الأزمة المتصاعدة ما بين الإخوان المسلمين وإيران وحزب الله.. إلى أين تنتهي؟/شوقي إبراهيم عثمان

الأزمة المتصاعدة ما بين الإخوان المسلمين وإيران وحزب الله.. إلى أين تنتهي؟/شوقي إبراهيم عثمان


09-10-2014, 04:17 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1410362267&rn=0


Post: #1
Title: الأزمة المتصاعدة ما بين الإخوان المسلمين وإيران وحزب الله.. إلى أين تنتهي؟/شوقي إبراهيم عثمان
Author: شوقي إبراهيم عثمان
Date: 09-10-2014, 04:17 PM

قال القيادي بالمؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الشيخ حسن الترابي أبو بكر عبد الرازق: (المراكز الإيرانية تقدم فكرا مستنيرا وإغلاقها خطأ فادح). ######ر من وزارة الخارجية التي قالت فيه أن المراكز مهدد أمني. وأكد: (إن الثقافات الوافدة من إيران لا تشكل خطرا على الأمة، لا في الفكر ولا في السياسة ولا في الأمن)، لافتا: (إلى أن المراكز الإيرانية ظلت تقدم فكرا مستنيرا ورؤى جديدة لا تتعارض مع الإسلام)، واضاف: (أنا شخصيا أمتلك العديد من الكتب لعلماء إيرانيين ولا أرى فيها تعارضا مع الإسلام). وقال عبد الرازق: (إن الحكومة ضحت بعلاقتها مع إيران في سبيل أن تبني علاقات مع الآخرين)، لافتا: (إن هذا منهج معوج)، وتساءل: (كيف يستقيم أن تغلق الحكومة المراكز الإيرانية وتترك المركز البريطاني والفرنسي!؟).
هذه هي شهادة أحد الإسلاميين المستنيريين، الذين يقدرون الفكر الإسلامي الحقيقي، وربما هي الشهادة الإيجابية الوحيدة واليتيمة في الحركة الإسلامية السودانية التي يلعب معظم أعضائها دور الماكينة الإعلانية للأيديولوجية السلفية والإخوانية.
بادئ ذي بدء، نقول، رأي الأستاذ عبد الرازق هو رأي شخصي لعضو قيادي في "جسم" يسمى المؤتمر الشعبي، ولا يعتبر رأيه رأيا رسميا لهذا "الجسم" الغريب الذي يثير الجدل حول إذا ما كان في الأصل حزبا إن لم يك التنظيم الخاص. وثانيا، فهما لما يدور خلف الكواليس، قرار غلق المراكز الإيرانية يستحيل أن يصدر من قبل فرد واحد في حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وثالثا، أستندت وزارة الخارجية السودانية على حجة ضعيفة فحواها أن هذه المراكز خرجت عن إطار إتفاقية جنيف، وعمدت إلى "تشييع" السودانيين لمدرسة أهل البيت!! وفي زعم وزارة الخارجية أيضا تعتبر هذه المراكز خطرا على الفكر الإجتماعي، و و و الخ.
حجة وزارة الخارجية ضعيفة، فمن تشيع إذا تشيع من السودانيين لمدرسة أهل البيت، لا يكون ذلك إلا عبر الأنترنيت وليس عبر تلك المراكز الإيرانية القليلة والمحدودة. كذلك عملية التشيع لمحمد وأهل بيته دون بقية الخلق لا تتم عبر كبسة ذر، أو رشوة مالية، بل عبر قراءات عديدة وبحث مضني مكثف، وهذا هو المطلوب شرعا، ومن حق أي مسلم أن يبحث في شؤون دينه وأن يعتقد ما يشاء (ولتبيينه للناس ولا تكتمونه). وعادة، توفر الأنترنيت كل الكتب الشيعية قديمها وحديثها، وأيضا الكتب السنية التي لا تطبع "عادة"، ونكرر لا تطبع "عادة". بل يعتبر التراث السني الأشعري من أعظم التراثات الإنسانية، ولكنه مع الأسف لا يطبع عن عمد، عبر مؤامرة إقليمية خليجية. إذ ما يتوفر من كتب إقليميا هي فقط لإبن تيمية وتلاميذه.
