بكري في حضرة الحقيقة والمصالحة! هاشم كرار

بكري في حضرة الحقيقة والمصالحة! هاشم كرار


12-18-2013, 04:55 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1387382130&rn=0


Post: #1
Title: بكري في حضرة الحقيقة والمصالحة! هاشم كرار
Author: هاشم كرار
Date: 12-18-2013, 04:55 PM

بكري في حضرة الحقيقة والمصالحة! هاشم كرار



.... وتلك أيضا من بركات مانديلا: أن يفتتح النائب الأول، الفريق بكري حسن صالح،أولى جولاته، في العالم الخارجي- وهو في هذا المنصب الرفيع- بالأرض

التي تتغطى بإرث النضال والعنفوان، والتعالي على الخصومات القديمة.. وتتغطى بالحقيقة والمصالحة.

أتخيله- الفريق بكري- إذ هو في الأعالي، والطائرة بين سحابة وسحابة- يعيد استرجاع هذا الإرث الجميل، الذي جعل من جنوب إفريقيا، دولة من العنفوان، وفي لون( سوط المطر)!

بين السودان، وجنوب إفريقيا، تشابه: الإثنتان ( خلطة) بديعة من الإختلاف: اختلافات اللون، والتقاطيع، والألسنة، والعقائد، والثقافات، لكن السودان ضيّع

الإختلاف- والذي هو من بديع خالق الليل والنهار- بحروب الإختلاف- وهى من الجاهلية الأولى- فيما عبرت جنوب إفريقيا، ماضيها مع الإختلاف المشين، إلى السلام الأهلي، ب( النظرية الثالثة): النظرية التي تفتق بها ذهن وقلب وضمير وخيال، هذا الرجل المسجى، والفريق بكري يعاين.. يعاين العالم كله، كيف يحتفي برجل فرد.. رجل احتفى به حتى الموت، بالجلوس إلى جانبه طويلا، قبل ان يمدّ إليه كفه، ليستصحبه، أشيبا، وقورا وهادئا.. والإثنان يمشيان ملكا: مانديلا إلى شبر من التراب، والموت، يعود القهقرى، ليمارس مهمته التليدة، في خطف الأرواح خطفا، ولا.. ولا يبالي، بدموع الأحياء، ولا الحسرة، ولا الأسف الطويل!

الفريق بكري، أعرفه، يعرف هذا التشابه.. ويعرف أيضا، أنه مثلما كان في جنوب إفريقيا، كان في السودان نضال وبطولات وعنفوان. أتخيله يسترجع بينه وبين نفسه،

هبة المهدي الكبير، والسلطان بحر الدين، وانتفاضة علي عبدالفضيل، والماظ البطل، ونضالات الخريجين، والقرشي، وعبد الحفيظ، ولو كنتُ قريبا منه، لكنتُ قد سمعته، يستعير- بينه وبين نفسه- صوت الفنان وردي، ليرفع من شأو صوته: " شعبك يا بلادي، أقوى وأكبر، مما كان العقل يتصور"!

حطت الطائرة، وكانت سويتو ، في يوم الرجل المسجى، صاحب " نظرية" الحقيقة والمصالحة، تبكي سماؤها- أيضا- بدموع المطر.

للطبيعة روح، ووجدان، ومشاعر..

قلت ذلك، في سري، ودموع السماء، تبلل حتى الشاشات الصغيرة، قبل أن يخطو الرئيس الأمريكي، خطوات باتجاه منصة التأبين الأسطوري.

تلك أيضا من بركات مانديلا: أن يتنفس الفريق بكري، هواء واحدا، مع الرجل الذي قلب كل تاريخ امريكا مع ماضيها العنصري المشين- رأسا على عقب- ودخل البيت الأبيض، في مشهد خرافي دقّ له قلب الكون!

كان أوباما، يباعد مابين خطواته، والظهر ينكفئ قليلا إلى الامام، باتجاه المنصة، حين أبطأ قليلا، وتوقف، يمد الكف بالسلام، للرئيس الكوبي- راؤول كاسترو- برغم كل مرارات التاريخ، والقطيعة منذ أزمة الصواريخ في خليج الخنازير.

السلام لم يستغرق أكثر من هنيهة، لكنها الهنيهة التي صفقت لها الفضيلة طويلا، وألجمت بالدهشة لسان من لا يعرف، أن التعالي على مرارات التاريخ، من شيم الرجال الأفاضل!

تلك أيضا، من بركات الرجل المسجى.. الرجل الذي لولا أن الموت قد سلبه نعمة القيام، لكان قد قام وقور المحيا، ليقول لأوباما" أحسنت.. ليباركك الرب، يابنى"!

تلك بركة..

ومن بركات الرجل المسجى،، أن يعاين الفريق بكري، هذه الهنيهة من الزمان، التي من غرابتها- في زمان الخصومات في السودان- لكأنما صارت هى، لا قبلها زمان.. ولا بعدها زمان!

آه يازمان الوصل بالسودان.. وآه؟، آه يازمان التصالح..

تمتد الآهة مني، ومن مطلق سوداني "صميم الفؤاد" إلى حيث كان يقف الفريق بكري .. والفريق بكري، يلقي السمع، وأوباما يتحدث في يوم الرجل المسجى: مسيرة مانديلا ألهمتني. مسيرة هذا الرجل، هى التي جعلتني رئيسا لأمريكا، وهى التي جعلتني أرغب في أن أكون رجلا فاضلا"!

