الراعي الطيب: أكثر من صورة خلف موقف نبيل أيمن مبارك أبو الحسن

الراعي الطيب: أكثر من صورة خلف موقف نبيل أيمن مبارك أبو الحسن


02-22-2014, 11:29 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1393108196&rn=1


Post: #1
Title: الراعي الطيب: أكثر من صورة خلف موقف نبيل أيمن مبارك أبو الحسن
Author: أيمن مبارك أبو الحسن
Date: 02-22-2014, 11:29 PM
Parent: #0

الراعي الطيب: أكثر من صورة خلف موقف نبيل
أيمن مبارك أبو الحسن
ثمة صورتان يمكن مشاهدتهما خلف موقف الراعي الطيب، الصورة الأولى يبدو فيها الجانب المشرق واضحاً كالشمس في رابعة النهار، فهذا الرجل الطيب والذي يطابق إسمه وصفه قدم للسودان خدمة جليلة لإعادة البهاء للصورة الذهنية للشخصية السودانية والتي عجز عنها زعماء السودان وقادته ومفكروه. الطيب لم يرسم الخطط أو يطور الاستراتيجيات، ويضع السياسات، ويدير المشروعات، أو ينفذ البرامج والآليات والأساليب وسائر ما صنعه مفكرو البلاد وقادته ومثقفوه. لم يفعل شيئاً سوى أن عبر عن نفسه ببساطة وتلقائية متناهية غير مبهرة بالميك أب والبهرجة والزيف والكذب والنفاق والرياء. مجرد كلمات بسيطة لكنها صادقة خرجت من قلبه النقي، فوجدت هوى لدى من تلقاها فطفق يروج لها وينشرها ففعلت فعلها السحري، وأنتجت كل هذا الضجيج والأصداء الإيجابية. لقد فعل الطيب ما عجز عنه الآخرون.
إنه بدوي بسيط، صادق الكلمة، نقي النفس متصالح معها حد الدهشة، لكن ما أحدثه من أثر فاق دهشتنا جميعاً. هو نفسه لم يكن يتوقع هذا الزخم الذي حققته كلماته البسيطة والصادقة. الطيب أعطى درساً بليغاً لقادتنا والمهتمين بتحسين صورتنا في الخارج، قال لهم أن الأمر أبسط مما تظنون. عليكم أن تكونوا صادقين مع أنفسكم أولاً، ثم مع الآخرين ثانياً. الأمر أبسط مما تتوقعون، تحروا الصدق في كل خطواتكم ومساعيكم، فسوف تنالوا ما تبغون.
لقد عانينا كثيراً من تراجع صورتنا النمطية المشرقة، وطفق الساسة في وضع البرامج، وقام المثقفون ولم يقعدوا وهم يقترحون الخطط التي من شأنها أن تستعيد للشخصية السودانية كامل ألقها وعهدها الزاهر... لكن فشلت المحاولات لأنها كانت مجرد نظريات لم تلتصق بالحقيقة والصدق الذي عبر عنه الطيب.
إن الصورة التي يحملها شخص ما تجاه آخر هي عبارة عن عملية عقلية معقدة تمر بمراحل عديدة وكل مرحلة منها تتفاعل مع مؤثرات متشابكة تقود في نهاية المطاف إلى تكوين الشخص لصورة معينة تجاه شخص أو موضوع ما وهو ما يطلق عليه الصورة النمطية stereotype. ومدى إدراك هذه الصورة والتعامل معها يسمى الانطباع.
ولأن هذه العملية بمراحلها المتشابكة هي عملية عقلية يقوم اللاوعي فيها بدور اللاعب المحوري، لذلك من الصعوبة أن يتغير الانطباع إلا بعد جهد كبير توظف فيه أدوات الإقناع وغسيل المخ كما هو حاصل مع شركات الإعلان التي تجهد في تغيير سلوك الناس لصالح منتج أو خدمة ما.
لكن الطيب استطاع أن يقفز على عدد كبير من هذه المراحل المعقدة، وأفضى موقفه البسيط ذاك إلى إعادة الثقة للشخصية السودانية التي تضعضعت مكانتها وتراجعت عما كانت عليه في أزمان سابقة.
أما الصورة المظلمة التي تتبدى من خلف هذا الموقف فهي تظهر في هذا الكم الكبير الذي وجدته حادثة الطيب التلقائية، كأن الناس تنتظر موقفاً كهذا لتحتفي به، وكأن هذه المواقف الطبيعية قد صارت أساطير تحكى للأجيال التي لم تسمع عنها. الطيب عندما قام بمسلكه ذاك لم يكن ينتظر مدحاً أو شكراً، فهو موقف فطري وطبيعي متأصل في نفسه، وكأن المنتظر أن يقوم بفعل معاكس تماماً يعارض ما قام به... بل إنه دهش لكل هذا الزخم الذي وجده، فهل أصبحنا نشتاق لمثل هذه المواقف. هل فعلاً تضعضعت أخلاقنا وضاعت قيمنا فأصبحنا نبحث عنها ونشتاق إليها، ولا نصدق أن نجد شخصاً يتمثل هذه القيم لنحتفي به ونفاخر به ونحول مواقفه الطبيعية تلك لأسطورة نحكي بها لأبنائنا وللآخرين.
مشكلة فعلاً أن تصبح الأمانة والصدق هي مسالك تدعو للاحتفاء والترويج... هل كان ينتظر من الطيب أن يقوم بسلوك غير ما قام به مثلاً؟ حتى الطيب نفسه كان يعبر عن موقفه ذاك وكأنه يقول لنا: وهل أتيتكم بأمر جديد، لماذا تستغربون، ما لكم كيف تحكمون.