حجة وزارة الخارجية إذن ضعيفة، خاصة إذا فهمنا أن دولة السودان الحالية هي دولة سلفية وهابية وبالتحديد سرورية. فماذا يعني أن تراقب هذه الدولة كافة ضمائر وعقول السودانيين المسلمين، وكل الكتب، وتتفحص ما فيها سطرا سطرا – على طريقة شيوخ نجد، بينما تسمح للسلفية الوهابية إدخال أطنان وأطنان من كتب الفرقة الحشوية القديمة، والحديثة لشيوخ السعودية بدءا من ابن عثيمين ومقبل الوادعي وإنتهاءا بالطريفي مفتي نكاح الجهاد؟
هنالك في جمهورية السودان رقابة لصيقة على الضمائر كما يفعلون في السعودية، وعلى الكتب، من قبل الجمارك والمصنفات الفنية، والمعارض، وحتى الهيئة القومية للإتصالات. لقد ضبطت أنا شخصيا هذه الهيئة تغلق إسفيريا على كتب وفتاوى العلامة الأزهري السني الأشعري يوسف الدجوي!! كيف؟ ولماذا؟ ومن قرر ذلك؟ إذن الحال واضح كل الوضوح، دون أن ينبس علي كرتي أو غيره ببنت شفة، أن الدولة القائمة هي دولة سلفية وهابية وبالتحديد سرورية، والسرورية هي خلطة من عقيدة ابن تيمية وسيد قطب.
هذه الحقائق عن الدولة السودانية القائمة يعرفها السودانيون الذين تعمقوا في الظاهرة الدينية، بينما تفوت على سواد العامة والكثير من الخاصة والحركيين الذين لا يفرقون إسلاميا ما بين الألف وكوز الذرة. فمثلا تجد في الحركة الإسلامية السودانية التي بناءها الشيخ حسن الترابي من الأعضاء من يهاجم السلفية الوهابية بينما لسانه يشقشق بإبن تيمية، ويكفيك هذا المثال الفضيحة.
إذا فهم السودانيون سلفية هذه الدولة التي تنهج نهج عقيدة ابن تيمية، إذن من باب أولى أن يعرف الدبلوماسيون ممثلو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قبل غيرهم من الأجانب، حجم إختراق السلفية الوهابية لجمهورية السودان، لأن جميعهم يتحدث ويقرأ بالعربية. لاحظ نقول "جمهورية" السودان وليس "السودان" كما تكتب الصحف. وإذا فهمنا أنه حتى منصب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية يتم عبر الإنتخاب الحقيقي، وكذلك كل مناصب المؤسسات الحاكمة الإيرانية تتم عبر تصويت الجمهور العام والخاص من العلماء، سنفهم أن ذلك عكس جمهورية (!) السودان، التي يتم فيها كل شيء بـ "التعيين"، ولا يعرف الشعب السوداني من الذي يقرر ومن هو الذي يعين، سنفهم بالمجموع تحفظ الجمهورية الإسلامية الإيرانية حول من يحكم جمهورية السودان.
هذه الملاحظة الصغيرة أعلاه تفسر الكثير، مثلا تشرح إحجام الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإستثمار في جمهورية السودان، ليس لأن هذه "الجمهورية" المزعومة تعتنق الأيديولوجية السرورية، بل لأن الفساد المالي فيها يزكم الأنوف. ولقد حاول بعض الصحفيين مقايضة غلق هذه المراكز الثقافية بحجم الإستثمارات الإيرانية، بل ذهب بعضهم إلى القول أن جمهورية السودان هي الخاسرة، وزعموا أن الإيرانيين بخلاء. هل الإيرانيون بخلاء؟ دعنا نضرب أمثلة حقيقية.
