جنوب كردفان: القوميات العربية عبر الزمان والمكان وتداعيات الحرب الأهلية (5)

جنوب كردفان: القوميات العربية عبر الزمان والمكان وتداعيات الحرب الأهلية (5)


06-23-2004, 05:50 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1088009436&rn=0


Post: #1
Title: جنوب كردفان: القوميات العربية عبر الزمان والمكان وتداعيات الحرب الأهلية (5)
Author: بريمة محمد أدم/ واشنطن
Date: 06-23-2004, 05:50 PM

جنوب كردفان: القوميات العربية عبر الزمان والمكان
وتداعيات الحرب الأهلية (5)
بريمة محمد أدم/ واشنطن
[email protected]

سلاح القبائل العربية والسلام في المنطقة
1. خلاصة
مع ترحيب القبائل العربية بالسلام، ترى أهمية التمسك بأسلحتها في المنطقة، وذلك ليس بداافع الحرب، بل، بداافع تعزيز السلام. إن وجود سلاح هذه القبائل في المنطقة هو الذى أمن بقائها وحمى ممتلكاتها بعد إنتهاكات الحركة لها. إن تلك الظروف التى إدت إلي مجازر بشعة بحق القبائل العربية مازاالت قائمة ولم تر هذه القبائل ضمانة لأمنها إلا في سلاحها ومن حقهاا التشبث بأسباب بقائها. في هذا المقال أتطرق لجدلية السلام في جنوب كردفان مع وجود سلاح هذه القبائل.


2. القبائل العربية أصلاً قبائل مسلحة

أولاً قبل الخوض في صلب الموضوع أريد إلقاء نظرة سريعة عن متى وماهى أسباب إمتلاك القبائل العربية للسلاح في المنطقة. إن أسلحة القبائل العربية في جنوب كردفان توجد منذ القدم وتطورت تدريجياً من السلاح الأبيض إلي السلاح النارى بقيام وتطور حركات المقاومة المسلحة في جنوب السودان والتى تلتقى معها القبائل فيما يعرف بمناطق التماس وكانت ومازالت تنشأ حروب قبلية على المراعى بين القبائل العربية وقبائل الجنوب الرعوية مسنودة من قبل التمرد. بأدخال التمرد للسلاح في مناطق التماس وإعتداءاتهم التأريخية على القبائل العربية أدى بهذه القبائل أن تمتلك السلاح حفاظاً على توازن القوى في المنطقة، وظلت حروب التماس مشتعلة ولم تستطع إطفاءها كل الحكومات السودانية المتعاقبة وحتى اليوم، وظلت تأخذ أشكال ومسميات مختلفة بأسم حروب التماس، حروب المراعى، حروب قبلية، الأختطاف وأحياناً أخرى يخرجها المدعون من إطارها القبلى التأريخى ليسمونها تجريدات الرق. وهكذا ظلت القبائل العربية تمتلك السلاح وتتدرب على حمله وإستعماله وتتوارثه الأسر أبا عن جد.
الجدير بالأشارة هنا أن هذه القبائل لم تستعمل سلاحها ضد القبائل المستوطنة والآمنة في منطقة جنوب كردفان ولم يشهد التأريخ الحديث قيام حروب أو نهب أو إعتداءات قبلية قبل قيام الحرب الأهلية، مما يعنى أن إمتلاك هذه القبائل للسلاح هو بغرض حماية بهائمها وأرواحها. وإن قراءة هذا التأريخ وإمعان النظر فيه يؤكدان قوة مركزية قيادة هذا القبائل التى لا تتهاون في إستعمال السلاح إلا في حالات الدفاع عن النفس. إن مركزية قيادة هذه القبائل تحت نظارها، عمدها، مشايخها وقياداتها الميدانية هى ضمانات أمنية صارمة يمكنها تعزيز السلام في المنطقة.
3. التمرد وتجييش المنطقة

