أزمة المُثَقف السوداني شَغفْ الاِنْتِماء الحِزبِي و ضِيق عباءة الوطن بقلم / أحمد يوسف حمد النيل

أزمة المُثَقف السوداني شَغفْ الاِنْتِماء الحِزبِي و ضِيق عباءة الوطن بقلم / أحمد يوسف حمد النيل


10-24-2013, 01:35 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1382574913&rn=0


Post: #1
Title: أزمة المُثَقف السوداني شَغفْ الاِنْتِماء الحِزبِي و ضِيق عباءة الوطن بقلم / أحمد يوسف حمد النيل
Author: أحمد يوسف حمد النيل
Date: 10-24-2013, 01:35 AM

أزمة المُثَقف السوداني شَغفْ الاِنْتِماء الحِزبِي و ضِيق عباءة الوطن



بقلم / أحمد يوسف حمد النيل



لا يكون حب الوطن لذاتيتي أو أنانيتي , أو مفهومي الشعري أو الحسي , و انما لحب الخير لغيري. فان أحببتُ فعل الخير للناس فذلك هو الوطن , فيحبونني و احبهم. فلا أزال لا أبرح أرضه و ان غبت عنه , فيسكن في ذهني و ذهن غيري حتى و لو نسيني الدهرُ أو هجرتُ أرض وطني.



قد يبدو جليا ً من خلال هجرة المثقف و الذهنية السودانية الأصيلة , ان الخيرَ لا يذهبُ إلا لغيرنا , ففينا العلماء و الأكاديميين و المثقفين , و قد شعّت أنوارهم خارج حدود الوطن , ينيرون دروب غيرنا , و يبنون دولا ً للغرباء , و أطفال الوطن ينظرون بدهشةٍ من خلال شاشات التلفاز الى بني جلدتهم , و هم تفتخرُ بهم دولٌ أجنبية. فقد آن الأوان أن نعود من ذاتيتنا الفردية , لكي يتعلم الأطفال منا و نضرب لهم المثل في حب الوطن , و أن نخط تجاربنا الحياتية و الثقافية في كتاب يحكي حب الوطن , و فعل الخير , و لا يُعَظِّم فكرة مبطنة بشغف المذهب أو الحزب الضيق دون حب الوطن. لقد طالت غربة الذهن السوداني , و خلا الوطن إلا من الانتهازيين , و فُرضت على الوطن ذهنية المثقف الواحد أو ثقافة الحزب الواحد , فتم تدمير الوطن من جديد , و غابت العصور الذهبية من شكل السلوك الذهني لبناء الوطن , وحلت محلها ذهنية العصور المظلمة , أصبحت نزعة الوطنية عاطفة تُعَبّرُ عنها الأشواق و تكسرها رياح الكراهية المتبادلة. فلم يعد صوت العقل يصدع من جديد , سلوك الكراهية الذي ورثناه من مثقفينا انزرع فينا , فثقافة اللاوعي الجمعي للمجتمع شكّلت وعي الأجيال اللاحقة , فخرجنا كما يرانا المجتمع , فقد يكرهنا يوما ما المثقفون السياسيون , فقد يرون نتاج فشلهم فينا , فيكرهوننا , لأنهم لم يراعونا كأطفال و قد رأينا عوراتهم و رغم اننا لم ندخل عليهم في خلواتهم.



المذهبية العقدية أو الثقافية , و الحزبية الضيقة , علل تصيب الوطن اذا أحببناها بشغف لذاتيتها , و ان عشقناها كغايات ترضي غرور الذهن , و لكنها ان بدت كوسائل تحملنا لحب الخير و الوطن , فالنفع أكبر و الربح أوفر. فالصراع الذهني أصبح يميل للترف أكثر منه لقضية محورية , فصُرِفنا عن حب الوطن الكبير الى حب نزوة سياسية. فكلنا كمثقفين مسئولون عن وطننا أمام الناس و الأطفال القادمون و أمام الله. فغزو الوطن و ضعف ثقافتنا و موت موروثاتنا , ليس من المُستَعمِر و لكن من كراهيتنا لوطننا من خلال كراهيتنا لغيرنا من مواطنينا , فلنختلف من أجل التنوع و الوحدة لا من أجل الكراهية و الاقصاء. فلتكن أدبياتنا في أروقة السياسة من أجل العمل , فلتكن مسوغات العمل هي خطوات العمل الفنية و التقنية و الإدارية , فليكن اتفاقنا فيها و اختلافنا فيها حتى نبتعد عن الخلاف الانصرافي , و حتى يلتف حولنا من هو بارع في مجاله , فالسياسة مجال مباح لكل من حمل أمتعته و تشبه بالمثقفين أو العارفين , فالسياسة يتساوى فيها العارف و الجاهل , فتكثر فيها الضغائن و الأحقاد من منطلق الاحساس بالدونية أو العلو.