عرضت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على حكومة السودان بناء اربع ألف وحدة سكنية للقطاعات الشعبية الضعيفة في السودان مجانا، هدية للشعب السوداني، ووافقت الحكومة، وحين قرر الإيرانيون إنشاء لجنة مناصفة ما بينهم وما بين الحكومة السودانية تتعلق بكيفية توزيع هذه الوحدات السكنية، أمتنعت الحكومة وقالت هذه مسألة سيادية!! وهنا أنسحبت إيران من المشروع. واللبيب يفهم!! قطعا ستصب هذه المساهمة الإيرانية في دائرة "تمكين" حزب المؤتمر الوطني الحاكم!!
عند تعمير شرق السودان منحت إيران منحة مقدارها 300 مليون دولارا لصندوق تعمير أهل الشرق، تم ذلك في الكويت. اين هذا الصندوق؟ أما توقف إيران عن بناء طريق ربك جوبا هو من الحصافة حتى لا تتهم إيران كشريك في ذبح السودانيين الجنوبيين، فبناء هذا الطريق يسهل سرعة العمليات العسكرية نحو الجنوب، بل لم توافق إيران على مد السودان بالسلاح إلا مقابل الكاش الفوري تعجيزا. ومع ذلك تتوالى الشائعات أن إيران تسلح السودان ضد سكان دارفور!! من الذي يطلقها؟ صحفيو المؤتمر الوطني.
دينق ألور، وزير خارجية السودان السابق في الفترة الإنتقالية 2005-2011م أرسل للسفير الإيراني الحضور إلى مكتبه، وطلب الوزير من السفير مساعدة إقليم الجنوب بعربات إسعاف ومايكرو باص. أقتحم مصطفى عثمان إسماعيل هذا اللقاء عنوة، وخرج من الصفقة بحوالي خمس عشرة مايكروباصا أعطاها مصطفى إسماعيل لجامعة افريقيا العالمية، من مجموع خمس وخمسين عربة. بعدها شاطت الماكينة السلفية الوهابية الإرهابية بسبب هذه العربات ضد مدير الجامعة البروفيسور حسن مكي تندد بعلاقته بإيران وإنه شيعي الخ، بينما ليس للبروفيسور حسن مكي "كراع" في الموضوع. وصمت مصطفى إسماعيل!!
في زيارة أحمدي نجادي الأخيرة، يمكن استنتاج حاجة خزينة السودان لأربعة مليار دولارا، وفي تقديري رفضت إيران، ولحفظ ماء وجه الدولة السودانية تبرع نجادي بمئة مليون دولارا للشعب السوداني تأتي في صورة سلع عينية، ولكن لا للكاش. بعدها ذهب وزير الخارجية السوداني علي كرتي لرجل الأعمال الأمير السعودي الوليد بن طلال بن عبد العزيز ولم يأتي منه بشيء. فهل يظن علي كرتي أنه مستطيع أن يأتي بشيء من الخليج (السعودية، الإمارات، الكويت والبحرين) بعد غلق حكومته المراكز الثقافية الإيرانية؟ لا نظن ذلك.
قبل عدة أسابيع قليلة أغلقت مصر عبد الفتاح السيسي كل الحسابات البنكية الجارية وحسابات التوفير بالعملة الصعبة المملوكة للسودانيين المقيمين بمصر، واستبدلت قسرا دولاراتهم بالعملة المصرية. أصبح ممنوعا فتح حسابات بالعملة الصعبة للسودانيين – خاصة بعملة الدولار.
إذن مع الحصار المالي البنكي الخطير المضروب على دولة السودان، يمكن الإستنتاج أن غلق المراكز الثقافية الإيرانية تم عبر شرط قطري تركي ممهورا بختم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي يحتضنه الطيب أردوغان في إسطنبول. إذا رغبت جمهورية (!) السودان "الديمقراطية" في طوق النجاة (الدولارت الأمريكية) عليها إذن أن تغلق المراكز الثقافية الإيرانية وبل عليها أن تقاطع إيران.