إذن ما الجديد الذى جعل سلاح هذه القبائل مصدراً لمخاوف أمنية في المنطقة ومن المسؤول عن تحول سلاح هذه القبائل إلي هاجس أمنى في المنطقة؟ وقد تحدثت بأستفاضة عن الحرب الأهلية في جنوب كردفان في المقال الثالث (الفقره التى تتحدث عن الحكومات المتعاقبة ونزيف الدم في جنوب كردفان) وعن دور التمرد في زعزعة الروابط القبلية في المقال الرابع؛ توجد هذه المقالات في صفحات سودانيز أون لاين وكذلك في إرشيف سودانايل. خلاصة القول أن التمرد إستهدف القبائل العربية في المنطقة بصورة وحشية تفوق التصور، حيث قام بأبادة وتهجير وتدمير قرى بأكملها، قتل التجار وأئمة المساجد والمثقفين ونهب ثروات الرعاة. إن مظاهر وحشية التمرد تتمثل في التمثيل بجثث القتلى، وصب السم في الآبار وهدمها في بعض المواقع، وحرق الأطفال والشيوخ في داخل منازلهم وهم نيام (راجع المقال 3 تحت عنوان مجزرة البخس ومجزرة أبوسفيفة). قام التمرد بحرب نفسية شرسة ضد القبائل العربية ورميها بتهم الفئة الهدامة في المنطقة، وأستهدف مؤسساتها التعلمية ومشاريها الزراعية وبناها التحتية بصورة عامة، مما جعل القبائل العربية تبحث عن وسائل بقاءها، وكان هدف التمرد يتمثل في طرد هذه القبائل من المنطقة بصورة نهائية وتسليم سدة الحكم فيها وزمام الأمور إلي قبائل النوبة التى وقفت صفاً واحداً مع قوات التمرد وأمدتهم بالغذاء والمأوى. وتحت هذه البيئة الوعرة والمتوحشة أستطاعت القبائل العربية التشبث باسباب بقائها، أحياناً تقف خلف الجيش بشرط أن تذهب بسلاحها الذى تمتلكة من أرض المعركة، وقد أستفاد الجيش من تلك المغياضة، السلاح مقابل تقديم الأرواح، ليدفع بأبناء البقارة وقوداً للحرب في المنطقة حتى إمتلكوا السلاح الذى أهلهم لحماية أنفسهم وإثبات وجودهم على أرض الواقع. وفي أحياناً أخرى تقوم القبائل العربية بشراء السلاح، وأهم مصادر السلاح هو إقليم دارفور، حيث يأتى السلاح عبر الحدود السودانية-التشادية ويتغلغل حتى يصل مناطق البقارة، ولعل السلاح الشهير ج3 المسمى بالهبرى (مأخوذاً من إسم حسين هبرى الرئيس التشادى السابق) من ضمن الأسلحة المشاعة في المنطقة.
4. قصة القائد النور يحيى وثقافة الحرب

النور يحيى من أبناء الحوازمة في شرق كادقلى وهو من الذين خدموا بالجيش السودانى، وعندما دخل التمرد المنطقة بدأ النور وأبناء منطقته بأقامة دورية ليلة لمراقبة القرية، وكل قرى القبائل العربية لها دوريات حراسة. وفي ذات يوم وفي ساعات الصباح لاحظت الدورية حركة غريبة عند منعطف الوادى الذى يقع غرب القرية. أسرع إحد إفراد الدورية ليعلم النور يحيي بالخبر. ذهب النور ودوريته متسللون إلي الموقع في الوادى. ماذا وجدوا!! مجموعة من المتمردين نيام تماماً وعلى جوارهم جوالات معبأة بالملابس البالية تنوء بحملها الحمير العظام. هجم عليهم النور ومجموعته فهربوا وسط أعشاب الخريف الطويلة تاركين أسلحتهم ومن بينها مدفع رشاش من طراز دكتوريوف. أصبح ذلك المدفع ذو أهمية بالغة لم يتصورها صانعه، إن مجموعة النور ورفاقة تقوم بدوريات نهارية في الجزء الغربى الذى يحد قبائل كيقا، وصبورى واللقورى، وإذا وجدوا أو عرفوا عن تحرك مشبوه في المنطقة، أطلق النور يحيي ثلاث طلقات بالتحديد من مدفع دكتوريوف وعند صلاة المغرب، تعنى أن المنطقة غير آمنة ووجب التشديد في الحراسة. فقد إعتاد حتى الأطفال في القرى المجاورة سماع صوت المدفع (أطفال حرب)، حيث تسمعهم يعدون صوت طلقات المدفع .. واحد .. إتنين .. ثلاثة ثم يضيفون ..حراسة. وفي سابق الأزمان كانت القبائل العربية تستعمل النقارة في الفزع والفاجئة ولكن مع تجييش المنطقة حل السلاح محل النقارة، وإطلاق ثلاثة طلقات نارية يعنى الفزع كما تعنى النقارة ذلك تماماً. وفي مثل هذا الجو الذى تسوده روح القتال، يصبح من العسير أن تتخلى القبائل العربية عن أسلحتها.

