رمضان ومعايير الاتزان /صلاح يوسف

رمضان ومعايير الاتزان /صلاح يوسف


06-11-2014, 11:53 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1402484014&rn=0


Post: #1
Title: رمضان ومعايير الاتزان /صلاح يوسف
Author: صلاح يوسف
Date: 06-11-2014, 11:53 AM

على المحك
صلاح يوسف – [email protected]


مثلما يحدث في كل عام، بدأت القنوات الفضائية السودانية والعربية عمليات البرمجة الخاصة والإعداد والتسجيل استعداداً لشهر رمضان الكريم الذي ترتفع فيه عادة نسبة المشاهدة إلى سقفها الأعلى. ولا ندري هل تريد هذه القنوات، بخصوصية البرمجة وتنويعها والارتقاء بمستوى الأداء فيها، التكفير عن فيض الغث المبثوث خلال العام وتعويض المشاهد على صبره وتقبله فطير الأعمال التي درجت على تقديمها، أم أن لشهر رمضان سحره في جذب المشاهدين بحكم تواجدهم في أوقات معينة بديارهم وهي فرصة لا تعوض لمخاطبتهم وشحنهم بما يتم انتاجه من أعمال أو الترويج له من سلع وكماليات يطول وقت بث إعلاناتها لدرجة تبعث على الملل؟ وحتى الآن قد تسربت بعض المعلومات عن برامج دينية وتاريخية وحوارية وتوثيقية وغنائية ومسلسلات تم الترويج لها بما يجعلها جديرة بالمشاهدة سواء كانت محلية الإنتاج أو قادمة من الخارج على طبق ذهبي من الثقافة الوافدة. غير أن كثرة القنوات الفضائية المتنافسة والكم الهائل من البرامج مع محدودية الزمن الذي يستطيع المرء اقتطاعه للجلوس أمام الشاشة بكل حواسه قد لا تمكّنه من المتابعة التامة نسبة لتشابه وتداخل وتعارض أوقات البث ونفاذ طاقة المشاهد المرهق أصلا خلال ساعات الصيام، فتجد غالبية المشاهدين يتنقلون بين قنوات مفضلة لالتقاط شذرات من هنا وهناك على سبيل العلم بالشيء ولا الجهل به، أو التمركز عند قناة واحدة دون الالتفات للأخريات مما قد يجعله يدور في حلقة مقفولة. وربما لهذا السبب تعمل القنوات على إعادة البث لبرامجها اليومية في أوقات مختلفة لكي تتيح الفرصة لمن لم يفلحوا في المتابعة في الأوقات الأساسية من مشاهدتها لاحقاً، بل إن بعض القنوات تضع البرامج الرمضانية التوثيقية ضمن مكتبتها المرجعية وتحتفظ لنفسها بحق إعادتها بعد انتهاء الشهر.

وعلى ذات النهج بدأت المنتديات الثقافية والاجتماعية في برمجة ندواتها وجلسات المؤانسة مع رموز المجتمع والمبدعين والفنانين كشكل من أشكال الفعاليات التي تمارس في بعض البلدان تحت ما يعرف بالخيم الرمضانية علماً بأن هذه النشاطات تتم في دور وأندية وفنادق لا نكاد نرى فيها خيمة بالمعنى المعروف ولكنها تعريشة افتراضية يتكئ على أرائكها البعض كأنهم يكافئون أنفسهم على النجاح في تحمل ساعات الصوم. وإذا كان كل ذلك يصب في ماعون الترفيه والترويح والتثقيف الحي فهناك، حلقات التلاوة والتجويد والتوعية الدينية التي يحرص على حضورها من يرون في كل زخم التلفزة والمنتديات انصرفاً عن معاني العبادة الحقة المتوقعة في الشهر الذي أنزل فيه القرآن الحكيم. وهكذا يكون شهر رمضان عامراً بالتنوع والعطاء الوافر دون حجر، وما علينا سوى انتقاء ما يليق باهتماماتنا رغم إن المشاهد ككائن بشري لا يقوى على توفير طاقته لمتابعة كل ما يتم بثه لأنه في واقع الأمر بحاجة لبرمجة وقته الخاص بين أداء الفرائض والسنن وممارسة واجباته الاجتماعية والاستلقاء طلباً للراحة بعد نهار حافل بعناء العمل ومجاهدة الرزق ومشقة الصوم. ولكن من الملاحظ أن هناك من يقيمون الليل سهراً في اللهو والثرثرة حتى حلول وقت الإمساك حيث يخلدون للنوم ليبدأ يومهم الثاني بقدرة مقاومة متناقصة. وهم حين يسألون يعزون التناقص للصيام في حين أنه ناتج عن تراكم رصيد الإرهاق الذي يتعود المرء على تحمله يومياً.

صحيح أن عقل الإنسان يفتقد للتركيز والأريحية في التعامل الذي قد يصل حد إعطاء الذات بعض العذر للتكاسل خلال فترة الصوم، فتحاول هنا القنوات الفضائية إعادة الشحن وإنعاش ذهنه بجره لدخول عالمها عبر بوابات سهلة التقبل، لكن كثرة ما تنتجه قد يكون أكثر من طاقته الاستيعابية وعصياً على الهضم. وبذات المعيار صحيح أن جسم الإنسان يفتقد للكثير من المنشطات ويتقلص مخزونه من الطاقة نتيجة للصوم فيعمل على تعويض ذلك بالتهام كل ما لذ وطاب دون مراعاة لقدرة الجهاز الهضمي على الأداء لتحويل ذلك إلى سعرات تعويضية عن الفاقد النهاري فينقلب الحال إلى عسر. ولذلك لا مفر من اتباع نهج يقوم على التوازن البرامجي والغذائي.