جذور الأزمة في دارفور

جذور الأزمة في دارفور


08-19-2004, 10:50 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1092909029&rn=0


Post: #1
Title: جذور الأزمة في دارفور
Author: الهادي عيسى الحسين-ليبيا
Date: 08-19-2004, 10:50 AM

جذور الأزمة في دارفور

الهادي عيسى الحسين
[email protected]


إن الأزمة الحالية في دارفور ليست وليدة التمرد على السلطة من قبل الحركات المسلحة وما ترتب عليها من عقاب جماعي على المواطنين العزل بواسطة مليشيات الجنجويد، بل هي نتيجة حتمية لفشل القوى السياسية ما بعد الاستقلال في ردم الهوة بين الريف والحضر وأطراف السودان او ما يعرف بالهامش والمركز وفي اختلال توزيع السلطة السياسية وترشيد إنفاق الموارد الاقتصادية. مما حرم السودان من فرصة قيام الدولة على أسس جديدة تزيل بها الغبن من الأقاليم المهمشة وتضع حدا لسياسة الاستعلاء الديني والعرقي.

لقد كانت دارفور تاريخيا هي السند القوي لقيام دولة المهدية التي تعتبر نواة لشكل الدولة السودانية الحديثة، وهي أيضا السلطنة التي ظلت مستقلة عن المستعمر الإنجليزي حتى عام 1916.
ولم يكن للإقليم نصيباً في التنمية والتعليم والصحة الا في إطار المشاريع الشوفونية مثل مصنع نسيج نيالا الذي اقامه النميري في السبعنيات ويستورد له القطن من مشروع الجزيرة، بدلا من إقامة مشاريع تستغل فيها موارد الإقليم وثرواته الزراعية والحيوانية والمعدنية

إن إقامة المشاريع التي تساهم في تنمية الإقليم تحتاج الى إرادة وطنية من القائمين بالأمر، ولكن حكامنا الذي جاؤوا عن طريق الانتخاب والذي أتوا على ظهر دبابه اثروا أكثر الطرق سطحية في إدارة البلاد بحصر واجبات الحكومة في ترسيخ السلطة والإنفاق العسكري والأمني. وفي جباية الضرائب من المواطنين مقابل الحماية وحق المواطنة كما هو يحدث الآن في ظل حكومة الإنقاذ التي فشلت في مشروعها الحضاري.

لقد فشل الرعيل الأول الذين تسارعوا في نيل الاستقلال وتسجيل أسماءهم في سجل البطولات، دون ان يدخروا جهداً في حل المشكلة الأساسية وهي مسالة إقامة مؤتمر دستوري يضع فيه أهل السودان الدستور الذي يحتكمون إليه. ولك ان تتصور لعبة ما مثل كره القدم بلا قواعد للعبة، حتى (الدافوري) او كره القدم السودانية (Sudanese Football ) يخضع لقواعد كرة القدم رغم انه غير محكوم بخطة في اللعب.، أي يتم اللعب في ميدان عشوائي.
أما اللعبة السياسية السودانية فقد اثر الذين تعلموا قواعدها أولا او قادتهم الظروف الى ميدان اللعب بان ينقلوها لنا بدون قانون بل حاولوا ان يقنعوا العامة بعدم جدوي قوانين اللعبة. كان هؤلاء يخشون القانون الذي سيكون في صالح الأغلبية المهمشة ، ولكن ممارستهم اللعب بدون قانون أسال لعاب العسكر فسطوا على السلطة وحولوا السياسة الى مسرحاً للحرب، وبذلك أضاعوا فرصة تاريخية لبناء الدولة ما بعد الاستقلال. هانحن في القرن الحادي والعشرين وعصر المعلومات نتطلع إلى حقوق الأساسية للإنسان.

لابد للأحزاب المؤسسة للحكم ما بعد الاستقلال والشخصيات الوطنية التي عاصرت الاستقلال وما بعده بان تعترف بمسئوليتها في السكوت عن الحق والتسبب في النكبة التي يعيشها السودان اليوم. لأنها من خلال الممارسة الديمقراطية الغير نزيهة أعطت المبرر للعسكر للانقضاض على التعددية ووأد الوحدة الوطنية في مهدها. ان غياب الحقوق الدستورية المبنية على أساس المواطنة لا يخدم الا المصلحة الشخصية والنظرة الحزبية الضيقة في ان يكون السودان كما يريد هؤلاء او لا يكون. ولا اتفق مع من يرى ان ما حدث هو مؤامرة استعمارية ضد السودان لان حال السودان لا يرضي عدوٍ ولا حبيب. وأين الإيمان بالله والإنسانية ان كان المستعمر يدفعنا لقتل بعضنا البعض من اجل حكم لم نصل إليه برضى من نحكم.

إن مسئولية بناء الدولة على أسس جديدة هي مسئولية مثقفيها مدنيين وعسكريين ورجال دين إسلامي ومسيحي وكجور وغيره. لان اصحاب الكجور سابقون لاتباع المسيحية، والمسيحيين سابقون لاتباع الإسلام. إذن ان كان هناك إقصاء سيتم إقصاء المسلمين من السودان قبل المسيحيين ويبقى أصحاب الكجور إتباعا لسياسة من دخل أخيرا يخرج أولا (Last in first out) . وإلا تبقى المسالة إتباع شريعة الغاب وليست شريعة الله لان شريعة الله ليس فيها قهرا ولا اغتصابا.
ان بناء الدولة الحديثة لابد ان يقوم على أساس التراضي وبحرية تامة غير منقوصة وهي ايضا من صميم الدين الإسلامي الذي يدعو إلى حرية الاعتقاد الذي هو أعلى درجات الإيمان "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وكذلك هي من صميم النظم العسكرية التي ينبغي ان يتساوى فيها الجنود بغض النظر عن عرقهم وهي أيضا من مطالب دعاة الحرية والديمقراطية.

لقد جرب السودان كل النظم الديمقراطية والدكتاتورية العسكرية الخاصة منها والمتسربلة بالفكر والعقيدة ولم توصل كل تلك التجارب إلى حالة من التصالح مع الذات لأنها بنيت على باطل، الباطل هو ان تحدد للشعب حقوقه وواجباته وعقيدته بدلا من أن يحدد هو تلك الحقوق الواجبات من خلال المشاركة في وضع الدستور. لابد لأي محاولة لحكم البلاد بدون دستور يضعه الشعب ومتضمنا الحريات التامة غير المشروطة وبمشاركة كل المواطنين في شتى بقاع السودان هي محالة يائسة ستزيد من توسيع الهوة بين الحاكم والمحكوم وبين المركز والهامش.

أزمة دارفور هي امتداد طبيعي لازمة جنوب السودان ولا تختلف عنها إلا في كونها أخذت طابعا عرقيا في المعالجة ولم اسمع في حياتي بان رجلا وقعت حصاة في عينه بترت رجله، هذا ما يحدث في دارفور وان حاولنا تشبيه ما يجري فإننا لا نجد مثيل لها الا ما يحدث في الكيان الصهيوني من هدم لبيوت الفلسطينيين بذريعة المقاومة. وهو للأسف يحدث من دولة ترفع شعار الإسلام وتريد تطبيق الشريعة ثم تنتهك وتشارك في اراقة دماء المسلمين بشتى السبل. والله ان كان عمر بن الخطاب حاكم في السودان اليوم لسحب جنوده من دارفور وتركها يحكمها الثوار دون ان يريق قطر دم ليست في سبيل الله بل في سبيل الطاغوط.
إن المواطنين الأبرياء الذين قتلوا على يد الجنجويد او بسبب الجوع والمرض هم في ذمة حكومة الإنقاذ إمام الله وإمام المجتمع الدولي والإنسانية جمعاء . وهاهو المجتمع الدولي يتحرك لحل الازمة على الرغم من التحديات والعقبات التي قد تصاحب الحل بسبب اللعبة السياسية حيث الضحية هم اهل دارفور وعلى حساب وحدة السودان.

ان مشكلة دارفور أكثر تعقيدا من مشكلة الجنوب بسبب التداخل القبلي بين دارفور وتشاد والذي يؤدي إلى كثير من الفتن بسبب استغلال السلطة لذلك ضد أبناء دارفور بعدم الاعتراف بسودنتهم. وكذلك التنوع العرقي في دارفور بين قبائل ذات أصول عربية وقبائل افريقية وما يتبعه من مشاكل قبلية.
لم يكن في حسابات الحكومة عندما أقدمت على حل المشكلة عبر استغلال الجنجويد بان القضية ستدول وتأتيها بالساحق والماحق وتجعلها في موقف لا تحسد عليه أمام الرأي العام، خاصة ان مواطني دارفور هم أنصار المهدي والمتشددون ولهم دور كبير في تقديم التضحيات الجسام من اجل نيل الحرية والديمقراطية بدء من المهدية وانتهاء بحركة 1976 التي كان اغلبها من أبناء دارفور. والغريب في الامر ان الحزبين الكبيرين الامة والجبهة الاسلامية لم يتطرقوا لضحايا هذه العملية ابدا وكان الذي اعدموا من ابناء الغرب قبل السفاح النميري راحوا شمار في مرقه.
لقد استغل ادعياء الفضيلة عاطفة اهل دارفور الدينية من قبل وزج بهم في حرب الجنوب على أساس إنهم يحاربون أعداء الإسلام وما زال هؤلاء يستخدمون في الشعارات الرجعية مثل الصليبية والإمبريالية العالمية تلك المسميات التي عفا عليها الدهر. وربما هذه الكارثة هي التي برات الجنوبيين من تهمة العمالة والخيانة التي يصفهم بها الأحزاب الشمالية.

الإسلام السياسي:

ان اكبر نكبة نكب بها الشعب السوداني هو تمسك بعض المتأسلمين الأعمى بفكرة إقامة دولية دينية في ارض السودان هذه الفكرة لا تقل فداحة عن فكرة قيام دولة اسرائيل في ارض فلسطين أي قيام الدولة بالقهر والاغتصاب خاصة في ظل تعدد للاديان وكريم المعتقدات. ان السودان هي مملكة نبتة والمقرة المسيحيتين وهي ارض القبائل الافريقية ذات الديانات الافريقية (الكوجور) وهي ارض المسلمين على اختلاف مذاهبهم وهي ارض من لا دين له. في ظل هذا الواقع ما لا يقبله العقل ان ياتي مغامر ليفرض رؤاه على الجميع. لابد لمثل هذا المشروع ان يفشل لان السودان بلد التعدد الديني والعرقي واللغوي.

إن دارفور ليست استثناء من بقية السودان ولكن من حمل السلاح استشعر بالظلم والاضطهاد وهذا شانهم ومن قبلهم الجنوبيون وجبال النوبة والانقسنا والبجة وربما غدا النوبة في الشمال. اذن هي ظاهرة عامة للتمرد على المركز الذي هو ايضا خليط بين مختلف انحاء السودان وان كانت الغلبة والهيمنة فيه واتخاذ القرار لاهل الشمال.

كل ما نرجوه من الحاكمين ان يحكموا عقلهم ويعطوا كل ذي حق حقه في السلطة والثروة بما يرتضيه الجميع من خلال تعددية سياسية وإجماع على دستور أي كان دون إنقاص لحق الآخرين. كل هذا لا يتأتى من خلال المؤامرات والدسائس وسياسة فرق تسد المتبعة في حل مشكلة دارفور من قبل أجهزة الدولة الأمنية التي أتمنى ان تتشبه في عملها بجهاز الأمن القومي الأمريكي الذي يديرا كبر دولة مؤسساتية في العالم ومع ذلك يفضح الجهاز إعلام الدولة نفسها وتأتي المسالة والعقاب لجهاز الأمن القومي من الدولة نفسها ولا تنتظر عقاب من احد. ولكن الجهاز للأسف الشديد اصبح رجعيا من جهاز امن نميري مع الفارق الكبير بين فترة مايو والإنقاذ من حيث الطفرة النوعية للعالم في شتى المجالات ومنها احترام الإنسان وحقوقه الأساسية.

مطالب اهل دارفور الاساسية:

ان مطالب اقليم دارفور يمكن ان تتمثل في الآتي:
• التمثيل العادل للإقليم في السلطة المركزية والثروة القومية.
• الاعتراف بالحكم الفيدرالي الدستوري وإعطاء صلاحيات واسعة للحكومية الاقليمية مع الدعم المركزي لها بالموارد المالية.
• اقامة مؤتمر تصالحي حقيقي ينبثق منه الإدارة الأهلية بثوب جديد تسبق المؤتمر دراسة ميدانية ومسح لدارفور لحصر القبائل والمشاكل القبلية.
• إعادة أعمار الإقليم من خلال :-
- بناء ما دمرته الحرب بطريقة علمية وعصرية تساهم في الاستقرار.
- تعويض المتضررين من الحرب وضحايا الحرب
- تقديم مجرمي الحرب الى المحاكم المستقلة عن السلطة
- عمل مؤتمر تصالحي وتسامحي بين ابناء القبائل المشاركة في الحرب
• إقامة البني التحتية من طرق معبدة وسكة الحديد ومطارات بالإقليم لتسهيل انسياب السلع والخدمات بالإقليم ومع دول الجوار لانعاش اقتصاد الإقليم.
• حل مشكلة العطش وندرة الماء بالإقليم من خلال إقامة السدود والأحواض المائية لمياه الأمطار.
• حل مشكلة الكهرباء من خلال الاستفادة من تقنية الطاقة الشمسية.
• حل مشكلة الوقود والحد من استخدام الفحم النباتي للطهي والوقود مما يسبب في التصحر وإزالة الغطاء النباتي.

• وقف الزحف الصحراوي شمالا بزراعة وغرس الاشجار وغيرة من الوسائل البيئية.
• توطين الرعاة وإنشاء المزراع الرعوية للحد من سير الأبقار مسافات طويلة من اجل الرعي مما يفقدها نسبة من اللحوم ويسبب في نحافتها بالاضافة الى ما يسببه ذلك من احتكاك بين المزارعين والرعاة، كذلك عدم القدرة على تقديم الخدمات لهؤلاء الرعاة.

ان هذه المطالب العادلة ان لم تنفذ فان مشكلة دارفور لن تحل حلا جذريا وكل الحلول التلفيقية لا تزيد الطن الا بلاً وربما تربك حسابات السياسيين الذين يحلمون بحكم مليون ميل لا تنقص شبرا. ولنا في تيمور الشرقية عبرة.

طرابلس - ليبيا