5. سلاح القبائل العربية يدعم السلام

ترى القبائل العربية أهمية التمسك بسلاحها في المنطقة، وذلك ليس بدافع الحرب بل بدافع تعزيز السلام. إن وجود سلاح هذه القبائل في المنطقة هو الذى أمن وجودها وحمى ممتلكاتها بعد إنتهاكات الحركة لها. ويزيد من مخاوف هذه القبائل وجود قوات التمرد المسلحة والمتمركزة في المنطقة وعدم مقدرة الحكومات المتعاقبة على حمايتها. إن وجود التمرد مسلحاً بآلياته الثقيلة هو ليس تهديد أمنى لسلطة الدولة أو مصالحها فحسب، بل تهديداً حقيقاً لأمن القبائل العربية التى أبادها التمرد بالأمس ويريدها اليوم أن تضع سلاحها بحجة سلام نرى ضعفة في عدم إستقرار الجنوب السودانى بعد ومازالت إحتمالات الإنفصال أو تجدد القتال تخيم على سماء المنطقة بل السودان بأسره. ولم نرى بعد عن ماذا ستسفر لجان الأرض وما مصير مراحيل الرعاة وماساراتهم التقليدية ومنازلهم ومراكز المياة والمراعى. ولقد ذكرت في المقال السابق ما نصة "ومن القضايا التى نراها ذات أهمية قصوى هى إحتفاظ القبائل بأسلحتها حتى تتم مسألة معالجة قضية السلام على مستوى الريف وإعادة النازحين إلي قراهم والصبر على ذلك السلاح حتى نري بوادر الوئام والأنسجام والطمأنينة التى فقدها إنسان جنوب كردفان تعد من جديد وتدب الحياة في أوصال الريف وفي ذلك الوقت يبقى لكل حال مقام وإن المقام الأن ليس مقام نزع السلاح أو التحدث عنه وأن الحال ليس حال سلام ومازالت تطالعنا صحف الأنترنت بأن الحركة الشعبية في جنوب كردفان ريفى سلارا تعتقل الأساتذة والتجار وهو ذات المخطط الذى تحدثنا عنه والذى يندرج تحت مخطط ضرب القبائل العربية التى تسكن المنطقة وهدم مقوماتها الأقتصادية ومحو أثارها الثقافية وقتل فئاتها المتعلمة وإبادة شريحة التجار العرب فى المنطقة" إنتهى. وقد رد على ذلك كثير من القراء بحجة أن ذلك لا يتماشى ورح وإجواء السلام السائدة. حسناً. نقول إن قبائل النوبة التى إرتمت فى أحضان التمرد ترى ضمانة أمنها في سلاح التمرد القائم على أمرها والحريص على مصالحها، فهل يحق أو يجوز لنا أن نأمن التمرد على أرواحنا ودمائنا وأموالنا وهو الذى يبيدنا ويمثل بجثث قتلانا بالأمس ولا يرى حتى حرمة الميت فينا؟ هل يحق لنا أن نأمن الحكومة بأن تحمى ظهرنا من هجمات الغوريلا المتردة والتى تهاجم القرى في جنح الليل وقتل الشيوخ والنساء والأطفال؟ لماذا لم تحمنا الحكومات من قبل؟ ولماذا قامت الحكومات المتعاقبة بتسليح القبائل الرعوية في المنطقة أولاً، هل هناك سبب أخر غير أن تحمى هذه القبائل نفسها بنفسها بعد أن أثبتت الحكومات عجزها وأفلاسها؟ إن تمسك القبائل العربية بسلاحها هو التمسك بأسباب بقائها وأمنها وهو دعم للسلام في المنطقة.
1. مهددات أقليمية لأمن القبائل العربية

إن أول المهددات الأقليمية هو جنوب السودان، الذى أصبح ذو ثقل سياسي وعسكرى في المنطقة وذلك يؤثر في توازن المنطقة ويزيد من تعقيداتها السياسية، حيث أرتمى أبناء النوبة بثقلهم مع الحركة الشعبية لدرجة أصبحت قيادات الجنوب هى الناطقة بأسمهم وتناقش من أجل مصالحهم وتنوب عنهم، بل إختزلتهم تماماً إن صح التعبير، إلي تابع لا يملك من الرأى إلا ما أشار به سيده، وذلك يجعل الأقليم رهن إشارة الجنوب في حالتى الحرب والسلام، مما يجعل القبائل العربية في غير مأمن من نوايا الجنوب الأنفصالية.
المهدد الأمنى الثانى هو إقليم درافور الجريح الذى يرزح تحت أنات الحرب المؤلمة. يأتى دور وأهمية دارفور بضم جزء من أراضى المسيرية إليها في محادثات السلام الحالية في محاولة لتجزءة أراضى وثروة هذه القبائل مما يعنى الزج بها في صراعات أخرى على حيازة الأرض وتوزيع السلطة وغيرها.
المهدد الثالث وجود المنطقة بأسرها والقبال العربية على أراضى الهامش والتماس وبؤر حساسة وملتهبة كمواقع البترول في أبى يي وخط أنابيب البترول ومشاريع الزراعة الآلية في جنوب كردفان.
إن لهذه الأسباب وغيرها نرى أن الأقليم بأسره تخيم عليه سحب قاتمة ربما تنذر بمطر السوء وتحسباً وسداً للثغرات نرى سلامة تمسك القبائل بسلاحها.

2. ضعف إحتمال تجاوزات أمنية من قبل القبائل العربية

قراءتنا لماضى وتأريخ هذه القبائل في المنطقة نرى حتمية تعايشها مع القبائل الأخرى. ونوجز ضمانة ذلك في الاسباب النقاط التالية:
1. قوة الأدراة الأهلية (النظار، العمد، المشايخ) وسط هذه القبائل وقوة التمسك والإلتزام بها تقليدياً من قبل أفراد هذه القبائل مما جعل أيّ تصرف من أفرادها محكوم برأى قياداتها القبلية.
2. تأريخ التعايش السلمى الطويل في المنطقة، علماً أن هذه القبائل مسلحة ومنذ زمن بعيد نتيجة لحروب التماس بينها وقبائل الجنوب الرعوية.
3. قلة تعداد هذه القبائل في المنطقة التى هى في أحسن الأحوال 23% من مجموع السكان.
4. عدم رغبة هذه القبائل في الأنفصال أو الأستئثار بثروات الأقليم وموارده.
5. تمسك هذه القبائل بأنصاريتها مما يسهل على حزب الأمة قيادتها والتحكم في شؤونها.

ولكل هذه الاسباب وغيرها نرى حتمية التعايش السلمى لهذه القبائل التى تبحث عن أمنها والمحافظة علي أسباب بقاءها. أن وجود قيادات مركزية لهذه القبائل يسهل التعامل معها وضبط سلوكها. فإن ديدن هذه القبائل هو البحث عن السلام ومنذ أن وطئت أقدامها المنطقة وتمازجت مع أهلها، فأثرت فيهم وتأثرت بهم، وطورت من تعاملها وتاقلمت على ظروف المنطقة المحيطة بها.
8. خاتمة
وفي خاتمة القول أقول أن ذلك رأى شخصى إن وفقت فذلك من الله وإن جانبنى الصواب فذاك منى والشيطان، وقد ترى فعاليات هذه القبائل الصواب في غيره وما أنا بمتعصب لرأى أو قبلية وليس أنا كما قال الأعرابى أنا من جرير فإن أحسنت جريرأحسنت وإن أساءت فأنا منها، بل أقول قول إمام السنة "رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب" وأن مجريات الأحداث وقراءة خلفية المنطقة تؤكدان ما ذهبت إلية وحرصاً منى على السلام الذى جاء عن طريق إهدار أرواحنا وأراقة دمائنا، علينا أن نتفحصه ونستخرج منه الدروس والعبر التى تدعم سلام دائم في المنطقة والمؤمن لا يلدغ من جهر مرتين. وأول مساوئ السلام ما توصل إليه أمام الأنصار السيد الصادق المهدى عن بروتوكولات السلام أنها (كالجبنة السويسرية كثيرة الثقوب). وأول هذه الثقوب وأكبرها الثقب الأمنى في منطقة القبائل العربية في مناطق الهامش والذى نحاول سده ببقاء سلاحنا.