لماذا هذا الإنقلاب؟ لماذا أغلقت حكومة السودان المراكز الثقافية الإيرانية؟ الجواب: لأن العداء ما بين الإخوان المسلمين وإيران وحزب الله في هذه الأيام أصبح مستحكما، ولكن في صمت وبشكل غير محسوس لدى العامة!!
سبب العداء يعود إلى الإقتراب المصري الإيراني في خطوات ملموسة أرعبت معها كل من قطر وتركيا، الراعيان الأساسيان للإخوان المسلمين، بل أرعبت أيضا بقية دول الخليج خاصة السعودية، وبلا شك أيضا من المرعوبين من هذا الإقتراب المصري الإيراني واشنطون وتل أبيب. لأن تحالف محوري إيراني مصري سوري عراقي لبناني (حزب الله!!) يحيل كل السيناريوات الأمريكية إلى رماد.
إذن الإقتراب المصري من إيران هو سبب الإنقلاب على المراكز الإيرانية في السودان. وحدث هذا الإقتراب المحوري تحت دخان محاربة "داعش" الإرهابية التي أخترعتها أمريكا والسعودية وتركيا وقطر وبقية دول الخليج. فقبل ثلاث أيام زار وفد مصري شعبي ضخم إيران، يتكون من أربعين فردا يضم كل فئات الشعب المصري في خط المقاومة العربية للتطبيع مع إيران، يرأسه صلاح الدين الدسوقي، هذه الزيارة بلا شك بدعم من السلطة المصرية.
بغض النظر عن الأيديولوجية والمذهبية، تعتبر الأزمة الإخوانية مع إيران هي قديمة نسبيا، بدأت حين أخذت إيران تجمع حولها خيوطا دولية إنطلاقا من مجلس الأمن لمحاربة الإرهاب الإخواني السلفي الذي أفترس العراق وسورية ولبنان ومصر. ويمكن ملاحظتها –أي بداية الأزمة- حين كتب الكاتب الإخواني فهمي هويدي مقالة مضحكة وساذجة في ديسمبر 2013م قصد منها تحذير وإبتزاز إيران إعلاميا. عنوان مقالته: ("هل يفاجئنا تفاهم "إيران" و"إسرائيل" في العام الجديد؟")، وكتب شخصي الضعيف ردا على مقالته هذه مقالة في 23 ديسمبر نشرتها صحيفة الأهرام المصرية بعنوان: (فهمي هويدي.. كاتب بالإيجار.. اختصاصي قلب الحقائق الإقليمية!). راجع الأنترنيت.
كذلك يمكن ملاحظة الأزمة الإخوانية مع إيران وحزب الله عبر ملاحظة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، فطيلة خمس وخمسين يوما كانت حماس وقناة الجزيرة يهللان بـ "صنع في غزة"، ويعنون الصواريخ الإيرانية والسورية، بل قناة الجزيرة عرضت فيلما كيف يصنع الحمساويون الصواريخ، لا فضل لإيران ولا لسورية. لا كلمة شكر واحدة، إنه الجحود بعينه!! بل مسرحت حماس نفسها إعلاميا وكأنها الفريق المقاتل الوحيد في غزة، وكانت حماس تصر في مفاوضات القاهرة على حضور الطرفين القطري والتركي. بينما الشعب الفلسطيني يرفع الأعلام الإيرانية والسورية ولحزب الله، ويرفع اللافتات شكرا لإيران!!
إذن مع إقتراب إيران من السيسي، والسيسي من إيران، تصاعدت حدة الحرب بين جماعة الإخوان المسلمين وفرعها في غزة، وإيران وحزب الله من جانب آخر. ففي الوقت الذي توالت التصريحات للمسئولين الإيرانيين المؤيدة لسياسات عبد الفتاح السيسي تجاه الحرب في غزة والإشادة بدوره في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، والتي كان أخرها ما قاله على أكبر ولايتي مستشار مرشد إيران علي خامنئي أن مصر والرئيس السيسي شركاء أساسيين في النصر الذي حققته غزة، شنت الجماعة الإخوانية هجومًا حادًا ضد إيران وحزب الله واتهمتهما بنشر الفتن بين المسلمين بسبب مخططهم لنشر التشيع بين المسلمين السنة، وتورطهما في الحرب السورية ومساندة نظام بشار الأسد.