فلنبني أسوار الوطن بالعلم و التخصصية , و هل تعلمون ان السياسة تنمي الكراهية , و تجعل الناس يعيشون في مستعمرات الجهل. و العلم و حب الوطن يجعل البشر يُشِعّون بالخير و البركات. فان لم نستطع دحر (الملاريا) مثلا ً بكل موروثنا العلمي فإننا سوف نفشل في سياسة إدارة البلد , لأننا لا نقصد فعل الخير , فسيكون صراعنا من أجل غرض ذاتي نُصيبه , و ان فشلنا في قيادة البلد الى الامام , فستلاحقنا لعنة السياسة , و ستصبح مقبرة الوطنية الصادقة , فالمتسلقون و الطفيليون لا يتكاثرون إلا في بيئة السياسة. فيصبح وجه الوطن كالحا ً مثيرا ً للشفقة , و الحكماء أصحاب النُهي لا يفعلون شيئا ً , و لا يقولون شيئاً , فلعنة السياسة اصابتهم بالإحباط , فخرجوا في صورة من الذاتية و الضعف , يهمهمون بفشل يجرون أذياله بعدما أن رسم الشيبُ لونا ً ابيضا ً على الرؤوس , و سكنت ْ خيبة الأمل في الذهنية التي داخل الرؤوس , و عكفوا في روح ٍ لا تعرف السلام رغم طول السنين. لقد تكاثرنا في بيئة السياسة و نحن نمزق الوطن , و الغريب الذي لا تربطنا به علاقة دم , من خارج حدود وطننا , قد عكف في مخبره سنين طويلة , فخرج لنا باكتشاف مصل (الملاريا) حديثا , بحيث يستأصلها الى الأبد , ليس إلا من أجل الانسانية , فهولاء أقوام قد جادوا لأوطانهم جود الأكرمين , فتطور حب الوطن عندهم , فعبر الحدود الجغرافية الى حالة الوطن العظمى و هي الانسانية.



فهل ما زلنا لا نبرح مقار أحزابنا في الصباح و المساء؟ و نحن على استعداد ان نبرح الوطن و هو مثقل بالجراح. فالمثقف الذي يطلق لحماقته العنان هو مسئول مسئولية تاريخية عن حقوق شعبه , فان نصبه شعبه أو فرض نفسه بحكم تكبره أو اعتداده بنفسه و فكره , فهو المسئول حقيقة. فإطلاق الدكتاتورية دون ديمقراطية الفكر و السلوك , فشل تربوي و سلوكي تجاه الأسرة و المدرسة و مجال العمل و المجتمع. فالخيانةُ لا تَبْدُرُ من عسكري يخون ميثاق الدفاع عن الوطن و المواطن فحسب , بل أيضاً لخيانة الوطن صورٌ أخرى و مواقف مختلفة , فالعَالِم و المثقف الذي يركب موجة السياسة بلا مؤهل , تاركا ً وراءه تخصصه بلا نفع , راكضا ً وراء طموح حزبي أو مذهبي شخصي , هو أيضاً خائن ٌ للأمانة و الوطن. فالوطن هو الطفل الجاهل الذي تشرد بسبب الحروب التي اشعل فتيلها المثقف , و الوطن هو الأرملة التي تنكفي على أطفالها تسقيهم صبرا و أملا في الحياة , و هي التي قد تغيرت سحنات وجهها و ألوان خصلاتها في نفق التفكير , من أجل أن تصنع وجها آخر للوطن , فقد ولدت و ربت و علمت , فهاهي تعطي الوطن أكثر مما يعطيه الحاكم أو السياسي , فمن يرد لها جميلها ؟ ومن يكافئها على ما فعلت من أجل الوطن؟



