إتكاءات عن موت كاتب

إتكاءات عن موت كاتب


04-04-2004, 07:41 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1081060912&rn=0


Post: #1
Title: إتكاءات عن موت كاتب
Author: أمير تاج السر
Date: 04-04-2004, 07:41 AM

إتكاءات
عن موت كاتب
أمير تاج السر
خلي العيش حرام
مادام أرى الموت يحيل .
مابين الرميش
فوق الطريف الكحيل .
تلك واحدة من أغنيات ( حقيبة الفن ) الخالدة ، حيث يخاطب الشاعر صديقه ، مذكرا إياه بصعوبة العيش وهو يرى موته ماثلا بين الرمش والطرف المكحل لمحبوبة جفته .كانت هذه هي الأغنية الرسمية للصوت الرقيق القادم من أعماق كاتب تشرد حتى كان يكتب على ضوء شمعة وكهرباء المدينة سهلة وسلسة ، تتناثر في الشوارع والأزقة ، يغنيها واقفا وجالسا ومنهمكا في كتابة قصة عن عيال ( النوبة ) ، عن ( جاه الله ) العجلاتي في سوق الأبيض ، وحتى عن ( راجندرا ) و (كومار ) وعيال ( كيرالا ) المتخصصين بمده بخبز ( الشباتي ) في ليالي الجوع .
هذا هو ( محمد أحمد الطاهر ) كما كان مسجلا في جواز سفر أقام به في الدوحة عددا من السنوات موظفا في البلدية ومتعاونا مع الصحافة ، و ( زهاء الطاهر ) كما كان مكتوبا في عدد من المجامبع القصصية ، والحوارات ، والدهشات والتطلعات التي ما كانت لتكتمل أبدا لكاتب اختار أن يكتوي بنيران شخوصه قبل أن يكتوون بها ، أن يمعن في مؤاخاة ضغط الدم الذي لا يعرف المؤاخاة ، وأن ينهزم لا من موت معنوي يتبدى بين الرمش والطرف المكحل ،لحبيبة نافرة، ولكن موتا حقيقيا ، فيه فقد وفيه انطفاء ، وفيه غياب مبدع من مبدعينا الذين نشاهد تساقطهم يوما بعد يوم .
أظنني عرفت زهاء الطاهر جيدا ، عرفته من أول يوم قدمت فيه إلى قطر ، كان يحمل نجربة مريرة في الكتابة ، وكنت بلا تجربة ،أحمل نسخة ممزقة الغلاف من رواية أصدرتها في الثمانينيات من القرن الماضي ، وبعض قصائد الشعر ( المطلسمة ) ، ولا شيء آخر . سلمته تجربتي الفقيرة ، ولم يقل فيها رأيا . لعله أرادني أن أن أقرأ أخطائي في صمته وأسعى إلى تصحيحها ، أو لعله لم ير في خامة يمكن أن تثمر فيما بعد عن كاتب .وفي بيوته الغريبة الأطوار ، خانقة الهواء ، وشحيحة الضوء ،التي كان يتنقل بينها ، تحدثنا كثيرا ، قرأنا كثيرا ، ومن ثم ولد ذلك الحافز القوي لمواصلة الكتابة .
يعود زهاء إلى الخرطوم ، يعود إلى البيئة التي سقته ، ينشط في مجال الكتابة الصحفية ، وألمح له قصة هنا وهناك بين الحين والآخر .
لا أدري كم سنة مرت لألتقي زهاء في الخرطزم ..نفس الجسد الممتلئ ، نفس تشابك اليدين الخجول ، لكن الشعر أبيض تماما ..ومشية النشاط التي كانت تمشط شارع ( السد) فيما مضى ، تثاقلت قليلا .. عرق وافر في ظهر القميص ، وسعي لإصدار كتب جدبدة بعد أن ظلت مخطوطة زمانا . في ذلك اللقاء الصيفي وبعد أن اتسعت تجربتي وأصبحت أوصف بغزارة الإنتاج .. انتحى بي الصديق القديم .. اعتذر عن صمته الذي واجهته فيما مضى ووعد بثرثرة كتابية عن تجربتي كاملة .
الآن يذهب زهاء الطاهر الكاتب .. محمد أحمد الموظف ..يذهب ليظل المبدع الذي فهم الإبداع بطريقته وتحول إلى شخصية روائية قد تكتب في يوم ما .
[email protected]