ووصلت الأزمة بين الإخوان وإيران وحزب الله إلى ذروتها في الساعات الماضية عندما طلبت تركيا وقطر والتنظيم الدولي من الرئيس عمر البشير إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان واتهام إيران بنشر التشيع في السودان، كما بدأت قناة الجزيرة ويوسف القطراوي بشن حملة إعلامية ضد إيران وحزب الله واتهامهما بالمسئولية -هكذا!-عن الحروب التي تشهدها العراق وسورية ولبنان وأن المجازر التي ترتكبها قوات الحرس الثوري الإيراني ومقاتلو حزب الله والمليشيات الشيعية ضد السنة كانوا أهم سبب في وجود تنظيم داعش في العراق وسوريا.
من جانبها ردت إيران وحزب الله على تنظيم الإخوان المسلمين وفرعهم في فلسطين المتمثل في حماس واتهمتهم بالفشل في إدارة الحرب في غزة وأنه في الوقت الذي يعيش خالد مشعل وقيادات الحركة في الفنادق المكيفة في قطر، تعرض ألفين فلسطيني للقتل وأصيب أكثر من عشرة آلاف.
إذن جوهر هذه الحرب المتصاعدة بين الإخوان من جانب وبين إيران وحزب الله من جانب آخر تأتي على خلفية محاولات إيران وحزب الله التقرب من الرئيس عبد الفتاح السيسي ونيل موافقته وتأييده للحرب والتحالف الدولي الذي يتم تشكيله حاليا ضد تنظيم داعش في العراق وسورية ولبنان، إضافة إلى محاولة إقناع الرئيس السيسي بالموافقة على رفع مستوى العلاقات بين القاهرة وطهران لمستوى السفراء.
وتأتي ثالثة الأثافي في تمزيق العلاقة ما بين إيران وتنظيم الإخوان المسلمين!!
فبعد خيانة حماس لسورية ولخط المقاومة، وافقت أخيرا إيران للطلب السوري القديم بدعم منظمات المقاومة الفلسطينية التي تحسب على العلمانيين دعما بلا حدود.. مثل الشعبية والديمقراطية والقيادة العامة الخ، وفي السابق لم تدعم إيران هؤلاء إلا بالقليل. ولكن هذا التحول الإيراني يأتي في سياق إستيلاد معادلة فلسطينية جديدة، تشمل إلغاء الثنائية التشطيرية التي تمثلها فتح-حماس.
لا شك أن الظاهرة حماس صنعتها إسرائيل في عام 1987م، ولكن بأسلوب إسرائيلي محسوب، حين رفعت تل أبيب يدها عن أموال الآوقاف الإسلامية الفلسطينية وجرت الأموال في يد الإخوان الفلسطينيين. ولكن بشكل محسوب ومدروس، عمدت إسرائيل إلى تصفية "الصقور" الحمساوية مثل الشيخ يسن، والجعبري، والرنتيسي الخ وتركت "الرخويات" ليوم محسوب تقديره في سياق إستراتيجي طويل النفس أمثال مشعل، وهنية والمرزوقي. نشوء حماس للوجود –في الحسابات الإسرائيلية- لا يؤدي فقط إلى تشطير المقاومة الفلسطينية إلى شطرين متقابلين فتح/حماس، بل أيضا إلى تشطير الشعب الفلسطيني إلى نصفين متقاتلين.