فلينهض المثقفون السياسيون من مَبارِكْ الظلام , فليتأملوا لوحات الفنانين التي تعبر عن معاناة الوطن , فليذكروا تاريخهم و ليذكروا مجتمعهم و ليذكروا أُسرهم. فالسياسي قد أدمن الكذب , و حاجب ُ السياسي قد أدمن النفاق , و المجتمع أصيب بالإحباط و القنوط , فلم يعد له وطن يرجو منه أو يعطيه , فترك السلوك العملي في حياته , فوقع في أوكار الإحباط , و منهم من اعتنق فكر مذهبي منحرف و منهم من ركب مهالك التطرف و غدا بعض الضعفاء غذاءً لعواصف الأذهان المنحرفة. فالسياسي بدّل جلده و خلع رداء المثقف و أعطب شعبه عن العمل , فقد شغلهم بأمور انصرافيه , و هذه تُعد جريمة عظمى خاصة في حق الأطفال و القُصّر , ليس على المثقف أن يُلبِس الاطفال الذهنية الراهنة للسياسيين على حساب الطفولة و حرية التفكير , على المثقف السياسي أن يطرح فكره على من نضج فكره وله من بعد ذلك الخيار , فشحن الأطفال بأفكار المثقف سياسي الغرض , جُرم ٌ لا يُغتَفر , فقد تموت الصور الجميلة في ذهن الطفل , و قد تتحول موهبة الكتابة الأدبية عنده الى لقط سياسي , و قد تضيع عنده مساحة الحرية و الأمل , بل و قد تضيع شخصيته بسبب المسخ المبكر لها و (الأدلجة الفكرية) و (التدجين السياسي). قتل المثقف السياسي كل أمل في الوطن , و اختزل كل الوطن في فكرة سياسية أو مذهب عقدي. فلا مجال للحرية و الإبداع و الفنون و الثقافة و تعدد العقائد. فالاقتصاد تقوده السياسة بأغراضها المندسة في ذهنية السياسي , و العلم فرض عليه السياسي سياج من الجهل و الظلم , في سابقة تُعد جريمة مدنية و خيانة وطنية , إذ طُبِعتْ الكتب و المقررات لتخدم هدف سياسي أو ثقافي دني , لا لتخدم ثورة الانسانية و الأنوار. فخطورة الفكر القاصر قد تتلفح بشعارات يعتقد أصحابها انها المثل الأعلى , من أجل رفاهية الشعوب , و خطورة الفكر الإقصائي , انه مشعوذ و ضال و مُرعِب. حيث لا يُبْقِي على طرفٍ آخر مضاد له و مقارع ٌ له بالحجة. فانه يضيق بالحياة التي ملؤها السلام و تحركها حرية العيش الكريم. فالمثقف الاقصائي لا يرضى بالحياد , و يحب تصنيف العقول إما مع أو ضد , فيصنع الحرب إما قاتل أو مقتول.



هذه القضية (أي قضية المثقف السياسي) طويلة و شائكة , و لكننا في ختام هذا المقال , علينا أن نُذَكّرَ بعضنا بان نرجع أدراجنا حيث ثقافتنا السودانية الخالصة و أخلاق مجتمعنا , و ان نترك هرج و مرج السياسات الغريبة عن مجتمعنا , و أن نضع كل شيء في مكانه السليم , و أن نرد لكل ذي قيمة قيمته , و أن نفعل ما يمليه الضمير الانساني , فواجبنا هو تصحيح سيرة الضمير الجمعي للإنسان في وطني , فهذه دعوة للمثقف السوداني , لا أحسبها خيالية , أو خرافية. و لكن لو أن العقول صَفتْ , و الضمائر من غفواتها صَحتْ , فالعلاج ممكنٌ , و كفانا الله شر القتال. فأوصيكم و نفسي بأن نجعل مساحة للوطن حقيقية دون تعصب أو انفعال , من ضمن انفعالاتنا و تفاعلاتنا الخاصة , و أن نجعل من ضمن أهدافنا للعيش في وطننا , أن نسمو به نحو العلا و النجاح و التقدم. فكل متعلم و مثقف قد علم مواطن الخلل في وطني و يعرف لها حلا , فدوره ان يفصح بما يرى , لحل معضلة السودان , و قد تقع المسؤولية مباشرة على عاتقه. فيلعن عامة الناس المثقف و السياسي فيكون الطلاق البائن بينونة كبرى ما بين المجتمع و مثقفيه. و هنا يندر الوفاق و تتعذر الحياة و يكون الفشل التام.