محلية كرري، والتدمير في أوان التعمير!/حمزة محمد بابكر

محلية كرري، والتدمير في أوان التعمير!/حمزة محمد بابكر


09-07-2013, 04:18 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1378523895&rn=0


Post: #1
Title: محلية كرري، والتدمير في أوان التعمير!/حمزة محمد بابكر
Author: حمزة محمد بابكر
Date: 09-07-2013, 04:18 AM

محلية كرري، والتدمير في أوان التعمير!
دفعت دم القلب لإقتناء دكان المستقبل في سوق حلايب، 30 مليون جنيه عام 2002م، ثم تغربت ما تغربت على أمل العودة بقلب مطمئن، ولكن يا للحسرة "جات الحزينة تفرح مالقت ليها مطرح"، والسبب قرار المعتمد الجائر التالي:
(بناء على قرار السيد/ معتمد محلية كرري رقم 27 بتاريخ 1/9/2013م الذي يقضي بإزالة الدكاكين بسوق حلايب. عليه ننذركم بإزالة كافة التعديات المشيدة داخل سوق حلايب ونقل جميع ممتلكاتكم الموجودة خلال مدة 6 أيام وإلا سوف نضطر لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتنفيذ القرار أعلاه، ونحملكم نفقات الإزالة)!!! انتهى.
كما ترون، جاء القرار وما بين تاريخ إصداره وتاريخ الإزالة ستة أيام فقط!!! ووصلنا الإنذار بعد أربعة أيام من تاريخ اصداره، فأصبحت المهلة المتاحة يومين لا غير! ثم تم وصف الدكاكين على أنها "تعديات".. مع العلم أن هذه الدكاكين بيعت للناس وشيدت، وبيعت وشريت بعدها بموجب صكوك رسمية من المحلية، التي ظلت تجني أموالاً طائلة من وراء تسجيلها ورسومها الشهرية لسنوات طويلة، حتى أنها اتخذت مكتباً لها للجباية بسوق حلايب نفسه. فكيف أصبحت "تعديات" وعلى من التعدي؟...كما أننا دفعنا الملايين لإدخال الكهرباء فيها بأوراق رسمية من شركة الكهرباء وبإذن المحلية! !! تخيلوها، وهي تصور الآن أصحاب الدكاكين على أنهم حازوا الأرض في السوق بمساحته 36م الدكان، ثم تبع ذلك حفر الأساس وتنزيل الطوب والأسمنت والسيخ ثم البناء بأربعة أبواب كبيرة تفتح شمالاً وجنوباً، دون أن يراهم مسئول وقتها ويقول لهم أنكم تعديتم، إلا الأن!!! ثم أن محلية كرري، التي استحقت إسم "سبب كدري" كما سترون لاحقاً، أشرفت على بناء هذه المباني من خلال شركائها الشئون الهندسية بمواصفات عالية كلفت أصحابها المال الوفير، فكيف أصبحت تعديات الآن!!
لقد بنى هذا السوق في محلية كرري التي تحمل إسماً تاريخياً مجيداً، أيام ظهور مشكلة حلايب، ثم سمي سوق حلايب تيمناً بتبعية منطقة حلايب للسودان...فلم تريد المحلية مسح ذلك التاريخ بكل بساطة...وفي ستة أيام فقط؟؟ لقد استغرق بناء هذه الكاكين زمناً طويلاً وتكبد أصحابها اموالاً طائلة حتى تكون حسب المواصفات التي تريدها المحلية والشئون الهندسية وهي بالفعل، قائمة على أحسن ما يكون الآن...فلم الهدم ولماذا بهذه السرعة، ولماذا تجاهل أصحاب الحق ومخاطبتهم بهذا الأسلوب الإستفزازي؟ يبلغ دكاني وكذلك الدكاكين الأخرى من حوله، 36 متراً مربعاً، وهو مبني من الطوب الأحمر القوي، ومبيض من الداخل والخارج وبه حوالي 9 أعمدة خرسانية، وبيم دائري وصبة خرسانية للسقف زائداً أربعة أبواب ضخمة...فحتى إذا أحببت مساعدة البلدية على خراب دياري، فهل ستكفيني هذه المدة؟ ولم العجلة ولم هذا السوق بالتحديد في حين أن الأراضي الفارغة ما أكثرها من حوله، يا ترى من المستفيد من ذلك؟
تعرض هذا السوق المستهدف لهزة عنيفة مفتعلة من قبل، فما أن بدأ في الإنتعاش قبل عشر سنوات تقريباً، حتى تم تحويل سوق الدلالة "الحراج" منه إلى الحارة 29 غرباً. تضرر السوق على إثرها كثيراً، إلا أنه سرعان ما تعافى وتحول مع مرور الزمن وجهد أصحابه والمنتفعين منه، وما أكثرهم وما أصبرهم، ليصبح أكبر سوق للمنتجات الحديدية التي يحتاجها الناس لتقفيل مبانيهم في المنطقة. وبالتالي أصبح هذا السوق يعول أسراً كثيرة ويوفر فرص العمل للكثيرين من أصحاب الحرف خاصة الحدادين وغيرهم، فكيف يهدم ولماذا ولمصلحة من تتم الإزالة؟ وأين يذهب هؤلاء وقد وضعوا كل جهدهم ومدخراتهم في هذا السوق حتى نهضوا به من جديد؟ كل هذه الأسئلة تحتاج الإجابة عليها!
أعود إلى "سبب كدري" مشيراً إلى تجربتي الأخرى المريرة معها. فبحكم سكني في المنطقة، قلت لماذا لا أضع كل مشروعاتي على صغرها، فيها، أنا أستفيد والمنطقة تستفيد. أشتريت، منذ حوالي 18 عام تقريباً خمسة دكاكين من محلية كرري في سوق خليفة المعروف. تسلمت خرائطها وبنيتها بنفسي حسب مواصفات الشئون الهندسية الصارمة! منها أربعة تفتح على شارع الواحد وعشرين.... اشتريتها لأنها تفتح على شارع كبير. صبرت عليها كل هذه المدة، ودفعت كل ماهو مطلوب مني. ولكن، بمجرد أن ازدهرت المنطقة وبدأ السوق في الإنتعاش مؤخراً، جاءت الشئون الهندسية ومارست كل جبروتها لتضع صفاً جديداً من الدكاكين أمام دكاكيني وغيرها لتصبح الأخيرة مغمورة ولا فائدة منها البتة! الغريب كانت هذه المنطقة حسب رسم الخريطة التي سلمت لنا، ويشهد على ذلك معظم أصحاب الدكاكين الآخرين، كما تشهد المحلية وما زال مثبتاً في سجلاتها وخرائطها، أن هذه الواجهة المحدودة أصلاً مخصصة لبناء بنك ومخفر شرطة لخدمة وحماية السوق، وبالفعل إن هذه المساحة بالكاد تستوعب هذين المبنيين...الأن لم يعد هناك مكان لأي منهما، ولا موقف لسيارة تحمل بضاعة من هذا السوق الكبير من ناحية الحارة 21! فأعجب، وكل الصف الأمامي معي، كيف ولم تم ذلك! لا أظن أن الدولة تحتاج إلى شوية الملايين التي بيعت بها هذه الدكاكين الأربع او الخمسة لحرمان أصحاب صف كامل منتظم كالخيط كما يقال (حوالي 30 دكان) منهم المساكين والأرامل وأصحاب المعاشات البسيطة، من حقهم في السوق، لينتفع بالواجهة عدد قليل غير محتاج أصلاً. ... كيف عمي أصحاب الدكاكين الثلاثين، وأنا منهم، من الشراء على الواجهة وتركوها إلى أن يأتي عباقرة الشئون الهندسية ليحوزوا عليها!! ثم كيف يهنأ مسئولي الهندسية وهم يعلمون أنهم يحجبون أصحاب الحق بالباطل!
بالعودة إلى حلايب، أما كان الأجدر أن تتصل المحلية بأصحاب الدكاكين، وتبين لهم الأسباب المقنعة إن وجدت؟ ثم تبين لهم كيفية تعويضها لهم. لقد سبق أن حضرت لجنة من قبل وطلبت منا أن نقدم لهم أصول حيازتنا لهذه الدكاكين. قدمناها لهم وقالوا كل شيء مظبوط، لا مشكلة، شكرا لكم. فلا أدري ما جد الآن، ولمصلحة من هذه الإزالة المستعجلة التي علينا "أن نتحمل نفقاتها" حسب أسلوب المحلية العجيب! فإذا كانت هناك منفعة من هدم هذه المنطقة لغرض آخر أهم، فأصحابها أولى بهذه المنفعة بالشراكة أو بالتعويض المجزي، ولكن ليس بهذا الأسلوب.
يعلم الله أن هذه المحلية استفادت منا كثيراً، عمرنا أسواقها وردمنا المنطقة بأكوام التراب وسعينا لإحياء أسواقها ما استطعنا، ودفعنا كل المطلوب منا... وحقيقة حتى الآن لا أدري هل يجيز قانون البلاد مثل هذا الهدم، مع التكرم بمنح 6 أيام للهدم والإزالة!!! ...رحم الله عمراً حين كان يقول "والله لو أن بعيراً تعثر في أرض الشام لخشيت أن اسأل لماذا لم أمهد له الطريق!" فمن يا ترى المتجرئ على تحمل مسئولية مثل هذا الخراب! فما أكثر المتعثرين بسببه. ثم أما كان الأحرى أن يوجه المعتمد جهده إلى التعمير بدلاً من التدمير في هذه الأيام الصعبة؟ ألا يرى الآلاف ممن هدمت السيول منازلهم وتعميرها بالمعروف، بدلاً من توجيهه بالهدم الجائر!! وأذكِر بأن الله الذي بنى السموات في ستة أيام، قادر على قهر من يهدد بهدم دكاكين المساكين في ستة أيام!! فحسبنا الله ونعم الوكيل، والله الغالب على أمره.
حمزة محمد بابكر - الدوحة، 6/9/2013م
[email protected]
0097474032065