لذا المعادلة الإيرانية السورية الجديدة تشمل فيما تشمل إفساد الرهان الأمريكي الإسرائيلي على حماس والإخوان المسلمين للتسوية الفلسطينية الشاملة عبر تبادل الأراضي، وتشمل أيضا توحيد الصف الفلسطيني حول شعارين، توحيد المقاومة الفلسطينية تحت قيادة حركة الجهاد الإسلامي، وتوحيد الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج (المهمشين اللاجئين في الخارج) حول شعار "الوطنية الفلسطينية"، بمنأى عن الأيديولوجيات.
المعادلة الإيرانية السورية الجديدة ستشطب الجناح السياسي لحماس، بينما سيتم رفع ودعم حركة الجهاد الإسلامي بقيادة عبد الله شلح إلى الأعلى حتى تتجاوز حركة حماس، ولن يتبقى لكتائب القسام الحمساوية المسلحة سوى خيارين، إما رمي السلاح أو الإنضمام لحركة الجهاد الإسلامي. بينما ستضمحل فتح تدريجيا إلى حد الزوال كحتمية تاريخية.
هذه المعادلة الإيرانية السورية الجديدة التي تبلورت عبر خيانة حماس لسورية، ومؤامرة التنظيم الدولي على مستوى إقليم الشام إلى حد تصفية القضية الفلسطينية، أرعبت الإخوان المسلمين وكلا من تركيا وقطر ودول الخليج. يتبجح الإخوان المسلمون إلى اليوم بإنتصارات المقاومة الفلسطينية ويجيرونها لحركة حماس الإخوانية ولأنفسهم، بينما الفضل في هذه الإنتصارات يرجع لإيران ولسورية ولحزب الله. من لا يذكر ثورة الحجارة؟ أو تفجير الفلسطينيين المساكين أنفسهم في الإسرائيليين!؟ اليوم يقاتل الفلمسطيني بالصواريخ الإيرانية والسورية وتعلم منهما تقنيتها!! ماذا لو أوقفت إيران وسورية وحزب الله دعمهم لحماس وأحلت محلها حركة الجهاد الإسلامي؟! سينكشف أردوغان الحليف للإسرائيلي والوكيل الحصري للإستثمارات الصهيونية الأمريكية في تركيا. بينما دول الخليج التي تتاجر بالقضية الفلسطينية ستفقد الوصاية والسيطرة على القضية الفلسطينية من أجل إنهائها.
وللتدليل على صحة هذا التحليل، يمكن ملاحظة ردة فعل حماس المتشنجة في الحرب الأخيرة حين أكثرت من القول الإستعراضي أن سلاحها "صنع في غزة"..!! وتهستر الإعلام القطري حول المقولة الكاذبة وصور الملحمة الغزاوية كأن حماس هي الفصيل الوحيد المقاوم الذي أتي بالنصر، بينما الذي لا يعرفه الجمهور العربي أن حركات المقاومة "العلمانية" ابلت في هذه المعركة بحجم حماس وأكثر، وأترك بلاء الحصان الجديد حركة الجهاد الإسلامي جانبا!! وصمت أردوغان صمت القبور، ولم يخطئ الإعلام الغربي الذي يصور علاقة أردوغان بإسرائيل تهكما بالعشيقة التي ترفض الزواج. لم يحرك أردوغان ساكنا حين ذبحت إسرائيل اكثر من الفين من الفلسطينيين. صمت السلطان العثماني الجديد!!
كل هذا بالمجموع يعلمه عبد الفتاح السيسي، علم أن إيران وسورية سيشطبان طبقا للضرورة التاريخية حماس الإخوانية التي طعنت سورية وخط المقاومة في الظهر وإنحازت لمقررات التنظيم الدولي الإخواني المتحالف مع باراك أوباما.
هذا التحول في الإستراتيجيات الإيرانية-السورية، والتي تتعلق بالمقاومة الفلسطينية، أثار جنون الإخوان المسلمين وقطر وتركيا ضد إيران وحزب الله – إنه الغيظ الذي يكاد يميتهم، ليس سواه. لقد انتهت السمسرة وسقطت ورقة التوت. هل ستسلح قطر لا سمح الله حماس وهي التي جهدت وانفقت المليارات لتحويل حركة حماس إلى حركة سياسية فقط؟ لذا المزاج المصري أعتدل نحو إيران وحزب الله – فكان الشعار الذي وحدهم: معا ضد الإرهاب الإخواني السلفي!!
