جدل مشروع النهضة السوداني بين المهدي و الصاوي

جدل مشروع النهضة السوداني بين المهدي و الصاوي


04-17-2014, 09:30 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1397766609&rn=1


Post: #1
Title: جدل مشروع النهضة السوداني بين المهدي و الصاوي
Author: زين العابدين صالح عبد الرحمن
Date: 04-17-2014, 09:30 PM
Parent: #0

زين العابدين صالح عبد الرحمن
يقول إيمانويل كانت عن التنوير الذي يمثل جذع النهضة الأوروبية ( هو خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي و بلوغه سن النضج أي التحرر من كل الوصايا) و يضيف قائلا ( حدود العقل تبتدئ بحدود الإيمان) و في ذات الموضوع يقول المفكر اللبناني علي حرب ( إن التنوير هو عودة العقل علي ذاته بالنقد لتعرية بدهاته اللامعقولة، أو فضح ممارساته المعتمة و تفكيك أدواته القاصرة و غير العقلانية) إذن مشروع النهضة يعتمد علي سيادة العقل، و التحرر من كل العوائق التي تحد من إنطلاقته، و السودان واحدة من دول العالم الثالث التي استطاعت نخبته قبل الإستقلال أن تدرك العوامل التي ساعدت أوروبا في القرن السابع عشر أن تبدأ نهضتها، لذلك كونت الجمعيات الأدبية، ثم أنتقلت إلي نادي الخريجين، لتجمع القوي المثقفة و المستنيرة في مكان واحد، لكي يساعدها في الحوار، إشتغالا بالعقل، و انتقلت بعدها إلي مؤتمر الخريجين كخطوة متقدمة، إلي إن وصلت مرحلة تكوين الأحزاب، تتخطي به المكونات الأولية لمؤسسات أكبر جامعة، هذه النهضة في الوعي السياسي توقفت بعد الإستقلال، حيث تراجع العقل الناقد إلي العقل السياسي التبريري، الأمر الذي خلق بدايات الأزمة السياسية في السودان.
و واحدة من الإشكاليات الأساسية للأزمة السياسية السودانية، المستمرة و التي لم تخف أو تنقطع منذ إن نال السودان إستقلاله عام 1956، إن القوي السياسية منفردة أو مجتمعة لم يكن لها مشروعا سياسيا للنهضة متفق عليه، و إن كان هناك مشروعا واحدا، هو مشروع الحزب الشيوعي السوداني " مشروع قوي الثورة الوطنية الديمقراطية" و لكنه مشروع لم يستطيع الحزب أن يطرحه بقوة وسط النخبة السودانية لكي يجد حظه في الحوار، و ذلك راجع للحصار الاجتماعي، الذي كان مضروبا علي الفلسفة الماركسية كأداة و منهج تحليلي، و يتحمل الحزب الوطني الاتحادي مسؤولية الهروب من التفكير حول مشروع النهضة السوداني، ذلك باعتباره الحزب الذي كان يمثل التيار الليبرالي، المنوط به وضع الأسس و القواعد الأساسية و الفكرية للبناء الديمقراطي و أن يقدم أطروحاته الفكرية حول ذلك، لكن النخبة الاتحادية إستجابت لمقولة زعيمها الأزهري " تحرير لا تعمير" الذي قطع طرق الاجتهاد في عملية التفكير في المشروع النهضوي، أما حزب الأمة قد إنحرف بالعملية السياسية، و رمي بها في أتون الأزمة التي لم تستطيع الخروج منها حتى الآن، و باعتراف السيد الصادق المهدي، عندما قال في ندوة " جائزة قوسي للسلام" أنني اعترف إن عبد الله خليل قد سلم السلطة للعسكر، و هذا التسليم كان بدأية دخول " مبدأ القوة في العمل السياسي مفارقا مبدأ الحق الذي كان يشير إليه دائما سامي سالم في انتقاداته إن دخول القوات المسلحة في العملية السياسية قطع بدايات التفكير في مشروع النهضة السوداني.