ذلك من الشكر الكريم للرجل- مانديلا- في يوم لم يعد فيه يسمع ولا يرى، ولا يعلو منه نفس، أو ينزل.. وبرغم ذلك، اجتمع العالم، حول جسده المسجى، لكأنما ليتعلم منه، في مماته، تعاليم الحقيقة والمصالحة، حتى مع الموت!

تلك أيضا من بركات مانديلا: أن يرى الفريق بكري، زعيم أقوى دولة في العالم، يتحدث عن الرجل، ليس باعتباره محاربا قويا، وإنما باعتباره، رجل متصالح مع نفسه، وقيمه، ومبادئه، وأمته.. رجل متصالح مع المصالحة.. ومتصالح مع الاعتذار..ومتصالح مع الحقيقة، مهما كانت هذه الحقيقة مرة.. ومخيفة في آن واحد!

آه، ما أمر الحقيقة، في السودان.. وما أكثر المرارات,

أيضا تمتد الآهة مني، بطول وعرض الوطن الذي كان بمساحة مليون ميل، و"أنكمش" إلى الثلثين، بعد أن ضيّعت حروب الإختلاف ثلثه، وتوشك هذه الحروب

أن تضيّع الثلثين، أيضا، ولا يملك السودانيون في النهاية، إلا أن يضربوا أخماسا في أسداس، على الوطن الذي كان " حدادي.. مدادي" والذي- كما برهنت سنوات ربع القرن- أنه لايمكننا- إطلاقا- أن نبنيه" فرادي.. ولا بالضجة في الرادي، ولا الخطب الحماسية"!

السودان، لن يبنيه العنف، ولا التاتشرات، ولا الأنتونوف، ولا كل محاولات الإقصاء، ولا التهميش، ولا العزل، ولا بيوت الأشباح، ولا الاستفزاز، ولا العبارات التي تجرج، من شاكلة" المعارضة فرت كالفئران المذعورة" بحسب تعبير الترابي، يوم كان دماغ النظام يقول للناس ديل" أمشوا يمين يمشوا يمين.. أمشوا شمال يمشوا شمال".. ولا من شاكلة تحديات " لحس الكوع" تلك التي كان يملأ بها د. نافع فمه، قبل زمان المفاصلة الثانية.. المفاصلة التي يظن من يشكو ضعفا في الذاكرة، أنها قد بدأت قبل اسبوعين، وهى التي كانت قد بدأت، يوم قال البشير قولته المشهورة" من هنا ولى قدام الكلام للعساكر" بعد وقت قليل من كلام نائبه الأول السابق، علي عثمان طه، في بروكسل، عاصمة " ناس بلجيك" قبل سنوات!

الجملة البليغة الوحيدة، التي قالها د. نافع، منذ أن بدأ الكلام، مساعدا لرئيس الجمهورية، هى أن ( الإنقاذ صفرّت العداد) ولو كان لنافع أن يضع النقاط على الحروف، لكان قد أوضح، أن عربة الإنقاذ، أهلكت ماكينتها أدغال وغابات الجنوب، والرمال المتحركة في دارفور، والعقبة اللئيمة، في الشرق، والتضاريس الوعرة في جنوب النيل الأزرق، وجبال النوبة، و( طلعت زيتا) مظاهرات رفع الدعم!

جميل أن (تُصفّر) الإنقاذ العداد، فللصفر قيمة لانهائية، لكن ماهو ليس جميلا على الإطلاق، أن تستبدل ( مكنة) أثبتت أنها لا تصلح- إطلاقا- مع جو السودان، لتركب مكنة ( مجروس) أو ( تاتشر).. لو فعلت مثل ذلك، فإنه حتما سيصيح من يصيح، ليصف ( الإنقلاب على إلانقلاب) بأنه انقلاب لا يعرف حكما للوقت: لا يعرف جكما لهذا الوقت من وقت العالم، ووقت المنطقة، والاهم: وقت مزاج الشعب السوداني، في زمن أشواق الشعوب للحرية والديمقراطية.. وأشواقها لأعظم ماتواضعت عليه البشرية في جنيف لاحقاق حقوق الانسان، وفي مقدمتها الحق في الحياة، ومن بينها حق التعبير، والحق في التظاهر- سلميا- بالشعارات واللافتات، وبكل رحابة الحلاقيم!

" من هنا ولى قدام، الكلام ... للشعب"!

ليت الرئيس البشير يقول ذلك. ليت العربة التي تم تصفير عدادها، يتم تشليحها صامولة صامولة،وتباع( سكراب) للحلبي في أمدرمان.. ليته لو يستبدلها بعربة

( فور ويل) تتسع لكل العائلة السودانية، وقادرة من هنا على السير بقوة، في كل الأجواء، وكافة الرمال المتحركة، والتضاريس الخشنة، والأدغال الوعرة!

قبل ذلك، ليته يرفع عاليا " نظرية" الرجل المسجى، في سويتو، والفريق بكري يعاين.. يعاين كيف أن العالم كله، اجتمع على قلب رجل حزين، ليلقي نظرة أخيرة، على الرجل الذي ألهم الثوار، في العالم، وألهم طلاب الحقيقة والمصالحة، في كل زمان، ومكان!

لا أعرف ما إذا ماكانت طائرة الفريق بكري، قد حلقت فوق بريتوربا.. لو كانت لكان

قد شاهد ثلاث تماثيل في ساحة نوبل، للثلاثة الحائزين على تلك الجائزة الرفيعة، في جنوب إفريقيا: مانديلا، ودي كليرك زعيم الفصل العنصري، والاسقف توتو.. والثلاثة نزلوا" النظرية" إلى الأرض التي كانت تتغطى بالفصل العنصري، والثأرات، والدم.

المجد للحقيقة والمصالحة!