وحين نذكر الإرهاب – لا بد أن نذكر داعش. من صنع داعش؟
داعش هي صناعة قطرية تركية إخوانية، بينما الخطة رسمتها أمريكا وإسرائيل. لقد استدرجوا السعودية والإمارات والكويت والبحرين في المرحلة الأولى حين كان التصور المعلن الوحيد أسقاط بشار الأسد. وحين أكتشف السعوديون والإماراتيون الخدعة، أن الربيع الأمريكي الإخواني سيطالهم، أنقسم غرماء سورية إلى محورين متقاتلين، محور قطري إماراتي (مصري!؟)، وآخر قطري تركي أمريكي إسرائيلي. ووضعنا مصر بين قوسين، لأن إنحياز السيسي للمحور السعودي هو تكتيكي بحت.
المرحلة الأولى من المؤامرة على سورية تعتبر مرحلة تحشيد وتمويل وتسليح، وتعمد المخطط الأمريكي أن يغرق سورية بالسلاح والمال والجماعات المسلحة الصغيرة المتقاتلة والمتشاكسة، كي يرهق ويتشتت الجيش العربي السوري إلى الحد الأقصى، وأن تضع الدولة سورية كل ثقلها ضد هذه المنظمات المسلحة الصغيرة، بينما إرجأوا داعش لمرحلة تالية وهي التنظيم الأساس، والرافعة الأمريكية التي ستلتهم ليس المنظمات المسلحة الصغيرة لصالحها فحسب، بل مناط لها إعلان الدولة الإسلامية (في الشام والعراق)، جنبا إلى جنب مع الدولة الإسلامية الأخرى في الكنانة التي كان سيعلنها محمد مرسي في 5 يوليو 2013م.
أعترفت هيلاري كلينتون في كتابها الجديد "الخيارات الصعبة"، أن داعش صناعة أمريكية. وقالت إنهم أعدوا العدة أن يعلن محمد مرسي أيضا الدولة الإسلامية في 5 يوليو 2013م، وهيأت كلينتون 112 دولة صديقة للإعتراف الفوري بدولة محمد مرسي الإسلامية!! يفرض السؤال نفسه، وهل صدفة أن يكون إنذار عبد الفتاح السيسي الأخير لمرسي في 3 يوليو 2013م؟ أي قبل يومين من إعلان مرسي لدولته الإسلامية؟ وما هي حدود هذه الدولة الإسلامية؟ وهل صدفة الزيارة المعدة مسبقا لرئيس جمهورية السودان عمر البشير لمصر في 3 يوليو 2013م؟ وهل صدفة أن يصرح الشيخ حسن الترابي من الدوحة في 14 يونيو 2013م بوحدة ليبيا والسودان ومصر؟
الإستنتاج: دولة محمد مرسي الإسلامية تتكون من مصر وليبيا والسودان!!
كان إعلان محمد مرسي الحرب على سورية في 15 يونيو 2013م مقدمة وتمهيدا وقرارا أمريكيا أن تدعم دولة محمد مرسي الإسلامية (مصر والسودان وليبيا) الدولة الإسلامية الأخرى، أي دولة داعش الإسلامية في العراق والشام. هذه الدعم بديهي في سياق المؤامرة الأمريكية الإخوانية التكفيرية الصهيونية.
تحطم فجأة كل شيء!! قالت كلينتون في كتابها: (فجأة تحطّم كل شيء أمام أعيننا، ومن دون سابق إنذار حدث شيء مجهول). وهذا المجهول ليس سوى بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي!! ولا نشك بعد أن فهمت مصر حجم المؤامرة الإخوانية الأمريكية، في أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ينسق مع الرئيس السوري بشار الأسد!! بل أيضا أن الجيش اللبناني ينسق مع الجيش العربي السوري من خلف ظهر رئيس الوزراء تمام سلام وسعد الحريري!!