و هذه الأطروحة اعتبرها جزءا من عملية الحوار السياسي الدائر في البلاد، و لكنها لا تأخذ الجانب السياسي بقدر الميل نحو الجوانب الفكرية، و الملاحظ في العمل السياسي السوداني، إن الأحزاب كؤسسات سياسية، لم تستطيع أن تقدم أطروحات فكرية و إجتهادات من النخب المنتمية لها، بل إن الأحزاب اعتمدت في الانتاج الفكري علي قياداتها السيد الصادق المهدي في حزب الأمة، الوطني الاتحادي إسماعيل الأزهري في كتابه "الطريق إلي البرلمان" و إن كان كتابا إجرائيا، الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب و من بعد محمد إبراهيم نقد، الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي، حزب البعث عبد العزيز حسين الصاوي رغم إن الأخير كان حالة إستثنائية، هذا الشح في الاشتغال في الفكر، انعكس برمته علي العملية السياسية، و أغلبية المفكرين السودانيين ظهرت إبداعاتهم الفكرية بعد رحيلهم من مؤسساتهم السياسية و هذه ظاهرة جديرة بالدراسة، و هذا الشح في الانتاج الفكري و الثقافي، جعل الأزمة السياسية تستمر، باعتبار إن النخب التي صعدت للقمة، كانت تمتلك أدوات لا تساعد علي العملية النقدية، أو تصحيح المسارات السياسية، و من هنا ألقي الضوء علي حالات استثنائية في الفكر السوداني، إجتهادات السيد الصادق المهدي كزعيم سياسي، يميل للفكر، و الأستاذ محمد بشير المعروف في الساحة الفكرية و السياسية ب " عبد العزيز حسين الصاوي" رغم إن الأخير قد ترك العمل السياسي و الحزبي المباشر، و فضل الإشتغال بالقضايا الفكرية النقدية، في إعتقاد أنها توفر له مساحة كبيرة من الحركة الذهنية، دون أية قيودات تفرض عليه، إلي جانب مراقبة الساحة السياسية السودانية بدون وضع نظارة تلون الصور المعروضة عليه، أما السيد الصادق المهدي، ظل في الساحة السياسية كزعيم لحزب الأمة، متفاعل مع الأحداث، و لكن من خلال مرجعية حزبية، و هذه اللونية الحزبية، تجعل المراقبين و السياسيين في الساحة السياسية السودانية ينظرون إلي أطروحاته أنها رؤية حزبية، رغم إن خطابات الرجل تحمل أيضا رؤي فكرية تستحق النظر بعين ناقدة، و رغم إن السيد الصادق يفضل مفكرا سياسيا علي سياسيا مفكرا، لكنه أهمل أن تكون له مؤسسات أو مؤسسة فكرية تضطلع بهذا الدور الذي ما هو سياسي و ما هو فكري و تسليط الضوء عليه، ليكون مجال مدارسة نخبوية.
سوف أحصر أطروحتي الحوارية في نقاط قليلة، دون التوسع في اطروحات الرجلين، باعتبار أنهما يمثلان تيارين مختلفين من ناحية المرجعيات الفكرية، و يلتقيان حول ديمقراطية الدولة، و قد حدثت في الفترة الأخيرة تغييرات جوهرية في فكر الصاوي، خاصة حول قضية التنوير و مشروع النهضة السوداني، و دون الخوض في التفاصيل الدقيقة و سبب التحول الفكري، رغم أنه تحول فرضته الأحداث المحلية و الإقليمية، و تطور كبير في فكر الرجل من خلال قراءات للواقع العربي و الأفريقي.
و يتركز الطرح الفكري التنويري للصاوي، في نقطتين جوهريتين تمثلان علامات بارزة، الأولي قضية التعليم كأساس مهم لتطور المجتمع و تحديثه، و القضية الثانية هو المنهج النقدي كأساس للمشروع الفكري، و برز ذلك من خلال تسليطه الضوء علي معاوية محمد نور، كأحد الباحثين و المفكرين السودانيين، و الذي تبني هذا المنهج النقدي، في مشروعه المعرفي منذ الأربعينات، كتب الصاوي دراسة بعنوان " معا نحو عصر تنويري سوداني يقول ( يلاحظ ان الورقه تستخدم مصطلح " اصلاح " المنظومه التعليميه وليس تغييرها جذريا، مع ان هذا هو المطلوب مثاليا لأعادة بناء حقيقية للانسان السوداني. الاعتبار الثاني هو اعطاء الاولويه لاصلاح التعليم العام، خاصة مرحلة الاساس) و هذا راجع لقراءات الصاوي لعصر التنوير الأوربي، و إذا رجعنا إلي عصر التنوير تقول الموسوعة الحرة ويكيبيديا ( إن التعليم قد لعب دورا مهما للغاية في نقل أفكار و إشكال عصر التنوير، و قد كان نظام التعليم في اوروبا خاضعا للتطوير بصفة مستمرة وقد استمرت تلك العملية خلال فترة عصر التنوير، و الثورة الفرنسية أخذ تطوير نظام التعليم، و قد أدي التطوير إلي ظهور عدد كبير من العامة، ممن لديهم القدرة علي القراءة، بالإضافة إلي إنفجار ثقافة الطباعة، و التي ساعدت علي توفير احتياجات الطلب المتزايد من القراءة، بين مجموعة واسعة من الطبقات الاجتماعية) و يقول الدكتور هاشم صالح المفكر السوري ( إن النهضة لا تنجح إلا إذا دخلنا في صلب الموضوع، و قدمنا تأويلا جديدا لموروثاتنا العقائدية كما فعل فلاسفة التنوير الأوروبي مع تراثهم المسيحي، و هذا ما لا نتجرأ عليه حتى الأن خوفا من عواقبه) و هذا التخوف نفسه هو الذي جعل الصاوي يتحدث عن إصلاح التعليم بدلا عن التغيير، حتى لا يدخل في جدل بيزنطي مع تيارات الإسلامي بكل فروعها، في مجتمع ما تزال فيه الأمية تشكل نسبة كبيرة في المجتمع، أو ربما تكون فكرة الإصلاح تجد قبولا من التيارات المختلفة، و لكن في حقيقة الأمر، هو موقف واضح من عملية التعليم السائدة، و التي تشكل العنصر الأساسي لعملية النهضة الإنسانية.
في الجانب الأخر نجد إن السيد الصادق المهدي، يبني أطروحته حول النهضة من خلال الحوار السياسي بين المرجعية الإسلامية و دعاة العلمانية من قبائل اليسار السودان، و يعتقد إن الحوار هو الذي يؤسس لوفاق وطني، يشكل العتبة الأساسية لتطور السودان و إستقراره، و دون أن يتنازل عن مرجعيته الإسلامية، و لكنه داخل هذه المرجعية يقسمها إلي وسطية و متطرفة و غيرها، و هو يلزم نفسه جانب الوسطية حيث كتب الصادق المهدي مقالا بعنوان "ميثاق أهل القبلة " يقول فيه (في الإطار السياسي هنالك شعاران متقابلان هما: شعار يقول به دعاة المرجعية الإسلامية بقولهم الإسلام دين ودولة. وشعار العلمانية المخففة الذي يقول الدين لله والوطن للجميع.
شعار الإسلام دين ودولة ينبغي أن يراجع لأن الدين من الثوابت أي العقائد بينما الدولة من المتحركات أي العادات. والمساواة بينهما تمنع حركة المجتمع واستيعاب المستجدات.
التعبير الصحيح في هذا المجال أن الإسلام دين ومقاصد اجتماعية ما يفتح المجال واسعاً أمام حركة المجتمع. إن الإسلام محمول عقدي وثقافي مطلوب لإلهام الجماعة وحفظ تماسكها، والإسلام يفعل ذلك مع الاعتراف بالحقوق الدينية والمدنية لغير المسلمين على نحو ما فعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم في صحيفة المدينة.
شعار الدين لله والوطن للجميع إذ يعني الاهتمام بالمصالح المدنية للجماعة الوطنية ينطلق من حقيقة موضوعية على ألا يعني هذا ألا يكون للدين سيما الإسلام دوراً في هذا الجانب، فالإسلام يمنح بعداً روحيا وأخلاقياً لتلك المصالح المدنية. هذه هي أسس مراجعة شعار الدين لله والوطن للجميع.
بناءاً على هذه المفاهيم ينبغي أن تجري الحركات ذات المرجعية الإسلامية مراجعات. كما تجري الحركات ذات المرجعية العلمانية مراجعات، وتصاغ معادلة تضم لميثاق أهل القبلة توفق بين التطلعات الإسلامية ومطالب المساواة في المواطنة، والعقلانية، وحقوق الإنسان) و لكن السيد الصادق يجد في ذلك مطبات كثيرة، بعد تجربة الحكم و التي رفعت القوي السياسية ذات المرجعية الإسلامية لقمة السلطة، حيث كانت تجربتها تعاني من خلل عضوي، إدي إلي تشويهات في الصورة، و خاصة قضية الديمقراطية وفاقدة لأية شكل من أشكال الحوار، بل استخدمت الإقصاء في أعلي مراتبه، و هذا يرجعنا لما قاله مالك بن نبي في كتابه " شروط النهضة" ( إذا ما حددنا مكاننا من دورة التاريخ يسهل علينا معرفة عوامل النهضة أو السقوط في حياتنا) و هل حدد السيد الصادق مكانه في الدورة التاريخية، المشكلة التي يواجهها خطاب السيد الصادق المهدي، عدم التفريق ما بين هو سياسي يدخل في دائرة التحليل السياسي، لظواهر الواقع و أحداثه، و بين ما هو فكري يقدم رؤية جديدة تتطلب الحوار و الحفر عليها، هذا الخلط يؤدي لتغبيش في الوعي عند العامة من جهة، و انتقاد من الخاصة، و لكن يمكن أن يحدث له فرز حقيقي، لكي يقدم أطروحة فكرية تشكل مشروعا لبرنامج نهضوي، يقوم علي مرجعية إسلامية، كما إن الخلط و عدم الفرز يرجع لآن السيد الصادق ما يزال يمارس دوره السياسي الذي يفرض عليه تحليل لأحداث الواقع، و هذا ما يسميه مهدي عامل "جدل الممارسة اليومية" كما أنه لم يفرد مساحات تتناول رؤيته حول التراث لإسلامي، كما تناوله محمد عابد الجابري " نقد الخطاب العربي" أو محمد أركون " الفكر الإسلامي نقد و إجتهاد" أو في جانب اليسار حسين مروة " نزاعات المادية" للغوص في الفكر الإسلامي و التراث و علاقته بالحاضر و بقضية النهضة.
و تعد الركيزة الثانية التي تمثل مشروع الصاوي للنهضة هو معاوية محمد نور، ليس بصفته ككاتب و ناقد أدبي، أنما مشروع معاوية محمد نور النقدي الذي يقوم علي البحث و الحفر في مشروع النهضة الأوروبي و التنويري، و الذي حاول من خلاله نقد المشروع التنويري الأوروبي من داخل مكوناته الأساسية حيث يقول الصاوي ( وقبل ان ننزلق الي التفسير الجاهز لهذا الشعور حول الاستصغار المصري للسودانيين، يشارالي ان القيمة الحقيقية والكبري لمعاويه كعَلم من أعلام التنوير غابت حتي عن الفكر السوداني نفسه الذي انحصر كلية في الاهتمام بأنتاجه الادبي والثقافي العام ) و تجاهل النخب السودانية و حتى العربية و عدم الالتفات لمعاوية كمشروع نقدي للحداثة، و متنبئ بعصر ما بعد الحداثة، لغياب الدراسات الفكرية الناقد في السودان و الالتفات لهذه مؤخرا، و لكن يجري إلتفات الصاوي لها بعد إعادة منهجه الذاتي و البحث بعيدا عن الأطر الحزبية التي وفرت له مساحات واسعة من القراءات و التجارب و تناولها بعيدا عن موقع الصاوي السياسي نفسه، و الذي كان يقيد ذاته بالإطار الحزبي الذي ضيق عليه مساحات التواصل مع الأخر، أو ممكن القول هي محاولات الصاوي الجديدة في التنقيب في أسباب و عوامل إخفاقات النهضة العربية، بحكم أرتباط الرجل بمركز دراسات الوحدة العربية. و يقول الصاوي متحدثا عن مقاله عن معاوية نور ( وفي محاولة لابقاء الموضوع حياً جاء المقال الثاني ( 9 ديسمبر 2009 ) مستقصياً مظاهر مستجدة لاهتمام متزايد بمعاويه محمد نور في الاوساط الفكرية والاكاديمية السودانيه ومستكشفاً لبعد اخر للمحمولات التنويرية لاعماله يتعلق بمواكبة مبكرة للغايه لما يطلق عليه " مدرسة مابعد الحداثه " الذي ظهر في الاربعينيات منتقدا تيار التنوير من داخله. هنا ايضا يسبق معاوية عصره السوداني والعربي معا فراسخ وأميالا إذ يستعر النقاش حاليا بين المثقفين العرب حول ماإذا من المجدي الانشغال بقضايا نقد التنوير ونحن لم نعش بعد مرحلة التنوير نفسها) هنا يشير إن الصاوي، كما ذكرت من قبل، إن العقل النقدي لمعاوية نور و قرأته من داخل الفكر الأوروبي جعله يتنبأ لمجتمع ما بعد الحداثة، و يقدم أطروحته الفكرية فيه، هذه الاستدلالات الفكرية للصاوي، تؤكد إن الرجل مدرك لتفاصيل مشروعه التنويري، و كما ذكرت مشروع لا يستند علي مرجعية فكرية واحدة أنما يستقي المعرفة من كل المرجعيات المطروحة في الساحة العالمية، و خاصة التي كان ينتمي إليها أنما هي مرجعية معرفية خالية من الحواجز و السياج منفتحة، تتيح لصاحبها فتح حوارات علي كل المنابر.
إن خلط الأوراق عند السيد الصادق بين السياسي و الفكري، تجعله متردد في أختيار المنهج الذي يمكن أتباعه، فمثلا في كتابه " الديمقراطية عائدة و راجحة" إنه أتخذ المنهج التبريري، حتى لا يلقي المسؤولية عليه و هنا غلب الحس السياسي علي الفكري، كما تجده في بعض كتاباته مثلا في "مجلة السياسية الدولية " المصرية يأخذ بالمنهج النقدي خاصة في قضية عدم تطور الأحزاب السياسية، و في بعض المرات يخلط بين المنهجين في ندوة " جائزة قوسي للسلام" استخدم المنهج النقدي عندما أعترف إن عبد الله خليل سلم السلطة للعسكر، و لكنه لم يقل حزب الأمة لكي يتحمل عبد الله خليل المسؤولية لوحده، و ليس للحزب، لذلك نجده تراجع بسرعة في ذات الخطاب من المنهج النقدي للتبريري، هذا الخلط يضعف المنهج الفكري للسيد الصادق، و كما ذكرت هي عملية تحتاج فرز. هذا الخلط السياسي الفكري في ذهنية السيد الصادق جعلته يقدم قضية الديمقراطية، و يعتني بشروحاتها دون القوص في قيمها و مطلوباتها الثقافية، باعتبار إن نجاح الديمقراطية و استمراريتها هي في ممارسة المنهج النقدي، و لكن رغم الخلط في المناهج يشدد علي قضية الديمقراطية، لذلك نجده يقول عنها في ندوة بدار حزب الأمة (الديمقراطية المعيارية التي لم تتوافر شروطها: لا في الأحزاب، ولا في النقابات، ولا المؤسسات: القضاء، والقوات المسلحة. الديمقراطية لم تقم مرة واحدة في أوربا بل هناك أشياء سبقتها ولكن نحن لدينا ولاءات دينية وقبلية تجعل الإنسان ليس مجرد مواطن مما ينتقص من إمكانية تطبيق الديمقراطية مما يجعل ليس من الممكن تطبيق الديمقراطية المعيارية بل الواجب التوفيق والتوازن الجهوي والقبلي، كانت هناك ضرورة لهذا التوازن. وضرورة البحث عن كيفية إقامة حزب سياسي فلا تقوم الأحزاب كيفما اتفق بل يكون هناك تخطيط لذلك، ونفس الشيء للنقابات، وضرورة لضبط القوات المسلحة لتكون قادرة أن تكون منضبطة للنظام السياسي، وكذلك استقلال القضاء فلا يكون القاضي هو نفسه سياسياً ويستغل استقلال القضاء للعمل السياسي كما حصل، لا بد من إجراءات تحول دون ذلك. هذه أشياء كانت محتاجة لهندسة لأقلمة الديمقراطية بدل السير في الطريق المعياري). و بهذا الحديث يحاول أن يفتح السيد الصادق حوارا فكريا، وسط النخبة السودانية، بهدف الوصول للتوافق الوطني، و هي قضية تشغل فكر السيد الصادق لأنها تعتبر العمود الفقري في بنائه السياسي ثم الفكري، و لكن في ذات القضية نجد إن الصاوي يتناولها ببعدها الفلسفي حينما يقول في ورقة التنوير (ان الديموقراطيه كما يعرفها المجتمع البشري الان نظام سياسي انبثق مما سمي عصر النهضة والتنوير الاوروبي خلال القرنين السادس والسابع عشر مستفيدا من منجزات الحضارات السابقة له، العربية- الاسلاميه، اليونانيه، الاسيويه. وهو عصر تميز بازدياد تأثير العلوم الطبيعية والانسانيه وانعتاق عقل الانسان وارادته من تراكمات ظلام العصور الوسطي نتيجة نشوء الطبقة البورجوازيه علي حساب الاقطاع ثم الثورة الصناعيه وفكر وفلسفة الانوار والاصلاح الديني. وقد شكلت افكار ونشاطات دعاة الاصلاح الديني والاجتماعي والسياسي المصري امثال الطهطاوي ثم محمد عبده والافغاني وطه حسين، والشامي أمثال شبلي شميل وفرح انطون وجورجي زيدان، قناة عصر التنوير الي المجال العربي والاسلامي في السودان وخارجه نهايات القرن التاسع عشر. بتأثير تفاعل هذا المصدر مع مخرجات التعليم الحديث بعد الاحتلال البريطاني اواخر القرن التاسع عشر، انبثقت ارهاصات عصر التنوير والعقلانيه السوداني منذ عشرينات القرن الماضي مرسية اولي لبنات البنية التحتية للديموقراطيه كثقافه عامه وممارسات عمليه) و يرجع بنا الصاوي مرة أخري لعهد التنوير و مشروع محمد علي باشا من أجل التحديث، و هي مرجعيات أساسية في تطور الفكر السوداني، باعتبار إن النخب السياسية السودانية تأثرت بشكل كبير بحركة التنوير التي كانت قد انتظمت مصر في القرن التاسع عشر، و تأثيرات حملة نابليون بونابرت علي النخب المصرية, و هي مراجعات فكرية لابد منها تشكل قاعدة أساسية للحوار السياسي السوداني.
و فكرة مشروع سوداني للنهضة، كانت أيضا قد شغلت النخبة السودانية في عشرينيات القرن الماضي، و كانت فكرة أحمد خير ل " مؤتمر عام للخريجين" تشكل الركيزة الأساسية لبديات مشروع النهضة السوداني الذي قبر. و لكن جاءت كتابات الصاوي التنويرية تعيد المشروع و تضعه علي السطح، و إن كتابات السيد الصادق المهدي و انحياز الرجل إلي قضية الديمقراطية و الحوار الوطني بين التيارات السياسية السودانية تشكل علامة بارزة في هذا المنعطف الذي يمر به السودان، كما إن أية مشروع نهضوي إذا فارق المنهج النقدي لن يكتب له النجاح، و المنهج النقدي يعني مزيدا من الديمقراطية و الحرية، و هي الوسيلة الوحيدة التي تقتل النعف في البلاد.
ختاما بما إن الدراسة لم تتعمق كثيرا في خطاب السيدين المهدي و الصاوي و لكنها تفتح أفاق للنقاش و الحوار، باعتبار إن الحوار هو الأداة الناجزة من أجل تعبيد الطريق للوفاق الوطني، و لا اجد إلا أن أشكرا المهدي و الصاوي لكل الأطروحات الفكرية و السياسية التي قدماها و هي طروحات جديرة بالنقاش و الحوار و الدراسة، و استميحهم العذر إذا تجاوزت في البعض.
.