وكم ذا بالسودان من مُضحكات ! عبد المنعم سليمان

وكم ذا بالسودان من مُضحكات ! عبد المنعم سليمان


07-22-2014, 08:59 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1406059162&rn=0


Post: #1
Title: وكم ذا بالسودان من مُضحكات ! عبد المنعم سليمان
Author: عبد المنعم سليمان(بيجو)
Date: 07-22-2014, 08:59 PM

قبل أكثر من الف عام قال الشاعر النحرير أبو الطيب المتنبي بعد فراره من عسف حاكم مصر (كافور) ، ملخصاً الأوضاع في ظل حكمه : وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء ، وإنتظرنا ألف عام أخرى ليأتي الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ مفسراً لنا كيف يكون الضحك كالبكاء ، قائلاً على لسان بطل روايته (المرايا) وهو يحكي عن إنهيار القيم والأخلاق بعد الثورة : يخيّل للمرء في أحيان كثيرة انه يعيش في بيت دعارة كبير لا في وطن .

والعيش في بلادنا هذه الأيام أصبح أسوأ من العيش في ظل حكم كافور الأخشيدي وأقرب للعيش في بيت كبير للدعارة ، بعد تعرية جسد الوطن قطعة قطعة ، ثم هتك عرضه وطوله وتلطيخ سمعته بعد ذلك ، حتى صار إسمه مرادفاً لكل ما هو شاذ وشائن ومعيب.

وآخر تقليعات حكومة العرى والخنى والفساد ما أورده الأستاذ ابراهيم مصطفى الصحفي بوكالة الأنباء الكورية (يونهاب) بصحيفة (الراكوبة) الأسبوع الماضي ، حيث ذكر ان شرطة مدينة (أولسان) بكوريا الجنوبية وضعت يدها على شبكة لتهريب (الثعالب) من السودان ، وأن مكتب الحجر الصحي في مطار انتشون يقوم حاليا بمهمة رعاية الثعالب السودانية المُصادرة ، مضيفاً بان هذا النوع من الثعالب الذي يعرف بثعالب الصحراء يعيش بمحمية (وادى هور) في دارفور .

لم أجد في مخزون لغتي ما أعبر به عن هذه المأساة العميقة التي نعيشها ، كما لم أجد في قاموس شتائمي ما يتناسب وحجم البذاءة التي أصبحت تطوقنا من كل حدب وصوب ، فلن يشفي غليلي سحر البيان ولا سقط اللسان ، فمأساتنا أكبر من حجم اللغة وأقذع من فحش الكلام ، ولو ان أحدهم حكى لي تفاصيل هذه الفضيحة الثعلبية ونسبها للشيطان لما صدقته ، ولكن النظام الإجرامي الحاكم في بلادنا يثبت لنا دائماً مقدرته على إجتراح أساليب فساد لا يمكن ان تخطر على بال الشيطان نفسه ، بعد ان ساد الحكم فيه لشخص فاق الأولين والآخرين في السرقة والفساد وعدم الأخلاق والمروءة والشرف .

هب عزيزي القارئ ان الكاتبة الانجليزية (جي . كي . رولنغ) قد قررت مواصلة إنتاج سلسلة الصبي الساحر (هاري بوتر) ، فهل يا ترى كان سيخطر على خيالها الخصيب ان ترسله في مغامرة للإمساك بثعلب صحراوي كي يبيعه ؟! وهب ان كاتب قصة الفيلم الامريكي (صائد الثعالب) قد سمع بثعالبنا وقصتهم قبل كتابة سيناريو فيلمه الفائز بجائزة مهرجان (كان) السينمائي لهذا العالم ، تخيّل كيف كان العالم سيهنأ بمشاهدة فيلم عالي الجودة والحبكة ، تتداخل فيه الكوميديا بالفانتازيا وتتشابك فيه ذقون أفراد عصابة (الكيزان) بأنف الثعلبان ، في أعظم عملية مشاهدة حية لتوالد نوع هجين جديد بين كائنات تنتمي للفقاريات وأخرى تنتمي لفصيلة ال######يات .

لست مندهشاً من أفعال هذا النظام الإجرامي كما انني لست حالماً أو رومانسياً كي أتحدث عن إنتهاك المحميات الطبيعية للحيوانات من قبل نظام يرمى بالأطفال في النيران المشتعلة بدارفور ، ويجعل الكهوف مأوى لهم بجبال النوبة ، ولكن هذه الجريمة بالتحديد أرقتني وخلطت حابلي بنابلي ، فكيف أواجه ابني الذي أكد لينعم بحياة أفضل من التي عشتها ، كيف أواجهه وأرد عليه حال سألني عن أمكر مخلوقات الله ، هل أكذب وأقول له كما قالت لنا الكتب ونحن على براءة زغب الطفولة انه الثعلب ، أم أجيبه بما تعلمناه عملياً في زمن حكم الوحوش ، وأرد عليه : ان كل من ينتمى لهذه الحكومة فهو أجبن من النعامة وأقذر من الخنزير وأمكر من الثعلب .

والمسألة تتعدى مواجهة ابني لتصل إلى مواجهة ذاتي ، وانا الذي تتنازعني قناعة قديمة كل فترة بحقيقة نظرية (داروين) القائلة : بان أصل الإنسان قرد ، وأصبحت هذه القناعة أكثر رسوخاً بعد رؤيتي أول مرة لشخصيات من أمثال : اسحق أحمد فضل الله ، ومختار الأصم ، وأمين حسن عمر ، والطاهر حسن التوم وو .. وهلم ذما ، فكيف بالله ساقنع نفسي بعد هذه الجريمة الثعلبية الماكرة بان (الذئب) هو أصل الإنسان وليس (القرد) كما قال (داروين) الذي بلا شك ستصقع المفاجأة شآبيب قبره ؟!

ان الكوارث العميقة التي ضربت ولا تزال تضرب وطننا أمام أعيننا يومياً نتحمل جزء من مسؤوليتها ، فكلنا تواطئنا عليه بالصمت أو بالخوف أو بللامبالاة ، وتركناه فريسة سهلة يتناوشها (المستذئب) وجماعته ، ولا أعفي نفسي من هذه المسؤولية ، وكفي بي عاراً انني أمام كل هذا الدمار المهول الذي أصاب بلادنا لا يزال سلاحي الذي أحمله حتى الآن : قلماً و(كيبورد) .

وبئس ما أحمل .