إذن إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان لا علاقة له بقضية تشيع السودانيين والأمن الفكري المجتمعي السوداني – إنه إدعاء ومحض دخان لأسباب تبدو خفية. وكما فهمنا من سياق المقالة، السعارالإخواني القطري التركي لم يصب غضبه في السودان، إلا لأن إيران وسورية قررتا وضع حركة حماس في ثلاجة الموتى!! وإذا أندثرت حماس، سيملأ الفراغ خط المقاومة المتحالف مع سورية وإيران وحزب الله!! وهذا أيضا آخر ما تتمناه إسرائيل التي لن تفكر أبدا إزالة حكم حماس في غزة!! فخط دول المقاومة يرغب في تقوية فصائل المقاومة الفلسطينية، بينما الخط الإخواني القطري التركي يرغب في تصفية القضية الفلسطينية!! هذا هو جوهر الصراع. أضف إليه التقارب الإيراني المصري.. الذي قد ينتهي إلى تحالف صامت أو معلن لضرب دواعش أردوغان الإرهابيين، بـ "مباركة سعودية"، أثار هياج أحمد الطيب أردوغان الذي قرر ضربته في السودان بدلا من غزة!! هنا وجدت الخرطوم ضالتها، أو نفسها في موقع الرابح، حين قايضت المراكز الثقافية الإيرانية بمدد من الدولار الأمريكي عبر الأنبوب القطري التركي لكسر الحصار البنكي الذي تؤججه واشنطون. ولا تعجب من الخرطوم إن فرشت البساط الأحمر "للخبير رجل الأعمال التركي" د. غزوان مصري، كي يحكي للسودانيين "معالم التجربة التركية"، أسوة بمعالم الطريق لسيد قطب.
حكومة الخرطوم بقيادة حسن الترابي الخفية، شريك أساسي في المؤامرة الإخوانية- الأمريكية-الصهيونية لتمزيق سوريا والعراق ومصر والمنطقة العربية، ومع ذلك أمريكا تعادي دوما نظام الخرطوم. إنه بارادوكس حير حكومة الخرطوم!! وتفسير هذا العداء الدائم ليس لأن حكام الخرطوم إسلاميين "بدريين"، كما يتوهم حسن الترابي ودراويشه، بل لأن أمريكا والدول الغربية منذ إستقلال السودان، سيان من يحكم السودان، قرروا تمزيق السودان لموقعه الحيوسياسي الفريد (له تسع حدود!!) والخطير. أضف إالى ذلك، لقد جربت قيادة المؤتمر الوطني الحاكمة في السودان التشبث بوهم النموذج الاقتصادي الماليزي، أحضروا للخرطوم مهاتير محمد بزفة كالعريس!! وقبله النموذج الإيراني، زار كلا من الرئيسين رفسنجاني ونجادي الخرطوم... وهربا بجلديهما!! وأخيرا يتوهمون في التجربة التركية.
ما لا تفهمه حكومة الخرطوم أن "الخبيث" أردوغان هو الوكيل الحصري للإستثمارات الأمريكية الصهيونية في تركيا، وهو عراب الفتنة لتمزيق المشرق العربي، وهو الذي صنع داعش ومشتقاتها الإرهابية، وهو عراب شطب وإنهاء القضية الفلسطينية، وهو العشيقة لإسرائيل التي ترفض الزواج كما وصفوه!! لقد فتحت الشركات والبنوك الأمريكية الصهيونية صنابير الأموال كي تتدفق نحو الإقتصاد التركي لتصعيد عميلهم الإسلامي العثماني الكبير لدور إقليمي مرسوم، تماما كما فتحوا صنابير المال لأدولف هتلر لتصعيده لدور دولي مرسوم. التجربة التركية ليست معجزة إقتصادية!! متي يفهم السودانيون؟
شوقي إبراهيم عثمان