بحبك يا (خروف) ! عبد المنعم سليمان

بحبك يا (خروف) ! عبد المنعم سليمان


02-16-2014, 07:57 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1392577036&rn=0


Post: #1
Title: بحبك يا (خروف) ! عبد المنعم سليمان
Author: عبد المنعم سليمان
Date: 02-16-2014, 07:57 PM

[email protected]

في زيارتي الأخيرة للقاهرة – سبتمبر الماضي - وفي شارعٍ رئيس (وسط البلد) وعبر جهاز استريو ذو بأس شديد تابع لأحد الباعة الجائلين ، إستمعت لأغنية صاخبة وفوضوية تلخص حال المدينة بعد (الربيع العربي) ! إسم الأغنية : (بحبك يا حمار) ، وما زلت أتذكر بعض كلماتها : (لا تقولى بقرة ولا جاموسه ، وحياة النعمه تستاهل بوسه .. ترم ترررم ، وبحبك يا حمار) ، وهكذا عليك أن تتخيل بقية (كوبليهاتها).

حقيقة خفت لحظتها ، وقلت في نفسي لا بُدّ أن الدور سيأتي علينا ، فالحمار يُستدعى عندما تتوارى القيِّم الإنسانية وتنهزم أمام القيم المتوحشة .. لا علينا ، ذلك حمار مصري لا شأن لنا به ، ودعونا نتحدث عن (خروفنا) ، ومن يرى مصيبة (خروفه) يهون عليه نهيق (حمير) الجيران !

خروفان شغلا السودانيين الأسبوعين الماضيين ، خروف رُكّبت له أعضاء تناسلية مزورة حتى يمثلنا خارجياً (بشرف) كتمثيل (مريخ جمال الوالي) ، وخروف ذلك الراعي الذي سهر الناس جراء أمانته وإختصموا .

جالت بخاطري أسئلة كثيرة وأنا أتابع الاحتفاء السوداني الكبير بذلك الراعي الأصيل ، ولا أعرف لماذا كل هذا الاحتفاء من طرفنا برجل فعل ما يجب أن يفعله أي سوداني سوي ؟ وما الغرابة في أن يرفض رجل سرقة مال الغير؟ ولماذا هذا الإستفتاء المجاني العلني على سقوط أخلاقنا ؟ فهل تمكنت العصابة منا هذا الحد وفرضت معاييرها البائسة علينا ؟

في تقديري لو أن أي سوداني كان محل ذلك الراعي لرفض خيانة تلك الأمانه ، ولما قبل ببيع (الخروف) لذلك الرجل ورفيقه أصحاب (المهمة الغريبة) التي تسمح لهم بالتلصص على حياة الآخرين وتصويرهم بأجهزة رقمية حديثة دون علمهم ، لا لشيئ إلا كي يقدموا لنا حديث صحيح عن (الأمانة) ، وبإسناد (تقني) حتى يصبح متفقاً عليه كأحاديث بن عباس رضي الله عنهما.

شخصياً أتفهم تعجب (المصور) ورفيقه من أمانة السوداني المحترم (الطيب الزين) ، وأتفهم ايضاً هبة ملايين العرب على الفيديو لمشاهدة المعجزة – حسب نمط حياتهم ، ولكن ما لم أستوعبه هذا الاحتفاء الكبير من السودانيين أنفسهم ، وكأن الراعي قد أتى بمعجزة لم يألفها السودانيين من قبل ، مع أنني أجزم بأن أي بيت سوداني يوجد بينه أكثر من (طيب) واحد ، لا يأخذون (إبرة) غيرهم ، ناهيك عن (خروف) له مأمأة وقرون وأظلاف ! فماذا حدث لنا يا ترى حتى نُفرط في الإحتفاء بحالة عادية ؟ ولماذا لا نترك هذا المهرجان لمن هم في حاجة إليه ، ونجلس القرفصاء ونتابع إحتفاء الآخرين بنا زهواً وفرحاً ؟

في تقديري ان سماحنا بأن تسود معايير القلّة الإسلاموية الشاذة والفاسدة بيننا درجة أن تصبح خيانة الأمانة قاعدة ، بينما الأمانة ومكارم الأخلاق تصيران نشازاً يستحق الإحتفاء وتنظيم مهرجانات الفرح ، هو الذي أوصلنا لهذه الحالة الرثة.

وقبل ثلاثة أيام نظم مجرمو الإنقاذ وفي سابقة بذيئة ومستفزة مسابقة لـ ( أجمل فحل ماعز) استعرضوا فيها عوراتهم ، وفي الهواء الطلق بلا حشمة أو حياء ، ساء هذا المنظر المخذي أستاذنا القدير سيف الدولة حمدنا الله ، فكتب : لقد انقسمنا إلى شعبين ، شعب من الغلابى عليه تعبئة خزينة الدولة من عرقه وبالكرباج ، وآخر ينفق تلك الحصيلة في رفاهية نفسه .

نعم يا مولانا سيف الدولة ، لقد إنقسمنا ، إنقسمنا بعد أن ضربنا زلزال يونيو 1989 المشؤوم ، فسقطت القيّم والأخلاق رسمياً من أضابير الدولة وحلت مكانها وبمرسوم (إسلامي) عسكري القوانين (ال######ية) المتوحشة السائدة الآن ، حتى أصبحنا نبحث عن توازننا النفسي في البراري وسط قطيع الماعز والخراف ، تماهياً مع السلطة التي تبحث عن الفحولة بين الماعز نزولاً إلى معايير (التيس) صاحب اليد العليا ، وتنزع الخصية من (الخروف) وتمنحها لـ (النعجة) تقليداً لمشيته الجديدة ، بعد أن أصبح يمشي (كما يمشي الوجي الوحل).

هذا التماهي المريض مع (التيس) جعلنا تحت رحمة (الخراف) ، (خروفا) يفرحنا ويرفع روحنا المعنوية ويشعرنا بآدميتنا ، وخروفاً آخر مزور يدين لنا النظام ويبشرنا بزواله ! وحتماً سيحفظ أولادنا وأحفادنا جميلك هذا يا (خروف) ، يا واهب السعادة والأمل إلى حياتنا ، وسيغنون أغنيتك المفضلة : بحبك يا خروف .