عبر نظم فكرية جامعة توفق بين الحقيقة العلمية والحقيقة الروحية للكائن البشري، وهذا ما أكد عليه الكثير من المجددين الحداثيين.




منصات حرة مكتبة بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين