في الذكرى الستين لرحيل العقاد أعظم المفكرين الإسلاميين في العصر الحديث شبهات حول العبقريات

في الذكرى الستين لرحيل العقاد أعظم المفكرين الإسلاميين في العصر الحديث شبهات حول العبقريات


03-09-2014, 09:41 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1394397710&rn=0


Post: #1
Title: في الذكرى الستين لرحيل العقاد أعظم المفكرين الإسلاميين في العصر الحديث شبهات حول العبقريات
Author: محمد وقيع الله
Date: 03-09-2014, 09:41 PM

بقلم: محمد وقيع الله
(1)

تطل علينا في هذه الأيام الذكري الستون لرحيل إمام الفكر الكبير الأستاذ عباس محود العقاد.
ذلك المفكر الضخم الذي أصدر أكثر من أربعين كتابا عميقا في الإسلاميات وفي تحليل العبقريات الإسلامية أو العبقريات الإنسانية التي أنجبها الإسلام.
ولا شك أن كتابات العقاد الفلسفية الإسلامية هي بعض أخصب الإنتاج الفكري الإسلامي الحديث إن لم تكن أخصبه جميعا.
وقد أشاعت كتابات العقاد الإسلامية بما فيها من قوة الفكر واعتداله احترام الدين الإسلامي في أوساط المثقفين والمتعلمين في أيام ذاع فيها الاستهتار بقدر الدين.
كما ألهمت كتاباته الفذة عددا من المفكرين الإسلاميين ليحذوا حذوه في تآليفهم.
وقد اعتنينا حينا من الدهر بتتبع مظاهر سبق العقاد وآثار ريادته في مجال التحليل الفكري الإسلامي، واعتماد بعض أقطاب الفكر الإسلامي على آرائه التي ابتدرها، والارتكاز عليها، والتفصيل فيها، من دون التعرض لذكر ريادته وسبق افتراعه للقول فيها.
وفي ذكرى رحيله التي تمر بنا آنيا نود أن نحصر قولنا في تفرد هذا المفكر الإسلامي الكبير في مجالات محددة لا يسمح المجال الصحفي بأكثر منها.
وقد آثرنا أن نحصر القول على ما اشتبه فيه القول في فكره ولا سيما ما سجله في كتب العبقريات، وما جاد به في تبيان أصول الفلسفة القرآنية كما سماها، ودفاعه المجيد عن الإسلام ضد غزوات المستشرقين.
وقد أشاع الإسلاميون أباطيل كثيرة عن العبقريات الإسلامية التي كتبها العقاد رددوها من دون وعي تردادا طائفيا بمجرد سماعهم بها ممن لا يحسن الفهم ولا الظن من بعض قادتهم الفكريين المتعصبين.
وربما كان أشد من روج هذه الأباطيل الأستاذ غازي التوبة في كتابه (الفكر الإسلامي المعاصر: دراسة وتقويم) وهو كتاب ظالم أوحاه التعصب الفكري والحزبي، وعقد مؤلفه فصولا متعسفة لنقد فكر الأستاذ الإمام محمد عبده، والأستاذ العقاد، والفيلسوف الاجتماعي مالك بن نبي، ومحاكمته عرفيا، وإثبات انحرافه عن صراط الفكر الإسلامي المستقيم.
ومما يعنينا مما قاله الأستاذ عن العقاد هو اتهامه بأنه حارب تيار المد الإسلامي بسلاح:" الشخصيات فكتب العبقريات ليؤكد صحة أفكاره في أولية الفرد في التاريخ وأحقيته كمحرك له وليطعن ويشوه الإيمان بالجانب الجماعي في الإسلام ويشكك في دور العقائد والتربية في توجيه الأشخاص، فالعظيم عظيم بفطرته والعبقري عبقري منذ نشأته ".
وربما تشرَّب الأستاذ غازي التوبة هذه الشبهة من كلام قديم للدكتور محمد أحمد الغمراوي قال فيه:" يجب أن يُقرأ للعقاد باحتياط وهو يكتب عن الإسلام. فالعقاد ابن العصر الحديث، أخذ ثقافته مما قرأ لأدبائه وعلمائه، وهو شيء كثير.
وليس كل ما كتبه المستشرقون يقبله المسلم، ولا كل نظريات الغرب متفق وما قرره القرآن.
ولكن العقاد اعتقد من هذه النظريات ما اعتقد، فهو ينظر إلى القرآن من خلال ما اعتقد منها.
ويبدو أن من بين ما اعتقده العقاد نظرية فريزر في نشوء الأديان، فهي عنده ليست سماوية، ولكنها أرضية نشأت بالتطور والترقي إلى الأحسن.
ومن هنا تفضيل العقاد للإسلام على غيره من الأديان، فهو آخرها وإذن فهو خيرها".
وقد قال الغمراوي عن عبقريات العقاد الإسلامية:" إن لم يكن هذا هو تفسير إطلاق اسْميْه الغربيين على كتابه (عبقرية محمد) و(الفلسفة القرآنية) فهذه التسمية خطأ منه ينبغي أن يتنبه إليه قارئ الكتاب من المسلمين، لينجو ما أمكن مما توحي به التسميات من أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبقري من العباقرة، لا نبي ولا رسول بالمعنى الديني المعروف في الأديان المنزلة ".
وربما نظر التوبة أيضا إلى ما قاله العلامة التركي شيخ الإسلام الإمام مصطفى صبري عن كتاب (عبقرية محمد) في طيات كتابه التأسيسي (موقف العقل والعلم والعالم مِن رب العالمين وعباده المرسلين) ومنه تشرب التوبة بعض الريب في مقاصد العقاد الأساسية، ذلك مع أن الشيخ صبري لم يكن شديد العنت في نقده العقاد في ذلك الكتاب وأبدى إعجابه بفكره القوي.
وقد ردد هذه الشبهة في أوساط القراء الإسلاميين كاتب له مصداقيته هو الأستاذ أنور الجِندي ولذا تقبلها الكثيرون منه دون تمحيص.
قال الجِندي:" إن التفرقة بين (النبوة) و (العبقرية) هي من أخطر ما تعرضت له كتابات العصريين للسيرة النبوية فليس من المعقول أن تطلق تسمية (العبقرية) على الرسول صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي، ثم تطلق أيضا على صحابته أمثال أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب. وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبقرية في كتابات العقاد والبطولة في كتابات عبد الرحمن عزام، وبطل الحرية في كتابات عبد الرحمن الشرقاوي، وكل هذه مسميات تحجب عن القارئ المسلم الصفة البارزة والمهمة الأساسية وهي النبوة المؤيدة بالوحي ".
وقد تطور زعم الجِندي عندما التقطه باحث يدعى محمد جلال القصاص ليصبح دعوى خطرة مفادها أن العقاد لم يؤمن أصلا بالقرآن الكريم.
وذلك ما جاء في حديثه القائل:" وتنطوي فكرة العبقريات عند العقّاد على إنكار الوحي، فالرسول صلى الله عليه وسلم عند العقاد (عبقري) يمتلك قدرات نفسية ومهارية خارقة هي التي جعلته يعقل عن الله بلا واسطة. وهذا الأمر ـ إنكار الوحي ـ صريح جداً فيما طرحه العقاد ".
وقد سمع كاتب هذه السطور من لسان الأستاذ الكبير محمود محمد شاكر قولا زعم أن العقاد أسرَّ إليه به وهو أنه لا يؤمن بإله ولا دين ولكنه لا يجهر بذلك مجاملة لعامة المسلمين!
ثم زعم كاتب علماني هو الأستاذ حسين أحمد أمين أن الأستاذ العقاد كان في ندواته ومجالسه الخاصة:" صريح الإلحاد، صريح الاستخفاف بالعقائد، وقد تبدر منه فيها من التعابير ما يصدم مشاعر بعض جُلاّسه... ومع ذلك فما أكثر ما كتبه من كتب ومقالات في نصرة الإسلام والطعن على المستشرقين الطاعنين فيه ".
إن المتعاصرين لا ترجى الموضوعية في نقد بعضهم بعضا لاسيما إن توفرت الأسباب المؤثرة في ذلك.
فلم يكن الأستاذ أنور الجندي تلميذ الإمام حسن البنا ليكون محايدا تجاه العقاد الذي تناول شيخه البنا بنقد شديد.
ولم يكن الأستاذ محمود محمد شاكر ليكون موضوعيا تجاه العقاد بعد ما ثارت المعارك الصاعقة بين أستاذه الرافعي والأستاذ العقاد.
وكذا لم يكن الأستاذ حسين أحمد أمين مأمونا على جانب العقاد بعدما دار من سجال حام بين أبيه أحمد أمين والعقاد.
ولسنا نريد أن نعتمد على هذه الدفوع الظرفية وحدها لنبرئ ساحة العقاد مما نسب إليه على سبيل الزور.
ولكنا سنعمد إلى متون كتب العبقريات العظيمة نفسها فنستلَّ منها النصوص الدافعة لكل هذا الهراء.
(وغدا سنرى إن شاء الله)